مقالات

فكر بها أيها السوري

الكُرد عشاقٌ للحرية وأصحاب ثقافة وسلام

ربما يكون نداء ولكنه ليس استجداء، وربما هي رسالة ولكنها لن ترضى أن تكون مركونة في أدراج الغبار، وربما هي ضرورة ولكنها لن تكون توسلاً، ربما هي دعوة للآخر الشقيق الذي لا يزال يعتبر نفسه سورياً، وما أنا متأكد منه أنها حقيقة نابضة حتّمَها التاريخ والعيش المشترك وشوّهتها الأجندات الإقليمية وضاعت ملامحها تحت رماد الحرب الأقرب الى الأهلية منها إلى مفهوم الثورة.

سوريا بلدنا كما روجافا أرضنا، سوريا بلدنا رغم تنوع انتماءاتنا وثقافاتنا، والأساس المتين الذي يُبنى عليه تعايش هذا الموزاييك السوري وتكامله مرتبط ارتباطاً عضوياً بسوريا ديموقراطية لا مركزية، هذا ما تمليه ضرورات العيش المشترك في سوريا موحدة بتنوع ثقافة شعوبها وخصوصاً بعد سنوات المقتلة السورية. هذا التنوع من “عرب، كرد، سريان، آشور، أرمن، تركمان، شيشان، مسيحيين، مسلمين ايزيدين، علويين، دروز، اسماعليين” هو من يكوّن سوريا الوطن للجميع، وطنٌ يحكمنا فيه قانون يحترم الجميع ويلُمنا فيه مجتمع مسؤول.

فالكرد شعب كغيرهم من مكونات سوريا وليسوا قومجيين، وفيه من كل الأديان ولكنهم ليسوا طائفيين، ونضال الكرد من أجل حريتهم يرسمونه بدمائهم وأفكارهم المتسامحة مع الآخر المتمايز، وإمكانياتهم الذاتية، و تبقى فكرة الإنسان هي الأسمى في ثقافة هذا الشعب. و رغم كل الاتهامات و الظلم التاريخي الذي واجهه الكرد في سوريا، ورغم أحقيّتهم بفرض كل الشروط و حتى “الانفصال” كحل نتيجة سياسات القمع و فاشية ما سُمِّيت “الثورة” وتبعيتها العمياء للعدو الإقليمي والتاريخي لشعوب المنطقة وعلى رأسهم الكرد “تركيا”، وتخلف أتباع هذه المعارضة المستتركة خلقت هوّة من عدم الثقة بها مما أفقدنا ضمانات المستقبل مع هذه الفئة من الشعب السوري، ولكن الكرد على العكس طرحوا مشروعاً جامعاً وليس مفرقاً، يدعو لوحدة سوريا لا لتمزيقها، وعلى المقلب الآخر عقلية النظام الواحد القوموي الرافض للآخر كائناً من كان والذي أجرم بحق كل مكونات الشعب السوري على طول مسيرته التي يرغبها أبدية خلقت الوازع الأدهى للتفكير ملياً بصياغة عقد اجتماعي جديد لسوريا ديمقراطية لا مكان فيها للديكتاتورية ونبذ الآخر المختلف.

إلا أن الكرد وباقي مكونات شمال وشرق سوريا قاتلوا  داعش ودفعوا فاتورة وطنية كلفتنا دماء آلاف مؤلفة من شباب المنطقة، وقدمنا ومنذ اليوم الأول مشروعاً سياسياً وطنياً حقيقياً، يضمن حياة حرة وديمقراطية مدنية تضمن حقوق الجميع ولا يمكن لأحد أن ينافسنا بذلك أو يدخل في مزاودة علينا بالشعارات الوطنية، فنحن لم نقاتل إلا دفاعاً عن أنفسنا وكرامتنا ولم نعتدِ على أحد ولم ندمِّر مصنعاً أو مشفىً أو مدرسة، وعملنا على أن نكون مصدراً للسلام و التوازن في المجتمع السوري رغم الاستهداف المستمر للكرد وباقي المكونات في الشمال السوري، وحاولنا بحرص أن نبتعد عن لغة “القومية والطائفية والتعصب الإثني والعرقي” على عكس ما أتت به المعارضة السورية المدعومة من قوى إقليمية لم يهمها يوماً مصالح الشعب السوري بل أنتجت ثقافة الانتقام والحرب والدمار والقتل والنهب و سرقة البلد.

فمن لا يقرأ هذه الوقائع بشكلها المجرد ويقارن بين ما قدمناه في الشمال السوري و روجافا وبين ما ارتكبته تلك العصابات والجماعات الإرهابية ـ و التي تعمل تحت مظلة “المعارضة السورية باسم الائتلاف الوطني السوري” المأجورة من الخارج والتي سرقت ثورة الشعب السوري و حلمه في الحرية و الكرامة بعد أن حولتها لحرب طائفية وحمام دم لن ينتهي أبداً خدمة لمصالح الآخرين ومخططاتهم ـ فهو ليس بإنسان عاقل و لا ثوري حر ، وهو لا ينتمي لوطنٍ اسمه سوريا.

ما نقدمه من طرح سياسي هو فرصة حقيقية للجميع اليوم ويضع كل الغيورين من أبناء سوريا أمام خيار هو الأجدى لكل الشعب السوري، وهو يضع المصلحة الوطنية والقِيم الإنسانية فوق أي اعتبار آخر بغية تجاوز هذا الدمار والقتل والتيه المجنون، ولكي ننجح في امتحان المسؤولية الوطنية والمواطنة الحقيقية فإما أن نتفهم المعادلة ونفصل بين ثقافة الإرهاب والسلام أو نضِيع جميعاً وتصبح سوريا المدمرة والسوريين المشردين في خبر كان.

فكر بها أيها السوري الأصيل لنبنِيَ وطناً لنا جميعاً أساسه الاحترام و الحقوق في المواطنة والمسؤوليات والواجبات، فربما هي الفرصة الأخيرة لحماية البلد من المقتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى