مقالات

الأحزاب الكلاسيكية؛ أسوأُ محامين لأعدلِ قضيّة

مصطفى عبدو

تعاني السياسةُ الكرديّة حزمةً من العقد المترابطة والمتشابكة ، والتي هي أشبه بعقدة غورديان ،  لكثرة العقد وصعوبة فكّ إحداها دون الأخرى، فالحالة السياسية الكردية لا تنطبق عليها القواعدُ المتعارف عليها في فهم وتفسير حزمة الأزمات التي تعاني منها الحياة السياسية الكردية.

ولعلّ أحد أهم الإشكاليات الكردية هي حالة “الأنا” التي تفرضُ نفسها على كلّ التطوراتِ والفعاليات السياسية ، هذه الإشكالية أفرزتْ حزمةً من الأزمات الحلزونية التي يصعبُ التعامل معها.

وهذه الأزماتُ بعضها داخلي ، وبعضها خارجي ، وهنا الإشكالية الكبرى والمتمثلة في عدم قدرة الحركة السياسية الكردية على مواجهة واحتواء التغيرات في البيئة الإقليمية والدولية التي تؤثر بشكل أكبر على مخرجات الحركة السياسية الكردية ، فقط هنا أركز على الأزمات الداخلية وتداعياتها على مستقبل السياسة الكردية .

باختصارٍ، الحالة الكردية تعاني أزمة بنيوية شاملة ومركبة وممتدة، الغالبُ فيها الشخصانية الفردانية وهي ظاهرة متجذرة تاريخياً. في البداية أخذت شكل الشخصانية العائلية الفردانية ، ثم الفردانية الحزبية، وظاهرة الشيخوخة السياسية. وما زالت هذه الظاهرة طاغية في الثقافة السياسية الكردية ، ويعبّر عنها باختزال السلطة في يد شخص واحد. وإشكالية غياب الشرعية السياسية التمثيلية. وهو ما يعني تباعد فجوة التواصل بين الأجيال ، وتداول السلطة ودورانها بين النخب المتعددة.

ومن الأزمات التي تعاني منها الحركة السياسية الكردية عدمُ القدرة على التكيف مع التحوّلات والمستجدات.

وينطبقُ الوضع على بنية التنظيمات السياسية الكردية التي لم تعد قادرةً على استيعاب هذه التطورات المتسارعة .

أما البعدُ الخارجي للازمة الكردية أن التحولاتِ الإقليمية والدولية كانت أكبرَ من قدرة الكرد على التكيف معها، مما جعل الكرد متغيراً تابعاً يرتهن مستقبله واستمراره بالارتباط بأحد هذه المحاور الإقليمية والدولية.

ومن الأزماتِ الحادة والمزمنة التي تعاني منها الحركة الكردية بشكل عام، أزمة الرؤية الوطنية التوافقية التي تشكل إطاراً ملزماً للحراك السياسي الكردي، وعدم التوافق على الخيارات السياسية وتراوحها بين… وبين  ، وعدم التلاقي في هذه الخيارات، وهذا كان سبباً في التسريع في عملية الانقسام.

ومن الأزمات المرتبطة بهذه الرؤية ما يعرف بالقدرة الرمزية ، والتي تعني إن كلّ تنظيم له خطابه وثقافته، وشعاراته السياسية ، وكل منها له تعبيراته السياسية التي تصل ليس فقد حدّ التناقض بل التصادم والإلغاء، ومن مظاهر ذلك “العَلم، والمسيرات الشعبية”. هذه بعضٌ من الأزمات التي تقف وراء التراجع الكردي ، والتي تفسر لنا استمرار حالة الانقسام الذي وجد بيئة كردية خصبة تساعد على ذلك، ويبقى السؤال ما هو المخرج لهذه الازمات؟

كانت هناك العديد من الجهود الفاشلة التي بذلت من أجل إقامة مؤتمر وطني، والذي كان من شأنه أن يحسن نوعية التمثيل الكردي ويلملم الأوراق الكردية المتناثرة، لكنها لم تكن لتتغلب على كل عيوبها البنيوية. وقد أخفقت تلك الجهود بسبب انعدام الثقة وعدم الاتفاق بين الاتجاهات السياسية الكردية المهيمنة .

المفارقة أنه يتضح اليوم بجلاء بأن الشعبَ الكردي لن يرفع الراية البيضاء وأنه لن يتخلى عن الصمود والمقاومة  ومحاولة رصّ الصفوف، وسيظل الشعبُ الكردي إلى جانب الشعوب المجاورة يعاظم من صموده ومقاومته ومحاولاته الحثيثة للوصول إلى بر الأمان. فالنجاح لن يتحقق إلا بالاعتماد على الشعب أولاً ومن ثم بالمطالبة بمؤتمر وطني، وصولاً إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وتشكيل جبهة كردية جامعة بعيداً عن أي تحزب وأي مصلحة .

لقد قفزت هذه اللحظة إلى الواجهة لدى الشعب الكردي والشعوب المتعايشة معاً على أرض الوطن. فالشعوبُ والأحزاب والجمعيات والنقابات المثقفين والإعلاميون … اليوم الكل مدعوّ لكشف الحقيقة ورفض أي تعامل مع أعداء الوطن وفرض إرادة الشعوب على المصالح، والسعي لإيجاد صيغة توافقية لبناء مجتمع ديمقراطي يتحرر فيه الجميع من قيود الولاءات والتبعية.

زر الذهاب إلى الأعلى