ثقافة

كري سبي تاريخ عريق ونسيج فسيفسائي متناسق

gare sbeحسينة عنتر

مدينةٌ من المدن السورية تقع على الحدود السورية التركية, يبلغ مساحتها 483402 كم2 وعدد سكانها حوالي 14825 نسمة حسب إحصاء عام 2004, ويتمثل بـ40% من الكرد و30%من العرب والبقية الأخرى تمثل مكونات من الأرمن والتركمان وغيرهم.

سُمِّيَتْ بـ (كري سبي وترجمتها بالعربية تل أبيض) نسبةً لوجودِ تلٍ آثريٍ قديم وإلى الشرق منها صخورٌ جصيةٌ تميزت بخصوبة أرضها ووفرة الينابيع التي تغذي نهر البليخ, ومن هذه الينابيع نبع (عين العروس، عين الحصان، ونبع صلولع), فكانت تربتها الخصبة ومياهها الوفيرة وموقعها على طريق القوافل التجارية وسيلة لجذب السكان منذ القديم.

وعندما تحولت الطرق التجارية عنها تراجعت وأصبحت بلدةً زراعيةً، ثم عادت أهميتها بعد إنشاء الخط الحديدي لقطار الشرق السريع الذي شطرها إلى قسمين شمالي, وقد أصبح داخل الأراضي التركية (سرخت)، وجنوبي داخل الأراضي السورية (بن خت)، وهو الذي يُشكِّلُ نواةَ مدينة كري سبي التي أخذت تتوسع باتجاه الغرب خلال النصف الأول من القرن الحالي.

وتبعد من الجنوب الغربي عن بلدة عين عيسى بحوالي 30 كم, وتبعد عن كوباني بـ80 كم, وهي امتدادٌ لريف سري كانيه من جهة الشرق, وكانت هذه السهول الواسعة قطعةً واحدةً لقرونٍ متواصلةٍ وقبل ترسيم الحدود السورية التركية, وكانت مأوى للقبائل الرحل من الكرد والعرب والتركمان، سيما بعد تدمير معظم المدن والمراكز الحضرية بعد هجمات المغول المتلاحقة على المنطقة, والصراعات التي جرت بدوافع المصالح المعيشية والصراع على الموارد والهيمنة الشخصية والإقطاعية الزعاماتية والقبلية.

 وكانت تَسكُنُ كري سبي عشيرتين كرديتين كبيرتين بارزتين ومتنافستين في نفس الوقت هما العشيرة البرازية, ويتفرع من هذه العشيرة الفخذان الشدادان وهي من أصولٍ برازية, واسْمَي فخذاها (أوخ وشداد) ويبلغ عددهم حوالي 3000 نسمة, وهم متوزعون على الأراضي التركية السورية بعد الحدود المرسومة، أما العشيرة الثانية (الملّي), هذه العشيرة التي أدت أدواراً تاريخيةً بالغةَ الأهمية والخطورة على حدٍ سواء في تاريخ المنطقة بدءاً من القرن السادس عشر, أي مع بدء السلطنة العثمانية حيث شمل نفوذ التحالف الملّي المنطقة الواقعة بين مناطق: (أمد، ماردين، عامودا، سري كانيه، أورفا، كري سبي والرقة وحتى حلب) بدءاً من القرن الثامن عشر أي بما يشمل بالطبع منطقة كري سبي الحالية, وهوَ تحالفٌ متنوعٌ يقودُ عائلةً معروفةً من عشيرة “ملان” ويعتبر نواة الحلف وقيادته كان نموذجاً مميزاً من التشكيلات القبلية, وتميزت كري سبي أيضاً بوجود عشيرة “آل كردو” المعروفة بثراها الاقتصادي وثقلها الاجتماعي، ولازالت هذه العشائر موجودة إلى الآن.

ويُمارسُ سكان كري سبي جميع الأنشطة التجارية والزراعية وقليلٌ من النشاطات الصناعية البسيطة, أما بالنسبة للزراعة فتتم بطريقةٍ بعلية ومروية بطريقة البستنة التي تسقى من عين الحصان وصلولع بمساحة تزيد عن 200 هكتار وأهم محاصيلها: “القمح، الشعير، الذرة، القطن، المشمش، الرمان والجوز”، وتعمل فئة أخرى في التجارة الداخلية في السوق التي تقطع المدينة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، إضافةً لبعض الصناعات والمعامل والمهن الصناعية والعمل في الورش الميكانيكية والكهربائية لخدمة العمل الزراعي والآلات والمعدات على اختلاف أنواعها، ويتواجد في كري سبي مدارس تضم المراحل الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية إضافةً لبعض المعاهد وفيها محطةٌ للرصد الجوي.

نظراً لكثرة الينابيع والطبيعة الخلابة يقصد المدينة الزوار والسياح بقصد الاستجمام, وفي السنوات الأخيرة كانت تقوم فيها العديد من الفعاليات الثقافية والسياحية ورغم الفسيفساء المتنوع للسكان إلا أنهم يتعايشون بروح التعاون والوفاق المتبادل بينهم, والنسوة كانت دائماً بجانب الرجال في السراء والضراء وإبان الثورة السورية نالت كري سبي النصيب الأكبر من الهجمات التي لاقتها, وأول تلك الهجمات شنت في الـ 18 تموز 2013 مما أدى إلى نزوح الآلاف من سكانها إلى تركيا والمناطق المجاورة، وقد عاث فيها داعش والمجموعات المرتزقة فساداً ودماراً ونهباً وسلباً، لكن مع بداية تشكيل وحدات حماية الشعب والمرأة الـ (YPG&YPJ) في روج آفا والتي حملت على عاتقها مهمة تحرير كافة مناطق روج آفا من رجس التنظيمات الإرهابية المرتزقة, وبعد تحرير كوباني في 26كانون الثاني 2014 وجبل كزوان بتاريخ 20أيار 2015 وبلدة سلوك بدأوا بتحرير مدينة كري سبي وما يحيط بها وقدموا الكثير من الشهداء في سبيل ذلك.

وفي 21 تشرين الأول 2015 تم الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في كري سبي, وعاد القسم الأكبر من سكانها إلى أراضيهم وشاركوا في الدفاع عن المنطقة، وبدورها ساهمت الإدارة الذاتية في تأمين متطلبات الشعب من غذاءٍ ودواء, وأعادوا تأهيل وتأسيس كافة المؤسسات المدنية والخدمية, وهذا ما زاد من غيظ النظام التركي المتمثل بحكومة العدالة والتنمية AKP ولم ترق لها ذلك، فلم تتوانى للحظة عن تشويه هذا الانتصار, لذا بذلت كل جهودها العدوانية تجاه روج آفا مُحاوِلَةً إعادة إخضاع كري سبي من جديد لسيطرة مرتزقتها, وذلك من خلال دعمها المباشر والمستمر لتلك المجموعات وخلاياها في داخل المنطقة لإعادة سيطرة أدواتها المتمثلة بداعش على كري سبي, وقد فشلت كل محاولتها المتتالية أمام إصرار وتصميم وعزيمة وتصدي قوات سوريا الديمقراطية واستماتة أهلها في الدفاع عنها من خلال انضمامهم إلى قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأسايش التي بذلت جهداً لا يقل عن جهود قوات الحماية وقوات سوريا الديمقراطية؛ وبعد تنظيف وتحرير كافة مدينة كري سبي أصبح الطريق أمناً من سري كانيه – سلوك – كري سبي – كوباني, وإبان إعلان الفيدرالية في روج آفايي كردستان بتاريخ 17آذار 2016  تحت شعار سوريا الاتحادية الديمقراطية ضمانةٌ للعيش المشترك وأخوة الشعوب لاقى تقبلاً جماهيراً واسعاً, لأنه المشروع الجدي الذي سيحقق طموح الشعب الكردي بشكلٍ خاص والشعب السوري بشكل عام, كما أن الرئيس المشترك للإدارة الذاتية الديمقراطية منصور السلوم انتُخِبَ كرئيسٍ مشتركٍ للمجلس التأسيسي للاتحاد الفيدرالي الديمقراطي في روج آفا- شمال سوريا, وهو من المكون العربي وهذا دليل حقيقة الشعب المقاوم والمتصدي للظلم والاستبداد وضرورة العيش المشترك بين الشعوب دون إنكار أحدهما للآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى