مقالات

الوطن واحد، فلنصنع مصيرنا

ما آلت إليه الأمور في الواقع السوري المتأزم فتح الأبواب على مصراعيها أمام هواجس عديدة بدأت تعتري بعضهم وتصل بهم إلى حافة الانهيار والسقوط، وتحليل الأمور بشكل سوداوي، فيعتبرون نشوء علاقة جدية متينة بين مكونات الشعب السوري من جديد شيء لا يمكن تحقيقه إلا في الأحلام، ويعتبرونها نقطة الضعف التي يمكن الانطلاق منها لإفساد كل شيء في حياة السوريين..

والغريب في الأمر أن هؤلاء يتجاهلون تاريخاً طويلاً كان السوريون فيه جسداً واحداً في السراء والضراء. ولم يكن الشعب السوري في يوم من الأيام يفرق بين أبناء الوطن الواحد، كنا دوماً نجاور بعضنا في السكن، وعلى مقاعد الدراسة كنا نتشارك المعلومات وكثيراً ما كنا نتبادل الفكاهات والتعليقات، وفي الملعب كنا نشجع الفريق ذاته، وفي المشافي وعيادات الأطباء و و و. لم يكن هناك فرق بين مكون وآخر ..فلم تسأل الأسرة يوماً إذا كان الطبيب الذي يعالجها كردياً أو عربياً أو مسيحياً ,فكانت المحلات التجارية متلاصقة والمساجد مجاورة  للكنائس والجميع يمارس عمله وشعائره الدينية بملء حريته يبدو أن هذا الانسجام لم يستسغه البعض وخوفاً منهم بتطور هذه العلاقات التشاركية لتكون أكثر انسجاماً فبدأوا بزرع بذور الفتنة وتفضيل مكون على آخر فانتشرت ظاهرة مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية وثالثة ,وقوانين تطبق على البعض ولا تطبق على الآخر ,ثم لاحقاً حاولوا استجرار البعض إلى شراكهم  ليزرعوا فيهم أحقادهم ولا ننكر أنهم ربما نجحوا في كسب ودِّ بعض من ضعاف النفوس ومن يضمرون الحقد والكراهية للغير .

 لم يشعر السوريون حين خرجوا لطرد الاستعمار عن بلادهم أن هناك كردي أو عربي أو مسلم أو مسيحي….

إن الشيء الذي يغيب عن هؤلاء أن دماء جميع المكونات السورية قد اختلطت بتراب الوطن وباتت من المستحيل فصلها لأنها أصبحت جزءً من هذا التراب فالذي استشهد كان يدافع عن الوطن الواحد دون التفريق بين العرق أو المذهب.

إن ما شهدناه في السنوات الماضية من مآسي وويلات يجب أن تكون حافزاً لنا وتجمع شملنا ويجب أن تزيدنا نحن السوريون إصراراً وحرصاً على أمن وطننا فالهدف واحد والحلم واحد وليس لنا غير وطن واحد ومصير واحد أيضاً.

لم يكن للإرهاب أن ينتشر في نسيج الوطن السوري الذي قام دائماً على المحبة لولا ازدياد الهوَّة اتساعاً بين جميع مكونات الشعب السوري على مختلف المستويات وظهور واسع لبؤر الفساد فلم يكن بإمكان الذين توجهوا إلى هذه الأرض كمحتلين أن يصلوا إلى هذه النتيجة من دون تواطؤ بعض أصحاب الأرض معهم، وبناءً عليه فإن المنطقة تشهد تبدلات وتطورات وقد اقتنع السوريون أن عليهم أن يعيدوا النظر في فهم طبيعة المرحلة وأبعادها، وأن عليهم تجاوز مرحلة موجعة طالت كثيراً؛ فهل يفترض علينا أن نُضَيِّعَ فرصة تاريخية اليوم…؟

زر الذهاب إلى الأعلى