مقالات

السكر يجلب الديسك (ألم الظهر)!

00_14ياسرخلف

كان ولات شاباً في مقتبل العمر حين التحق بصوف قوات حماية الشعب HPG (الكريلا)، مفعماً بالحيوية والنشاط كثير الحركة وحب الاطلاع، سنه الصغير كان يحول دون مشاركته في المهام والحملات التي يقوم بها رفاقه في الكريلا وهو ما كان يزعجه ويسعى جاهداً إلى المشاركة طالباً من الهفال عكيد قائد المجموعة (قميتان) مراراً على المشاركة لكنه لم يجد سبيلاً لإقناعه. في أحد الأيام وبينما كان الرفاق كعادتهم يعدون الشاي على نار الحطب الذي  قاموا بجمعه للشتاء القارص والقاسي اجتمع مجموعة عكيد حول نيران الحطب كتجمعهم حول أمهم أو جدتهم وهي تقص الحكايات، وبدأوا باحتساء الشاي كان ولات يراقب إبريق الشاي الذي  بدء بخاره ورائحة الشاي تعج الإرجاء، اقترب ولات من النار بهدوء واخرج كأسه البلاستيكي وبدأ بسكب الشاي في كأسه، ثم تناول علبة السكر وبدأ يضع السكر في كأسه لم يلاحظ ولات أن عكيد يراقب تحركاته وهو يبتسم من قيام ولات  بوضع أربعة معالق كبيرة من السكر في كأسه فناداه بصوته الأجش المعهود لدى ولات: هفال ولات هفال ولات لا تكثر من السكر فهو يجلب الديسك (وجع الظهر ) ؟! استغرب ولات في قرارة نفسه من كلام عكيد فهو يعلم أن الديسك أو وجع الظهر ينتج عن التعب والإرهاق وحمل الأثقال والأحمال الثقيلة، لكنه لم يولي اهتماماً كبيراً إلى كلمات عكيد ظناً منه أنه يمازحه, وفي أحد الأيام كانت مجموعة عكيد تتحضر للذهاب في مهمة لأحد القرى الكردية في شمال كردستان فتشكل  لدى ولات رغبة شديدة في المشاركة في هذه المهمة، لكنه لم يستطع أن يطلب من الهفال عكيد المشاركة خوفاً من  رفضِ طلبه، فكان يراقب تحركات رفاقه بحسرة ولهفة وفجأة شدهُ حدثٌ  بدأ غريباً عليه عندما لاحظ الرفاق وهم يقومون بتذويب السكر في إناءٍ مسطحٍ كبير، فاقترب  بهدوء ليشاهد عن قرب عما يقوم به رفاقه, وبعد أن قاموا بتذويب السكر في الماء بدأوا بوضع الإناء على الجمر ليتبخر الماء، ثم قاموا بعد أن تبخر الماء بتقسيم السكر إلى مربعاتٍ وأقراصٍ بواسطةِ سكينةٍ صغيرة, لاحظ الهفال جهاد نظرات الاستغراب في عيني ولات فناده هفال ولات اقترب، فنحن نصنع سكر العرس وسنذهب قريباً إلى الاحتفال! لم يستغرب ولات من كلامه فهو يعلم عندما يذهب رفاقه في مهمة إلى الوطن السعادة لا تفارق وجوههم وكأنهم ذاهبون إلى عرس. اقترب ولات من إناء السكر فتناول جهاد قرصين من السكر المجفف على النار فما كان لولات إلا وأكلها دفعةً واحدة، أعجبه طعم السكر المقرمش على النار فقام بأخذ كمية كبيرة بين يديه وفر هارباً من جهاد الذي ضحك من تصرفه وناداه هفال ولات لا تكثر من أكل السكر فهو يجلب الديسك (وجع الظهر)؟! استغرب ولات من كلام رفيقه جهاد فهو ردد كلمات القميتان عكيد لكنه لم يعر مرة أخرى  أهميةً لكلمات جهاد ظناً منه إنهما يمازحانه أو قد سمعه الهفال جهاد من الهفال عكيد. وبدأ ولات بأكل أقراص السكر بنهم دون أن يكترث إلى تنبيهات رفاقه بعدم الإكثار من أكل السكر, وبينما هو كذلك ناده عكيد هفال ولات استعد لتأتي معنا في المهمة, تفاجئ ولات من طلب الهفال عكيد في المشاركة بالمهمة وبدأت تعابير السعادة واضحةً على ملامح وجهه، وناد بصوتٍ عالي هفال جهاد سآتي معكم إلى العرس، ضحكت المجموعةُ من كلام ولات لكن ولات لم يتوقف من التعبير عن فرحته بالمشاركة فهي المهمة الأولى التي سيشارك فيها الرفاق، و بعد أن أكملت مجموعة عكيد استعداداتهم بدأوا  بالنزول متجهين صوب القرية، كانت الساعة قرابة الثامنة مساءً، كانت المجموعة لا تكف من النظر إلى ولات الذي كانت حركاته خفيفة وسريعة فهو يريد أن يصل إلى القرية المقصودة في وجهتهم، فناداه الهفال حسن… هفال ولات لا تستعجل كثيراً فأنت ستجهد نفسك من كثرة الحركة فنحن نكاد أن نصل احتفظ بطاقتك للرجوع! وبالفعل بدأت أضواء القرية تتضح لهم شيئاً فشيء،  وعند الوصول إلى القرية اتجه الرفاق بهدوء صوبَ بيتٍ على أطراف القرية حيث كان  أحد القرويين بانتظارهم،  بدأ الرفاق بالدخول الواحد تلوى الآخر، كان ولات يرقب رفاقه ويقلد حركاتهم بحذر اتجاه الرفاق صوب المخزن الموجود في ذلك البيت، فقد كانت مهمتهم هي نقل المئونة إلى موقعهم في الجبل. قام عكيد بتوزيع المؤن التي سيحملونها على رفاقه فقال عكيد:” هفال ولات أنت ستحمل كيس السكر الذي كان يزن قرابة 30 كغ”، وبدأت المجموعةُ بالخروجِ بسرعة من القرية سالكين طريق العودة. بدأ الطريق وعراً  لولات … فقد بدأ بالصعود وخطواته تتباطأ شيئاً فشيء وهو يريد في قرارة نفسه أن يتوقف الرفاقُ لأخذِ قسطٍ من الراحة. الهفال جهاد لاحظ بوادر التعب على ولات لكنه قال له:” هفال ولات تابع المسير لكي نصل إلى موقعنا قبل بزوغ الفجر”، هنا أيقن ولات أن رفاقه لن يتوقفوا للاستراحة لذلك لا مناص سوى المتابعة, وبعدَ مرورِ فترةٍ من الزمن وهم يتابعون مسيرهم وصل رفاق ولات إلى موقعهم لكن ولات تأخر بمقدار مئةِ مترٍ عنهم، وعندما شاهد المجموعة تضع رحلها استعجل ولات بخطواته وباتت الفرحة في عينيه فهو سيرتاح من حمل السكر الذي أثقل كاهله. وعند وصوله بدأ رفاقه في المجموعة يضحكون فاستغرب ولات من ذلك فناده عكيد وهو يبتسم … هفال ولات ألم نقل لك لا تكثر من أكل السكر فهو يجلب الديسك (وجع الظهر)!! هنا أدرك ولات معنى هذا الكلام وبدأ يضحك بصوتٍ عالٍ وهو يقول:” السكر يجلب الديسك”، ومنذ ذلك الوقت لم يكثر ولات من أكل السكر وبدأ بالاقتصاد في أكله فقد تعلم ولات أن تأمين الاحتياجات لا تأتي بسهولة لكنها تأتي بالتعب والكدح والتضحيات.

إن التمعن في هذهِ القصةِ القصيرة يمكننا من أخذِ كثيرٍ من العِبَرِ في واقعنا المُعاش في روج آفا، فقد يظن الكثيرون منا أن تلبية الاحتياجات الضرورية للمجتمع يتم تأمينه بسهولةٍ ويسر، وهم لا يعلمون أن تأمينها يتم عن طريق تقديم تضحياتٍ جِسام، فعندما عرف القائد عبد الله أوجلان السياسة بقوله 🙁 إن السياسة تعني تلبية احتياجات المجتمع المادية والمعنوية ) فهو كان يُدْرِكُ تماماً أنه ليس من السهل تلبية احتياج المجتمع وإنها تمر عبر التضحية والروح النضالية. أجل لقد حقق شهداؤنا والمرابطون في جبهات القتال الاحتياجات المعنوية للمجتمع في روج آفا بأرواحهم ومقاومتهم وصدهم للأعداء والمؤامرات بحق مجتمعهم، وهنا ينبغي علينا التنويه أن الاحتياجات المادية أيضاً هي مرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بمدى الإصرار والوفاء للمعنى الذي قدمه شهدائنا في سبيل تأمينها.

 ففي وقت الأزمات قد يزداد تجار الحروب والمحتكرون والمستغلون ويعملون على مفاقمة الأزمة في سبيل الوصول إلى منافع مادية فردية على حساب المجتمع، وقد يستغلها أيضاً أدوات الحرب الخاصة ويسعون إلى تغذيتها عبر الحصار أو الاحتكارات وبث الإشاعات والأكاذيب بغرض إبعاد المجتمع عن روح التضحية والفداء التي قدمها ويقدمها قواتنا، والتشكيك والابتعاد وعدم التمسك بالمكتسبات التي حققها أبنائه بدمائهم.

 لقد أدرك ولات رفاقه هذا المعنى العظيم للتضحية والفداء الذي قدمه من سبقهم من الخالدين، ولبوا نداء الوطن والضمير واختاروا دروب الوفاء لمسيرتهم ودربهم في سبيل تلبية احتياجات مجمعهم وشعبهم المادية والمعنوية بروحهم النضالية والثورية.

زر الذهاب إلى الأعلى