ثقافة

الكاشيون …صانعوا العربات ومربو الأحصنة

alkashionجاء في العهد القديم الفصل السادس عن الكون ” أن في ذاك الزمان كان على الأرض عمالقة (كوسكي)، وخاصةً منذ أن أخذ أبناء الإله يدخلون على بنيات بشرية اللواتي بدأن بأنجابهم، أنهم أقوياء منذ الأزل، أناسٌ أجلاء.

 وفي أسطورة الطوفان وكما ورد في العهد القديم،  قال الإله نويو: في نهاية كل عام (طوفٌ) لاح أمام وجهي، وها أعيد إلى الأرض الطوفان ولكنني سأدع وصيتي معك وأنت تدخل الفلك، ويتابع في الفصل الثامن من العهد القديم وعادت المياه رويداً رويداً من الأرض وانتقصت المياه، ووقف الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال آرارات.

هذا المشهد الذي أخذ عن الكتاب المقدس من ملحمة سومر– أكاد، وعن جلجامش في عهد بابل وأسره على  يد السكان المحليين الكوتيين- الخالديين، من هنا فأن ملحمة جلجامش نفسها تعكس ديانة الكوتيين – الكاشيين وتوقف الفلك على قمة أرارات (جبال الكاردوخيين) حيث يحتفل الكرد الأيزيديون على قممها، ويقدمون الأضاحي بمناسبة انقاذ البشرية من الطوفان، وفي وثائق اللولوبين يقف السفينة على جبال كي نبا- جبل جودي.

أما في الوثائق الآشورية الأكادية ربط جبل كوتي (جبال الكاردوخيين )بالكوتيين، ويقول المؤرخ البابلي “خالدي بيروس” (350-280 ق .م ) والذي  كتب تاريخ ميزوبوتاميا  للملك selekid (انتيخير الأول سوتيرا) وعلى لسان يوسف فلافي (يحتفظ جبال كردو بأطلال الفلك).

من هنا فان عمالقة كوسكي  لقبٌ أطلقه العهد القديم على أحدا القبائل الكردية الكوتية التي سكنت تلك المنطقة الممتدة بين همدان وزاغروس, والدراسات التي قام بها النمساوي ” ك.بارتيس ” المختص بآشور أكدت إن التوسع الكاسي ( الكاشي) شمل، زاغروس وطوروس، شرق المتوسط وحتى كبدوكيا وتراقيا وآسيا الصغرى شمالاً،  ووصلوا  حتى النيل (الهكسوس)، وبلاد ديلمون (جزيرة البحرين ) وجنوب الرافدين (عيلام)، وتشير الدراسات والوثائق التاريخية إلى إن هذا الامتداد الواسع للقبائل الهندو- آرية بين الألف الخامس والثاني قبل الميلاد، تشير إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه القبائل في بناء  الحضارات والممالك القديمة والتي تعود بأغلبيتها إلى العنصر الكوتي.

إن التطابق في أسماء الآلهة الكاشية مع أسماء ونعوت  الآلهة الهندو_آرية  تشير إلى الجذر الكوتي للكاشيين.

كذلك بالعودة إلى الريكفيديا الهندية ( أسفار الفيدا) كان إله الحرب عند الكاشيين باسم maratash والذي يستمد استمراريته من اسم الإله الفيدية الآرية – ماراتوف (وأسماء الآلهة المسلحين بالتصورات الميثيولوجية للفيدات الهندو آريين كردو،  ترجع تماماً إلى الكردية، فالرمح والأحصنة والمحارب العظيم صفات ذكرت في مجموعة من قصائد ريكفيديا الهندو آرية وهي مهداة لأله الجياد (asp).

واحتفظت ذاكرة الشرق الأوسط طوال الألف الثاني قبل الميلاد حول الهندو- آريين القدامى (كورو)، حيث ذكرت في نصوص تل العمارنة، القرن الرابع عشر قبل الميلاد الحثيين والكاشيين  باسم واحد (كاردونيز) أرض كاردو، وفي وقتٍ لاحق وبعد ألف عام تحول هذا الاسم بالذات دون أي تغيير في الصوتيات إلى (بلاد الكاردوخيين) الاسم الذي استخدمه المؤرخ و القائد العسكري الأغريقي كسينفون لدى وصفه للحملة التي قادها الإسكندر المقدوني على الشرق، واثناء عبوره بطوروس وزاغروس في كتابه  التاريخي (أناباسيس).

الكاشيون أو (كاشو- كاساني – كاسكي…) كما يسميهم بعض المصادر والمراجع التاريخية سيطروا على بابل في أواسط الأف الثاني قبل الميلاد، وأسسوا سلالة ملكية، حيث ذكر جبل الكاشيين (زاغروس ) في وثائق بابل المسمارية،  قبل حكم “حمو رابي” البابلي لبابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، “حتى أن “حمو رابي” نفسه قام ببناء منشآت عسكرية دفاعية سميت بـ (جدار ضد البلد الجبلي) أي ضد الكاشيين الفرسان، وقد التقى “حمو رابي” في 1783 ق. م ، مع شامشي اداد الأول، وأبرم معه معاهدة سلام وتحالف ضد مملكة أشنونا على نهر ديالى، ثم قام حمو رابي بالسيطرة على المدن السومرية (نيبور ولارسا) وسيطر على ماري ( تل الحريري بالقرب من مدينة البوكمال السورية ) على الفرات الأوسط، بدورهم سيطر الكاشيون على مملكة خانا (على الفرات الأوسط في ميزوبوتاميا العليا ) وهناك أسس كانداش الكاشي السلالة الملكية الأقدم للكاشيين، وفي عهد الملك (اكوم الثاني kak reme) الذي استولى على بابل بعد تحالف مع الحثيين، وقاد حملة مشتركة في 1595 ق.م على بابل، وأنها بذلك المرحلة البابلية المتأخرة في جنوب ميزوبوتاميا.

ويشير بعض المصادر إلى إن قبائل (البختيارين و الهماوند وزنكنه) الكردية في شرق كردستان وجنوبها الحالية هم أنفسهم المنحدرين من الكاشيين القدماء، حيث كانوا يربطهم إله هندو آري هو (shemany) أي اخلاف مانو( خلفاء مانو)، كما ذكر في نصوص شيكامون الأكادي، ويشير هذا إلى أن المنحدرين من مانو يشكلون الطبقة الملكية، وهذا يعود بنا إلى إن الكاشيين الهندو آريين انحدروا من ميزوبوتاميا  حيث ( الكوتين والحوريين والميتانيين ) والذين ينتمون إلى لغة واحدة رغم بعض المؤثرات المحيطة نتيجة التوسع والانتشار الكبير للقبائل الهندو آرية الكوتية، وإن عناصر القرابة اللغوية بين هؤلاء تعكسها الرابطة الأثنية الأصيلة لأحفاد قبائل مانو القدامى.

 علاقة الكاشيين بالحصان:

كان الكاشيون الهندو- آريين مربو الحصان يقدسون الحصان (ASP) “حسب تراتيل الريكفيدات الهندو آرية، ولازال كلمة ASP تطلق على الحصان في اللغة الكردية، الكاشيون عبدو آلهة كثيرة عدا ASP الحصان، حيث يذكر أسماء عددٍ من الآلهة في المجمع الكهنوتي الكاشي مثل( شمش، سوري، همالاي- أوبرياش، نافارا)أضافة لآلهة مشتركة بين الأقوام والشعوب في ميزوبوتاميا ووادي النيل وبلاد الاغريق، ويعتبر القبائل الكاشية ( البختيارين والزنكنه ميزوبوتاميا الأوائل في ترويض الأحصنة، وعبدو الحصان وشكل رمزاً لهم, كما صنعوا العربات التي تجرها الأحصنة منذ الألف الثاني قبل الميلاد, واستخدموها في حملاتهم العسكرية إلى جانب فرق الفرسان (الخيالة) العسكرية، وحسب المصادر التاريخية  برز قوتهم في ذلك. ففي عهد الملك الكاشي  “سام سويلوم”  شكل الكاشيون قوة عسكرية ضخمة تكونت بنيتها الأساسية من وحدات قتالية وعربات عسكرية تجرها الخيول، حيث لم تكن هنالك عربات عسكرية عند الممالك الأخرى في ميزوبوتاميا، وحتى في مصر الفرعونية، وهذا الرابط في تربية الأحصنة بين قبيلة البختيارين مربوا الأحصنة الأوائل في ميزو بوتاميا ومصدريها فيما بعد  إلى الهند والصين، وبين الكاشيين  تدل على أن البختياريين هم قبيلة من القبائل الكاشية.

 حيث اشتهرت قبيلة زنكنه وكلهور وهماوند البختيارية في زاغروس وجنوب كردستان بتربية الأحصنة منذ القدم. والخيل من جنس بختيار أشتهر في ميزوبوتاميا والهند وحتى الصين حتى الفترة التاريخية القريبة.

 وفي نفس المرحلة التي  ظهرت فيها المملكة الحورية الميتانية على منابع  الخابور في الفرات الأوسط، انفصل فيها القبائل الكاشية عن بعضها (البختيارين- الهماوند..) وتوجه بعضها نحو وادي النيل (مصر) وعرفوا هناك بأسماء عديدة كـ (الهكسوس) الملوك الراعاة، الذين دخلوا مصر في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وقد ذُكِروا في  بعض المراجع باسم شعوب البحر. (لكن الغريب كيف لشعوب البحر تلك أن تحمل خيولها وعراباتها وتهاجم المملكة الفرعونية من البحر وتسيطر عليها لمدة 400 عام تقريباً وتأسس فيها سلالة ملكية ؟).

أبرز ملوك الكاشيين حسب بعض المصادر التاريخية

-اكوم الثاني  KAK REMEانحدر من أسرة حكام خانا الكاشية ويعني اسمه باللغة الكردية الأخ الأكبر للشعب أو الحشود، سيطر على بابل حوالي 1764ق.م، ويتحدث اكوم في إحدى نصوصه حول الإله البابلي مردوخ (الذي بقي في خانا 24 عاماً حتى تسلم الملك اكوم الحكم)، تحالف اكوم مع الملك الحثي موروشيلي ضد حمورابي البابلي، وقد كان الكاشيون في مقدمة الحملة على بابل، ومُنِح أغلب الغنائم النفيسة ومن بينها تمثال مردوك للكاشيين، وهذا يدل على تعاظم القوة الكاشية في تلك الفترة، وخضع بابل للسيطرة الكاشية فيما بعد، يقول اكوم بعد هذا النصر:” اخلاف البيض لشيكمان ملك الكاشيين، واكاد، وبابل وقاطنوا اشنواك (اشنونة) الفقيرة، ملك المان وبادان، ملك الكوتيين، ملك من لا يملكون ملوكاً). هذا النص يشير إلى إن اكوم استطاع أن يوحد القبائل  تحت راية مملكته الواسعة.

– الملك بورنا- بورياش الأول ، حكم حوالي 1510 ق.م ، عقد اتفاقية سلام مع آشور.

-الملك بورنا- كاش تلياش الثاني، عاصر الملك الميتاني (سايساداتار) الذي سيطر على آشور ونقل الأبواب الذهبية للقصر الملكي الآشوري إلى العاصمة الميتانية.

الملك أولام – بورياش، تمكن من توحيد القبائل في جنوب ميزوبوتاميا تحت راية حكمه.

  • اكوم الثالث كاراينداش 1450 ق.م، أمر ببناء معبد للإله إينانا في أوروك، وتلقب بـ (ملك كاردان، وملك أش، و ملك بابل واكاد).

و من الجدير بالذكر أن تسمية بلاد كاردونياش ذكر منذ تلك الفترة على المنطقة التي كانت تحت حكم الكاشيين.

  • الملك كادشمان – خارب الأول الذي مد يد العون لفرعون مصر امنحاتب الذي تعرض بلاده (مصر) لهجوم من القبائل السامية الجنوبية.

الملك كوريكالزو 1400ق.م ،- الملك بورنا بورياش 1365-1330ق.م، أمدت سيطرته مملكته من أعالي الفرات حتى جنوب النهرين (دجلة والفرات) تميز عهده بعلاقة تحالف وصادقة مع فرعون مصر امنحوتب الثالث، واخناتون.

الملك كادشمان – خارب الثاني، تميز عهده بالضعف.

  • الملك نازي بوكاش، والملك كوريكالزو الثاني الذي دخل في صراع ٍ مع المملكة الآشورية واستطاع أن يعيد المملكة الكاشية إلى عهد قوتها.

بدأ الضعف يدب في المملكة الكاشية مع حكم كل من الملوك ( نازيما روتاش، كادشمان تورغو، كادشمان إليليا الذي حكم بدعم من الحثيين.

 وفي أواخر العهد الكاشي بدأت القوة الآشورية بالتعاظم حيث هاجم الملك الآشوري توكلتي ننورتا الأول 1244- 1208 ق.م، على بابل في زمن الملك الكاشي كاشتلياش الرابع، ونصب نفسه ملكا، وأصبح الكاشيين تابعين له ولكن وبعد 7 سنوات استعاد الكاشيون قوتهم … ولكنهم تعرضوا لهجوم عيلامي هذه المرة شتت فيها  السلالة الكاشية عام 1162ق.م.

 ونهبت مجدداً تماثيل الآلهة وبالذات الأله مردوخ  إلى سوسة عاصمة العيلاميين، وقام الملك العيلامي بتنصيب ولده “سوترك ناخنتي” حاكماً على بلاد بابل بالنيابة عنه مرة أخرى، لكن استطاع الكاشين استرداد حكمهم على بابل تحت إمرة أميرٍ كاشي يدعى (انليل ادن اده) أي انليل واهب الأخوة وبقي لمدة ثلاث سنوات، إلا إنه لم يصمد أمام هجوم عيلامي أخير دمر البلاد عام 1157ق.م. على يد الملك العيلامي شيلاك انشو شناك، وهكذا انتهت السلالة البابلية الكاشية الثالثة وإلى الأبد.

أما بالنسبة للهكسوس (ملوك الحصان – مالك الحصان….)  الذين وكما يؤكد بعض المصادر التاريخية أنهم قدموا من بلاد الكاردوخيين  ميزوبوتاميا، وسيطروا على فلسطين ومنها سيطروا على مصر وأسسوا الأسرة الملكية الخامسة عشرة واستمروا في حكم البلاد حتى نهاية الأسرة السابع عشر، وحكموا مصر الشمالية بينما حكمت السلالة الفرعونية في جنوب مصر (منطقة النوبة)، حاول بعض المصادر اخفاء تاريخ الهكسوس في مصر وتعريفهم بالهمج والبربر وغير ذلك من الصفات، لكن الوقائع والمصادر والدراسات الأثرية تشير إلى غير ذلك، فالهكسوس أثروا ثقافياً وحضارياً في الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، ويشير بعض المصادر إلى أن الهكسوس كانوا يوقرون النبي يعقوب ويوسف، ولعل عبادة الشمس التوحيدية في عهد اخناتون كان من صلب الجانب الروحي للهكسوس، ويشير بعض المصادر الأخرى أن المصريين لم يعرفوا  الحصان ولم يربوه إلا بعد مجيء الهكسوس وحكموا مصر لفترة تاريخية طويلة، والرابط الذي يربط الهكسوس ( بالقبائل) الكاشيين هو تربية الحصان وصناعة العربات، أضافة إلى التقاليد والشعائر الروحية خاصة عبادة الشمس المعروف بانتمائها إلى الثقافة الهندو- آرية.

     دوست ميرخان             

زر الذهاب إلى الأعلى