ثقافةمانشيت

الشاعر “سيداي كلش” في ذكرى وفاته الـ 12

الشعر الكردي له نكهة خاصة وطابع مميز يلامس أسماع كل من يصغي إليه حتى وإن لم يفهم المعنى، فالقصيدة الكردية الكلاسيكية لها طرائق وشروط محددة كونها تحاكي قصائد الشعراء القدماء في أساليبهم وألفاظهم وتشابيههم وصورهم الشعرية، ومن المعروف أنه على الشاعر أن يحفظ أشعاراً كثيرة للشعراء القدماء ويملك علماً غزيراً حتى يكتسب الذائقة الشعرية.

ينتمي شاعرنا الكردي” سيداي كلش” إلى المدرسة الكلاسيكية كما أغلب الشعراء الكرد لما لطريقة نظمها من حفاظ على الوزن والقافية، ومن شعراء الكرد الذين انتموا لهذه المدرسة الشعرية الشاعر (جكرخوين)، (سيداي تيريج)، (أوصمان صبري)، (صبري بوطاني)، (سيداي كلش)، (كمال درويش) و(فرهاد عجمو)… وغيرهم الكثير، فقد حافظ هؤلاء على وحدة وزن البيت في القصيدة، كما حافظوا على وحدة القافية أو على وجود قافية معينة في القصيدة.

وفي تقريرنا هذا سنسلط الضوء على حياة شاعرٍ من شعراء المدرسة الكلاسيكية، ألا وهو الشاعر والأديب الكردي “سيداي كلش”.

حياته:

وُلِد حسين محمد كلش حسين “سيداي كلش” في قرية “بزكوري” الواقعة في ماردين بجنوب كردستان، من مواليد 1930. ينحدر من عشيرة “أومريان” لعائلة متواضعة مكونة من الأب والأم وثلاثة أولاد وفتاة واحدة ويكون الشاعر “سيداي كلش” هو الابن البكر بينهم.

عند عمر العشر سنوات جاء سيداي كلش إلى سوريا مع أحد أقاربه اسمه “ملا خليل نيف، أو ملا خليل بزكوري”، وذلك لدراسة علم الدين، وبدأ الدراسة لدى “ملا عبد الرزاق” في قرية “خالد” بريف عامودا وانتقل بعدها إلى عدة قرى لدراسة علوم الدين وتعلم القرآن كقرية “كركود، تل عربيد، كرباوي، عاكولة، تل معروف”، وكانت دراسته آنذاك باللغة العربية، وبعد قراءته لأشعار “جكر خوين، وملاي جزيري” بدأ بكتابة اللغة الكردية بالأحرف العربية ثم بالأحرف اللاتينية.

هذا وكان قد تعرف على الشاعر “جكرخوين” بعد عدة سنوات من مجيئه، فعند قراءته لأشعاره ودواوينه تأثر بها كثيراً، إذ كانت أشعار جكرخوين في تلك الفترة هامة وبمثابة بيانات سياسية أشعلت في نفوس قومه الرغبة في التحرر والتقدم.

واستفاد كلش من الشاعر “جكرخوين” كثيراً وبفضل قربه منه بدأ بكتابة الأشعار وباللغة الكردية، حيث يمكننا القول أن جكرخوين تبناه شعرياً فكان يشرف على قصائده ويبين له مواطن الضعف والخلل ويرشده إلى المبنى الأفضل والمعنى الأسمى في تأسيس وصياغة القصيدة فكان بذلك الأب الروحي للشاعر “سيداي كلش”.

ويذكر أن الشاعران “جكرخوين، وسيداي كلش” دخلا الحزب الشيوعي، وبقيا فيه حوالي العشر سنوات.

لمحة عن دواوينه الشعرية:

يعتبر “سيداي كلش” أحد الشعراء البارزين في كتابة القصيدة الكلاسيكية، حيث اتخذ من حياته وعذابات شعبه وسيرة أمته المادة الأساسية في بناء خطابه الشعري واستلهم من التراث الكردي الثري والغني قصيدته فتوجه في قصيدته التي كتبها بلغته الكردية إلى الإنسان الكردي المقهور على مختلف الأصعدة، وتحدث بلسان هذا الكائن المسلوب من إرادته وحياته وتاريخه فعبر بصدق عن ماهية المأساة وحالة التمزق القسرية التي يعيشها هذا الإنسان المتطلع إلى حريته.

واستطاع الشاعر “سيداي كلش” عبر تجربته الشعرية الطويلة أن يؤسس لقصيدته الوطنية التي أولاها الاهتمام الأكبر في تجربته، فحاول جاهداً أن يحمل قصيدته كل شحناته الروحية الثورية، تلك التي تثور في دواخله، فتحدث عن وطنه بتضاريسه وأماكنه وحدوده كما تحدث عن أبطاله ورموزه على مر التاريخ، واستشهد بأحداث تاريخية في حياة الكرد هذه الأمة العريقة وكعادة الشاعر الكلاسيكي كان سيداي كلش ولا يزال الشاعر المعبر عن الحالة الموجودة بكل تغيراتها.

إلى جانب قصيدته الوطنية انتبه “سيداي كلش” بحس الشاعر إلى لواعج قلبه فكتب قصيدة الحب والروح فهو كشاعر رهيف الإحساس وشديد الحساسية ملزم بالحديث عن المرأة التي رأى فيها الحبيبة والمناضلة والأم وكذلك الشهيدة وأداة التقدم والتطور في الحياة فنجدها في شعره توصف بطريقة قريبة من روح القارئ فيصف شعوره الدائم بالحب لهذا المخلوق الجميل وفي مجال التراث، فقد اجتهد الشاعر وعاد إليه كثيرا فكتب الأناشيد القصيرة والطويلة وكتب القصيدة المغناة واتخذ الكثير من الفنانين الكرد من أشعاره كلمات لأغانيهم.

صدر للشاعر “سيداي كلش” عدة دواوين شعرية هي:

Em û dijmin 1986

Rêka gel 1981

Derdê millet 1993

Ronahî 1994

كما أن هناك عدة دواوين جاهزة إلا إنها لم تطبع :

Xebat, Helebçe, Jiyan û bîraninên min, hêvî, baxistan, berbang

ونظراً للموقع الهام للشاعر “سيداي كلش” على الساحة الشعرية الكردية وتقديراً لجهوده في الحفاظ على القصيدة الكلاسيكية والتعبير من خلال شعره عن وطنه وأرضه، فقد نال عدة شهادات تقدير وجوائز:

1- وثيقة تقدير من مهرجان الشعر الكردي 2001

2- وثيقة تقدير من الملتقى الثقافي في قامشلو 2002

3- جائزة جكرخوين للإبداع الشعري في دورتها الأولى في قامشلو 2002 منحته هيئة تحرير مجلة المواسم الأدبية التي يصدرها الشاعر إبراهيم اليوسف.

وفاته:

رحل الشاعر والأديب والمناضل الكردي “سيداي كلش” في 18/6/2007 بعد أن كرس حياته من أجل نصرة المضطهدين والمظلومين واقفاً في وجه الظلم والظلام وهو ما دفعه ليكون لسان حال أبناء شعبه الكردي الذي يعاني كافة أشكال الظلم.

ويبقى للشعر الكردي طِيب سمعة في العالم عموماً، فله من الرقة والعذوبة ما تميل له النفس البشرية وتطرب له الآذان وتنتشي به الأرواح الحائرة، آملين أن يبقى صِيت الشعراء القدماء وأشعارهم في ذاكرة التاريخ لنحافظ على تاريخنا وثقافتنا الكردية وحمايتها من الضياع والاندثار.

  

إعداد: ألندا قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى