مقالات

تأمُّلاتُ رجُلٍ في عيد المرأة

sliman-mhmodسليمان محمود

أصعبُ شيءٍ في هذا الزمن.. أن يكونُ المرءُ امرأةً

لأنها ببساطةٍ إنسانٌ جبّارٌ يُحاربُ كرجُلٍ.. يعملُ كحصانٍ.. ينبضُ أمّاً وزوجاً ورفيقةَ عملٍ ونضالٍ.. ويخرُّ الزمنُ ساجداً أمامَ عظمتها ليصرخَ: ربّاهُ ما أصعبَ أن يكونَ المرءُ امرأةً! بهذهِ الفلسفة الجميلة استطاعَ أحدهم أن يترجمَ ببراعةٍ كلمةَ امرأة، وبهذه الفلسفة الجميلة باركَ الكونُ عطاءَكِ وتوّجَ عُرسَكِ الدائمَ.. في آذارَ.. أيتها المرأةُ في دمي.. في وطني الغالي.. صحيحٌ أنّ الأحزانَ أكبرُ من قامةِ قلبكِ.. وصحيحٌ أنّ طبولَ الحربِ تُفرقعُ خلفَ الأبوابِ رغمَ مُظاهراتِ السّلامِ.. وصحيحٌ أنّ الكوارثَ والزلازلَ والعواصفَ والخياناتِ لم تتوقّف لتُباركَ لكِ هذا اليومَ، إلاّ أنّكِ وبكلّ تحدٍّ وقفتِ في معبدِ صمتكِ لتُعمّدي روحَكِ بمزيدٍ من القوّة.. ولتكونَ صرختُكِ امتداداً أبدياً لثورة المرأة العاملةِ التي أشرقتْ في الشوارعِ الأمريكية منذ عشرات السنين، وليكونَ امتداداً أبدياً لحياةِ كلّ امرأةٍ بريئةٍ قُتلتْ في ظُلمةِ قُرى كُردستانَ، وفي شُحوبِ شوارع هيروشيما، وفي عويلِ الحَواري في فيتنامَ، ليكونَ صولجانُ شرفكِ امتداداً لشرفِ كلِّ امرأةٍ بريئةٍ تُغتصَبُ في هامشِ نزيفِ البوسنةِ والهرسكِ، وليكونَ كفاحُكِ امتداداً أبدياً لكفاح كلّ امرأةٍ مناضلةٍ قُتلتْ في سجون الإرهابِ.

فيا امرأةً من دمٍ ونور.. بوركَ عيدُكِ، بل ولأجلكِ الآنَ دعيني أبحثُ فيكِ عن أشياءَ أخرى، دعيني أبحثُ فيكِ عن الأنثى، ولا أستطيعُ حين أريدُ التحدّثَ عنكِ أن أراكِ إلاّ أمّاً.. أماً للوطنِ وأمّاً للرجُلِ ولخيالهِ، يقولُ أُنسي الحاج:” الأمومةُ بعدَ اليوم هي أمومةُ المسؤولية عن خيالهِ قبلَ نسلهِ”.

فها هو ذا يُحمّلها مسؤوليةَ إبداعه.. مسؤوليةَ سيرهِ نحو الأمام.. وهو يعشقها بروحها ومنطقها الأنثوي الشفّاف فيقول:” وهل يؤلّفُ سرّكِ إلاّ المزيج من الزينة والجوهر من الخُرافي واليوميّ، تقومُ الحقائقُ وتزولُ وأنتِ ثابتةٌ، تمضي الآمالُ ولا تمضينَ، أحلمُ بكِ”.

تمضينَ أنتِ وتسقطينَ، تتبشّعينَ وتشيخينَ وتموتين ولا يمضي الحلمُ بكِ. أنتِ الجامعةُ بين سحرِ الأنوثةِ وقوّة الطبيعةِ وهدوئها. ومرّةً أخرى حين أريدُ التحدّثَ عنكِ لا أستطيعُ أن أراكِ إلاّ أمّاً.. وما أروعكِ كلَّ مرةٍ وهذه المرّة.. حينَ تضمّينَ طفلكِ إلى صدركِ لتُرضعيهِ حليبكِ ورائحةَ تراب الوطنِ، والملائكةُ تجلسُ قريبةً منكِ تسمعكِ حينَ تُغنّينَ لهُ.

رغمَ الفقر والجوع والحروب.. وحين يكبرُ قليلاً تُحدّثينهُ عن الوطنِ وعن كفاح الأجدادِ وعن نضال أبيهِ، تُعلّمينهُ القراءةَ والكتابةَ بلُغتهِ الصامدة المُتحدّية وتزرعينَ فيهِ قِيمَ الخيرِ.. تُحدّثينهُ عن حلبجةَ، عن ديار بكر وضحايا مهاباد النائمة.. سيبكي .. سيتألّم، لكنهُ سيعرفُ أنّ قومَهُ الطيبينَ جداً قد قُتِلوا دونَ أيّ ذنبٍ كأيّ نوعٍ من الحشراتِ التي تُبادُ بمُبيدٍ قاتلٍ، وسيُقسمُ بالحليبِ الذي رضعَهُ منكِ أن يصنعَ من قلبهِ شمساً لكُردستانَ وهو يُغنّي أصداءَ أغانينا ” المُقاومةُ حياةٌ” .. مَن لم يقاوم يخسرُ الحياةَ.

عندها ستعرفينَ أنّ ذاكَ الحليبَ لم يضعْ هباءً وأنّ تلكَ الأغاني لم ترحلْ مع أيام الطفولة.. وعندما يبني ولدُكِ المدارسَ ليتعلّمَ الأطفالُ بلُغتهم، سيُصلّي لكِ وسيُصلّي معهُ كلُّ الوطنِ وسيهتفُ الأحرارُ في كُلّ ثامنٍ من آذارَ: “كلُّ عامٍ وأنتِ بخير”.

زر الذهاب إلى الأعلى