ثقافة

زاويةٌ من زوايا القرن العشرين

images kurd miribrahimpرغم نشاطهم خرجوا من المولد بلا حمص…..

لم تكن النشاطات السياسية والثقافية ونمو الشعور القومي والتخلص من الاستبداد والظلم، والالتحاق بركب التحرر والخلاص مقتصراً على العرب والأتراك والشعوب الأخرى في الشرق الأوسط  فقط، بل كان هذا الحلم و الشعور والأمل يراود الشعب الكردي أيضاً كشعبٍ وأمةٍ شرق أوسطية لها تاريخها وثقافتها ولغاتها….، ويمتلك شعبها شعوراً جمعياً مشتركاً، فالكرد وعبر تاريخهم لم يكونوا أصحابَ نزعةٍ قومية عنصرية انفصالية، بل شاركوا جيرانهم من الشعوب الأخرى وحتى الشعوب الغازية لميزوبوتاميا العيش المشترك ودافعوا عنهم وشاركوهم خيرات أرضهم،  لكن يبدوا أن هذا الأمر أقتصر على “الشعوب” فقط ، فمع بداية مراحل التقسيم والتقاسم التي ظهرت مع بداية القرن العشرين وحتى قبل ذلك، وبروز النزعات القومية التي فُرضت بشكلٍ أو بآخر من قبل الأنظمة الأجنبية المحتلة، أو بعبارةٍ أخرى الدول “المنتدبة ” حسب اتفاقية باريس 1919والتي كانت محصلتها أنظمة جديدة ظهرت قبل وبعد الحرب العالمية الثانية.

لم يكن للشعب الكردي نصيبٌ في هذه التقسيمات رغم مشاركتهم في التحرر والبناء لتلك الدول “الأنظمة الجديدة” خاصةً وأن هذه الأنظمة وعلى عكس وعودها ودساتيرها تنكرت وبدأت تشن عمليات الإبادة وعلى كافة المستويات ضد الشعب الكردي وهي مستمرة في سياساتها ونهجها إلى يومنا هذا. لذا لم يبقى أمام الكرد سوى النهوض والتحرك ضد مستعمريهم الجدد إلا وهم (الأنظمة الاستبدادية الفاشية ).

استيقظ الشعور القومي الكردي في تاريخ الحركة التحررية القومية الكردية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع بداية ظهور الصحف الكردية التي تطورت تطوراً ملحوظاً في مجال الفكر السياسي والاجتماعي الكردي، وانبعاث طبقة من المثقفين الكرد، وقد رأى هؤلاء أن الصحف منبعٌ- للثقافة والأدب، وهذا ما أدى إلى ازدياد عدد المثقفين والكتاب والأدباء في نهاية القرن التاسع عشر، حتى أصبحت جريدة (كردستان) منبراً للثقافة والوعي والسياسية الكردية المناهضة للحكم العثماني ومن ثم للأنظمة الجديدة.

في نهاية عام 1908م ومع ظهور حزب (تركيا الفتاة)، برزَ عهدٌ جديدٌ في تنوير الشعور القومي، وارتباط النضال السياسي داخل حزب (تركيا الفتاة) بوجود بعض السياسيين والمثقفين الكرد، وعندما أهمل حزب تركيا الفتاة القضايا الكردية بل ناهض الأفكار القومية الكردية، تأسست على أثر ذلك جمعيات كردية تهدف إلى نشر العلوم والمعارف والثقافة وتنوير الشعب من خلالها، ومنها: (هفكاري) و (بيشكتنا كرد) و (هيفي).

تنكر (الاتحاد والترقي) للكرد، ووقفوا ضد المطالب الكردية في الحرية والاستقلال، واستمروا متمسكين بأفكار وحسابات متخلفة.

ولعل مرحلة صدور صحف كردية مثل ( شروق كردستان 1908م) و(كردستان 1908-1909م) و (يكبون1913م) و (روزا كرد 1913م) و (هتاوي كرد 1913م)،….  والتي أخذت  على عاتقها مهمة التعريف بالقضية الكردية، ونشر مطالبها أسوة ببقية الشعوب كانت الانطلاقة في تبلور رؤية قومية كردية في تلك المرحلة، وأدركت النخب السياسية الكردية أهمية دور الإعلام في نمو وإيقاظ الوعي القومي، خاصةً وأن الكرد تعرضوا لحملةٍ هوجاء من قبل العنصرية التركية في الاتحاد والترقي.

في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، انتفض الشعب  الكردي من خلال الثورات والانتفاضات، لكن لم تنجح ولعل أسباب كثيرة كانت خلف إخماد تلك الثورات وعدم قدرتها على مواصلة الكفاح لفترة طويلة.

جرى تقسيم كردستان وشعبها إلى أربعة أجزاء، الأجزاء الغربية فقد كانت تحت الحماية الفرنسية، أما الأجزاء الشمالية فقد كانت من نصيب الكماليين الأتراك، وفيما يخص الأجزاء الشرقية فأنها وابتداء من منتصف القرن التاسع عشر كانت تحت سيطرة الشاه الإيراني، وأحتفظ الانكليز بالقسم الجنوبي.

وكنتيجةٍ لتقسيم كردستان وبعثرة قواها، فأن مسألة أذابتها ومحوها من الوجود غالباً ما كانت تظهر على جدول الأعمال لتلك الدول والأنظمة، أدى هذا إلى شرخٍ في الحياة الكردية العامة، (اجتماعياً، اقتصادياً، وسياسياً) وبات الكردي يعيش على أرضه غريباً، وتبعثرت الآمال وترسخت سياسة الأمر الواقع، وتغيرت في ما بعد أشكال ومطالب النضال في كل جزءٍ حسب الواقع الذي هو فيه.

ولعل الجزء الأبرز الذي سنسلط عليه الضوء في تلك المرحلة (روج آفاي كردستان) حيث التجأ الكثير من الوطنيين والمناضلين الكرد الذين شاركوا في ثورة الشيخ سعيد بيران وانتفاضة آكري التي قادها الجنرال إحسان نوري باشا إلى الجزيرة (شمال سوريا) هرباً من ظلم وتعسف الأتراك – الكماليين، بعد الفشل الذي أصاب الحركتين، ومن هؤلاء الأمير “جلادت  بدرخان، والدكتور أحمد نافذ، وأوصمان صبري، حمزة مكسي، أكرم جميل باشا، نوري ديرسمي، وأمين أحمد بريخاني، نورالدين ظاظا” وغيرهم كثيرون.

لم توافق الحكومة الفرنسية على نشاط الكرد عبر الحدود التركية-السورية، لذا ارتأت حكومة الانتداب أن تنقل هؤلاء إلى الداخل لتبعدهم عن المناطق الحدودية،  فسمحت لهم بالاستقرار في الداخل في مدينة دمشق.

أدرك هؤلاء المثقفون بحسهم القومي وشعورهم بالمسؤولية تجاه القضية الكردية، أن هناك وسيلة أخرى للنضال، وباشروا نشاطهم الأدبي والسياسي من خلال المجلات والكتب وكرسوه لإيقاظ الشعور القومي الكردي، لذلك اجتمع عددٌ من المثقفين الكرد حول الأمير جلادت بدرخان.

وبدأ الحِراكُ النهضوي الكردي يأخذ منحاً له في سوريا، ونشأت منذ بداية الثلاثينيات على شكل جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية ورياضية، كما برزت أيضاً حركة (خويبون1927م) حيث نشطت حينذاك حركة ثقافية واسعة في مجالات النشر، والتأليف، والشعر، والأدب، وأصدر الأمير جلادت بدرخان مع عددٍ من المثقفين  مجلة هاوار (1932-1943)، تدرج على صفحاتها أقلام نخبة من الشعراء والأدباء الكرد، وكان ذلك بداية نشوء حراك للشباب الكرد في دمشق، الحكومة الفرنسية من جهتها منعت إصدار المجلة عدة مرات، ويعود السبب إلى دعم ومساعدة لا بل ومشاركة الكُرد مع الحركة الوطنية العربية في سوريا ضد الاستعمار الفرنسي (حسب بعض المؤرخين) …. وعلى الرغم من ذلك لم يقف المثقفون الكُرد مكتوفي الأيدي، بل أصدرت مجلة (هاوار1932-1943) م سلسلة من الكتب الكُردية التي تهتم بالثقافة والتاريخ واللغة والأدب الكُردي.

كما أصدر جلادت بدرخان مجلة (روناهي1942-1945)م، حيث اهتمت المجلة في صفحاتها الأولى بأخبار الحرب العالمية الثانية، وهي أول مجلة كُردية مصورة تهتم بأخبار الحرب بشكلٍ دائمٍ ومتواصل وبالأحرف اللاتينية، إضافةً إلى اهتمامها بالجانب الثقافي والأدبي، والفولكلور الكردي.

في تلك المرحلة كانت مدينة دمشق مركزاً لإصدار المجلتين (هاوار و روناهي)، اللتين لعبتا مع وجود المناضلين الكُرد الذين نقلهم الفرنسيون إلى دمشق دوراً وتأثيراً مباشرين لاستنهاض الشعور القومي عند الشباب الكُرد في دمشق، مما دفعهم إلى تأسيس نادٍ ثقافي باسم (نادي هنانو)، وكان سكرتير النادي الشاب بهاء الدين وانلي، ضم الكثيرين من الشباب الكُرد في الحي الذين التفوا حول النادي.

وفي عام 1939م تأسست في دمشق في حي الكُرد، جمعية باسم (يكيتيا خورتان) أي وحدة الشباب، ضمت عدداً كبيراً من الشباب وخاصة بعد انضمام نادي صلاح الدين الثقافي إليها، ونادي هنانو وتغير الاسم إلى (نادي كردستان) وبمساعدة المناضل أوصمان صبري ونورالدين ظاظا، اجتمع حوله مجموعةٌ من الشباب الكُرد، و (نادي كردستان) وهو نادٍ رياضي، يهدف إلى جمع شمل الشباب الكُرد، واستنهاض الشعور القومي الكردي لدى الناشئة، وفتح دورات لتعليم اللغة الكردية، وقد استقطب النادي من خلال نشاطه الرياضي الشباب الكُرد، وما يزال يوجد بعضهم حتى الآن في حي الكُرد (ركن الدين) وهم أحياء يرزقون، وقد كان المعلق الرياضي السوري الشهير المرحوم (عدنان بوظو) لاعب كرة قدم وعضواً في النادي، وشارك النادي في إحياء المناسبات القومية، واحتضن أيضاً الطلاب القادمين من المناطق الكردية إلى دمشق من أجل الدراسة أو العمل.

تأسست في الجزيرة جمعية (التعاون ومساعدة الفقراء الكُرد) في عام 1932.

كان المؤسسون أعضاء في جمعية “خويبون” ومن الرعيل الأول الذين التجأوا إلى الجزيرة (شمال سوريا)، بعد فشل ثورة الشيخ سعيد وآكري ومنهم: (حسن حاجو آغا، عارف عباس، جكرخوين، الدكتور أحمد نافذ، وعبد الرحمن علي يونس، حمزة بك، أمين أحمد بريخاني، وأوصمان صبري ….الخ). الجمعية تهدف إلى تحسين أوضاع الفقراء المعيشية والصحية والتعليمية، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية (بناء المشافي، فتح المدارس، صندق التعاون للمحتاجين)، وقد نشرت الجمعية تعريفاً بأهدافها على الصفحة الأولى من مجلة (هاوار) العدد الثاني الصادر في 1/ حزيران /1932، وقد انتشرت فروع الجمعية في غالبية المناطق في الجزيرة، والمناطق الكردية الأخرى، ونذكر أن ممثل الجمعية في دمشق كان الدكتور أحمد نافذ، وكان لهذه الجمعية الفضل في تشجيع الشباب الكُرد على فتح دورات لتعليم اللغة، ونشر الوعي بين أبناء الكرد، وفتح نواد ثقافية ورياضية، واستنهاض الشعور القومي بين الشباب والناشئة وطلاب المدارس.

تأسس أول نادي كردي (نادي شباب الكرد في عامودا) في مدينة عامودا في منتصف الثلاثينات، وكان الشاعر جكرخوين يقوم  بإدارة النادي ويُدَرِّسُ الشعر الكردي للطلاب، وتحولت كثير من بيوت المناضلين في عامودا إلى نوادٍ ومنتديات للمثقفين ومدارس لتعليم اللغة الكردية، واستنهاض الشعور القومي، وإحياء المناسبات القومية مثل (عيد النوروز)، وإقامة ندوات سياسية وارشادات تنويرية.

الكثير من الشعراء والكتاب والمؤرخين والمهتمين باللغة والقواعد الكردية كانوا نشطاء في الجمعيات والنواد الكردية في تلك الفترة أمثال جكرخوين، ملا نوري، ملا أحمد نامي، ملا طاهر بوطي (بنكي)، ملا أمين وملا أحمد بوطي، والمؤرخ حسن هشيار، واللغوي الكردي رشيد كُرد… شكلوا مع كوكبة من المثقفين والمناضلين حركة قومية نشيطة في عامودا، والتي أصبحت مدينة المناضلين والسياسيين والمثقفين الكرد، وكانت لها صفحات ناصعة من النضال ضد الانتداب الفرنسي على سوريا، بسبب وجود النشاط المكثف لرجال المقاومة الكردية بجانب المقاومة الوطنية السورية، والمطالبة بجلاء القوات الفرنسية من سوريا، لهذا أنزعج الفرنسيون كثيراً، وفي عام 1937 أحرقوها.

ومع بداية الخمسينيات ونتيجة الأوضاع السياسية العامة في سوريا والمنطقة عموماً، حدثَ ركودٌ في الواقع الكردي بعد عدة نكسات متلاحقة، ليس على المستوى السياسي فحسب بل على المستوى الثقافي أيضاً، وسيطرت الضبابية والغموض واليأس على الفكر الكردي، ولكن الطموح والاندفاع بدأ من جديد حيث تأسست بعض الجمعيات .

فتأسست في عام 1951 في مدينة حلب، جمعية ثقافية سرية تعمل على نشر الثقافة الكردية والروح القومية، وكان من أعضائها رشيد حمو وشوكت حنان ومحمد علي خوجه وقادر إبراهيم….

ولكن جمعيتهم ما لبثت أن انكشف أمرها في العام نفسه، فاعتقلوا، وسيقوا إلى سجن المزة بدمشق.

وتأسست في مدينة القامشلي عام 1953 جمعية (وحدة الشباب الديمقراطيين الكُرد)، وكان من مؤسسي هذه الجمعية السيد محمد ملا أحمد، وعبد العزيز علي ملا عفدي، ودرويش ملا سليمان، وسامي ملا أحمد نامي، وقد حلت هذه الجمعية نفسها بناءً على طلب مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.

كما تأسست  في مدينة حلب جمعية باسم (المعرفة والتعاون الكردي)1955م في منزل المناضل نوري ديرسمي، وكان من مؤسسي هذه الجمعية (الدكتور نوري ديرسمي، والأميرة روشن بدرخان، وحسن هشيار، وأوصمان أفندي، وحيدر محمد كنجو…)، سعوا من خلال هذه الجمعية تقديم المساعدة لفقراء الكُرد، توسعت علاقات الجمعية حتى طالت حزب (أيوكا) اليوناني في قبرص، الذي كان يناضل ضد الأتراك، ووصلت أخبار ومنشورات الجمعية إلى الاتحاد السوفيتي، فأرسل البروفسور الكردي المعروف قناتي كُردو رسالة في عام 1956 الى أعضاء الجمعية يحث فيها على جهودهم في سبيل قضيتهم.

وفي عام 1957م تأسس حزب (آزادي) في قامشلو، وقد شارك في تأسيسه محمد فخري والشاعر جكرخوين وملا شيخ موسى شيخي، وملا شيخ موسى القرقاتي…الخ، وأغلب هؤلاء هم من المنسحبين من الحزب الشيوعي، ونظموا أنفسهم ووضعوا له برنامجاً سياسياً ونظاماً داخلياً.

وفي عام 1957م تأسست رابطة للطلبة الكرد في جامعة دمشق،

كما تأسس في نفس العام (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)

على يد كل من عثمان صبري المؤسس والراعي الأول للحزب والشيخ محمد عيسى و حميد درويش، ورشيد حمو، و محمد علي خوجه…..، لكن لم يكن له أي دور يذكر وسرعان ما تشتت الحزب بعد اعتقال عددٍ من قياداته. (حسب بعض المؤرخين)

ومع بداية الستينيات انقلبت الأوضاع السياسية في سوريا والمنطقة عموماُ رأساً على عقب، خاصةً مع وصول البعث لسدة السلطة والحكم في كل من سوريا والعراق، والذي قاد منذ  نشوئه مشروعاً سلطوياً اقصائياً شوفينياً تجاه شعوب المنطقة خاصة الشعب الكردي، لينهي بذلك كل النشاطات الثقافية والسياسية والاجتماعية ليدخل البلاد في حالةٍ من الاستبداد.

 دلبرين فارس

زر الذهاب إلى الأعلى