مقالات

تحرير الرقة انتصار للأمة الديمقراطية

محمد أرسلان

بعد شهور من المقاومة التي خاضتها قوات عديدة من سوريا والمنضوية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، يحق لهذه القوات والشعوب في المنطقة والعالم أجمع أن يحتفلوا اليوم بتحرير مدينة الرقة من براثن الإرهاب المتطرف بعد سنوات من الظلم والتهديد والوعيد والقتل والدمار.

هذه المدينة التي اتخذها ما يسمى “داعش” عاصمة لدولته الافتراضية التي ليس لها أي علاقة لا بالتاريخ ولا بالحاضر وكذلك لا بالمستقبل، هذه العاصمة التي كانت مركزاً للإرهاب المحلي والإقليمي والدولي، ومنها كان يبث تهديداته لكل من كان يخالفه الرأي أو المعتقد.

اتخاذ ما يسمى “داعش” مدينة الرقة عاصمة دولته الافتراضية، وكذلك مدينة الموصل مركزاً لخلافته؛ أمرٌ ملفتٌ للانتباه، ومَحَلُّ دراسةٍ وبحثٍ لكثيرٍ من الباحثين في شؤون الإرهاب والتيارات الإرهابية. لماذا كان هذا الاختيار؟ هل هو مجرد صدفة أم أنه كانَ عن قصدٍ ودراسةٍ لهم مبتغاهم؟ ولماذا لم تكن العكس أي أن تكون الموصل هي العاصمة، والرقة هي مركز الخلافة؟ من الموصل كان التنظيم الإرهابي “داعش” يُصدر أوامره الدينية وفرماناته الإلهية، ومن الرقة كان يصدر قراراته الدنيوية وقوانينه “العلمانية” وتهديداته في كل الاتجاهات!!! هذه الأسئلة وغيرها الكثير ستتم الإجابة عنها خلال الكتابات اللاحقة.

تحرير الرقة هو ليس فقط هزيمة لما كان يسمى تنظيم “داعش”، بل هو هزيمة نكراء لكل من كان يراهن عليه في تحقيق أجنداته داخل سوريا أو خارجها. وهي هزيمة لتركيا أولًا لأنها كانت الممول الرئيس لكل احتياجاته المادية واللوجستية والعسكرية، فعن طريق تركيا كان يبيع داعش البترول، وكل شيء بمده بالمال وعن تركيا كانت تأتي جحافل المتأسلمين الإرهابيين من جميع أصقاع العالم، وبنفس الوقت كانت تركيا الحديقة الخلفية لداعش.

إذ، في تركيا كان يعالج المصابون والجرحى من داعش، وكذلك كانوا يأخذون استراحة المقاتل. ثانياً، هو هزيمة لداعميه من الخليج وخاصة قطر التي كانت وما زالت تمول الإرهاب والإرهابيين في المنطقة بغية نشر الفوضى والخراب والدمار.

تحرير الرقة هو هزيمة لكل العقليات التي كانت وما زالت لا تؤمن بالآخر إن كان قومياً أو دينياً، هذه العقليات المنغلقة على ذاتها، ولا تعرف إلا ما تفكر فيه، وأن قراره هو الصحيح، وكأن الدنيا كلها تدور في محوره هو، الذهنية التسلطية والاستبدادية التي تحفل بها منطقتنا باتت ثقافة قدرية على رِقابِ جميعِ الشعوب، وكأنهُّ قَدَرٌ لا يمكن التخلص منه أبداً، وكل من يحاول مجابهته كان يقام بحقه حدُّ السيف تحت المسمى الديني.

الفكرُ الشموليُّ الاستبداديُّ المُنتشرُ في منطقتنا منذُ قرونٍ عديدةٍ هو الحاضنة الرئيسية لكل التنظيمات والنظم الدكتاتورية التي عاشتها الشعوب، وهي بنفسِ الوقت الرَحِمُ الوَلاّدَةُ للشخصيات الكارتونية الهزيلة التي جعلت من نفسها ظل الله على الأرض، وأنَّ عملها ينحصر فقط في تطبيق الأوامر الإلهية في نحر الرؤوس، وقطع الأيادي، وحرق الإنسان، وتدمير البيوت، وسبي النساء على أنهن مغانم حرب، وبيعهن في أسواق النخاسة، واغتصابهن تحت مرأى ومسمع من يدعي العلم والعلمانية، وأنه هو من يمثل الإسلام الحقيقي.

تحريرُ الرقة هو هزيمةٌ لكلِّ هذه الأطراف والتيارات والدول، وكذلك العقليات والذهنيات التي ما زالت موجودةً في ثقافتنا ومحيطنا.

تحريرُ الرقة هو نصرٌ لكلِّ الشعوبِ التواقةِ للحرية والكرامة، ولكل من كانوا ضحية هذا الإرهاب والإرهابيين في كل مكان، إنهُ نصرٌ بطعمِ الكرامةِ في القضاء على هذه العقليات الاستبدادية والإقصائية التي ما زالت موجودة، وتريد إنتاج ذاتها تحت مسميات عديدة، إن كان في سوريا أو العراق أو تركيا أو إيران، وفي أماكن أخرى لا تقلُّ دكتاتوريةً عما هو موجود في هذه الدول.

إنهُ نصرٌ لفكرِ وفلسفةِ القبولِ بالآخر؛ بعيداً عن النزعات القوموية المتعصبة والشوفينية، وكذلك الدينوية المتطرفة، إنه نصرٌ للأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب التي أصبحت اللَبِنة الأساسية في بناء مجتمعات أخلاقية وسياسية تعي ما تقوم به وإلى أين هي متجهة.

تحريرُ الرقة يُعْتَبَرُ نصراً للمرأة الحرة التي لا تقبل العبودية والتبعية للشخوص ذوات العقلية الدينوية المتخلفة. نصر للمرأة الحرة التي قالت لا للسبي ولا لاغتصاب المرأة وبيعها في أسواق العبيد الذكورية.

زر الذهاب إلى الأعلى