مقالات

الثقافة التنظيمية

وليدة حسن

تشكل الثقافة المجتمعية الإرث الإنساني والأخلاقي والقيّم المعنوية المتشكلة منذ مئات السنين، وعلى هذه الثقافة تتكون وحدة المجتمع وتماسكه ضد كل الهجمات التي تهدف إلى النيل من ذاك المجتمع والقضاء عليها، فكل مجتمع يتميز بثقافة خاصة من اللغة والتقاليد والقيّم المعنوية الأخلاقية والهوية التي تميزه مما تزيد من أواصر ترابط المجتمع وتكاتفه وساهمت بشكل قوي في تنظيم الحياة المجتمعية، ولذلك فأن قوة المجتمع الطبيعي وترابطه وإدارته بشكل منظم تأتي بالدرجة الأولى من القوة الاخلاقية والارتباط الروحي بالمجتمع بالإضافة إلى المساواة والعدالة الاجتماعية، فالشخص الذي كان يرتكب خطأً كان منبوذاً والمجتمع لا يتقبله.

ومن التاريخ نجد إنه بعد تمكين القوى الرأسمالية لمصالحها في المجتمعات خلقت الصراعات وأنشبت الحروب فيها مما حث القوى والمنظمات الديمقراطية على ابتداع ثقافة تنظيمية لردع هذه الحروب والتخلص منها فتحقيق السلام في المجتمعات وبناء الثقافة السلمية القائمة على القيم الأخلاقية المجتمعية، وإلى يومنا هذا تعيش الكثير من المجتمعات على الثقافة السلمية ومقتصرة ومتجسدة في الأحزاب الديمقراطية والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وبات الجميع يدرك ماهية هذه الثقافة لكن إدراك القوى الرأسمالية لخطر هذه الثقافة على مصالحها دفعها لخلق الفوضى ونشر الأفكار التي تقول أن التنظيم يقيد حرية الفرد ويدفعه إلى العبودية، فباتت فكرة الانضواء تحت سقف التنظيم والعمل ضمن المؤسسات التنظيمية أمر غير مستحب بالنسبة للكثير من الأفراد وهذا يعود إلى عدم إدراكهم لأهمية التنظيم في الحياة الاجتماعية، فالاعتقاد السائد لدى الكثيرين أن التنظيم أينما وجد إنما هو كبح للحرية وتقييد لا نفع منه على درب تحقيق المصالح الشخصية.

فالثقافة التنظيمية داخل المنظمة هي القيم التنظيمية والمبادئ والأسس المشكلة للمعايير التي يلتزم بها الأعضاء داخل هذه المنظمة، فهي بذلك توحد الرؤى والأفكار والنظرة المستقبلية للمنظمة، وقوة التنظيم تأتي من وحدة الفكر والإرادة والهدف فإذا حدث خلل في هذه المعايير فأن المنظمة تكون على حافة الهاوية.

فتلك المعايير تشكل الرابط الرصين للمنظمة فتسعى إلى خلق قوة روحية ومعنوية بين أعضائها من شأنها توحيد أفكارهم وإرادتهم وتوجيه طاقاتهم نحو تحقيق الأهداف العام للمنظمة.

أحد أسباب تميز وتقدم المنظمة أن يكون نظامها الداخلي واضحاً وتملك برنامج عمل ورؤى مستقبلية، وكذلك ثقة وإيمان أعضاء المنظمة بكل ما جاء في نظامها الداخلي وبرنامج عملها،

فيتوجب على أعضاء المنظمة كخلية نحل من أجل تحقيق أهدافها على أرض الواقع وشق طريق منظمتهم نحو النجاح والتطور.

إن القيم التنظيمية تشكل أهم أسس ومبادئ المنظمة وعليه فإن ارتباط العضو المنظم بالقيم التنظيمية وإبداء الاحترام القدسية لتلك القيم تؤدي بالنتيجة إلى الارتباط بالمنظمة والعمل الا متناهي في سبيل تحقيق أهداف مؤسسته التنظيمية، فإذا كانت المنظمة أو الحزب يعاني من أزمة تنظيمية أي عدم القدرة على ترتيب الأمور الداخلية فإن هذا مؤشر خطير على وضع المنظمة بشكل عام ومن المشاكل التنظيمية عدم ارتباط العضو بالمنظمة أي عدم القيام بواجباته التنظيمية وعدم إبداء الجدية في تنفيذ القرارات والاعتماد على أساليب غير تنظيمية وإبداء سلوكيات فردانية، وتفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة المنظمة والسعي وراء وضع إمكانات المنظمة تحت خدمته الذاتية، بالإضافة إلى خلقه الفوضى والعمل بشكل مزاجي وكيفي وأناني وعدم وضع برنامج تنظيمي للعمل والسير بشكل عشوائي دون تخطيط أو تنظيم مسبق، وقد تتعرض المنظمة لفترة من الركود والجمود وذلك بسبب عدم اعتمادها على التكتيكات المرحلية التي من شأنها تحقيق خطوات متطورة.

فالاعتماد على التكتيكات من خلال تحليل الواقع واقتناص الفرص يحقق مكاسب آنية تؤدي إلى خلق روح الإبداع والتجديد وكسر حالة الجمود للمنظمة، ويجب أن تتوفر داخل المنظمة آلية المحاسبة، فعدم تقيد العضو بالمسؤولية الواجب الملقاة على عاتقه يؤدي إلى إضعاف المنظمة، وإن تفعيل آلية المحاسبة يجب أن تشمل كل الأعضاء في المنظمة مهما كانت الرتب الإدارية، وإذا أعفي البعض من المحاسبة فإنها تؤدي إلى زعزعة ثقة الأعضاء بالمنظمة فالأعضاء كلهم في سوية واحدة من آلية المحاسبة عند ارتكاب الأخطاء.

لذلك يتوجب على جميع الأعضاء تطوير مفهوم النقد والنقد الذاتي على أساس بناء الشخصية التنظيمية، وأن لا يكون الهدف من النقد هو الانتقام أو السعي إلى هدم وتحطيم الشخصية المقابلة وإفراغها من جوهرها، بل العكس تماماً أن تكون هذه الآلية في سبيل تطوير الشخصية وبنائها وإذا استخدم هذا الأسلوب في مكانه وزمانه المناسبين تكون نتائجه إيجابية فتشكل أرقى درجات المحاسبة وتوثيق العلاقات الاجتماعية فيما بين الأعضاء ما يؤدي إلى تطوير أداء المنظمة بشكل عام.

إن إدراك الوعي التنظيمي مسألة هامة جداً فعدم الوصول إلى ذلك الوعي من قبل الإداريين والأعضاء يؤدي إلى ارتكاب أخطاء في الممارسة العملية، فالسرية التنظيمية على العضو المنظم الحفاظ على جميع قرارات وفيما يتعلق بالأمور السرية للمنظمة فإفشاء الأمور السرية التنظيمية يزعزع وحدة القرار التنظيمي وأيضاً يؤدي إلى إفراغ القرارات السرية من جوهرها، فالارتباط الحقيقي بالمنظمة يتجلى في الحفاظ على قراراتها السرية وكذلك عدم نشر أي معلومات أو وثائق في غير وقتها أو محلها.

فالعضو المنظم يقوم بإخضاع تحركاته وأعماله كلها للبرمجة والتخبط في أصعب الظروف وليس أن يقوم في موقف بإظهار كل ما لديه من معلومات دفعة واحدة وفي موقف واحد يظل متسلحاً للآراء من حولهم كونه غير مشبع بالمعلومات وثقافة بل قام بإفراغ كل ما لديه وعليه فالعضو عليه أن يكون مدرك للموقف والظروف الذي هو فيه يستطيع استيعاب من حوله

ويمتلك أفقاً واسعاً لحوار والنقاش ويمتلك ثقافة أو أفكاراً يستطيع جذب من حوله للنقاش وإبداء الآراء في جو يسوده وحوار عقلي مرن وليس التصلب بموقف وعدم فتح المجال للأخرين للمشاركة، إن سير الفعاليات التنظيمية للعض لأي منظمة يجب أن تكون وفق عمل تنظيمي فالعضو المنظم عليه القيام بواجبات وقف ما تمليه مصلحة المنظمة وليس حسب وقت فراغه، فالفعاليات التنظيمية (الواجب التنظيمي) يجب أن يشكل أولويات العضو وليس عليه أن يقوم ببرمجة الأعمال التنظيمية حسب برنامجه الشخصي والمصلحي، إن مثل هذه التقريبات غير جدية تشكل عائق أمام تطور المنظمة وعليه أن ينظم وقته وحياته وفق فعاليات المنظمة.

إن نتيجة غياب التنظيم عن مجتمعنا جعلتنا أناس غير مبالين لا نحس بما يجري حولنا من أمور خطيرة حتى إذا دخل عضو لها بتنظيم يأخذ هذه الخصوصية السلبية إلى التنظيم أيضاً أي عدم المبالاة وعدم الإحساس بما يجري بل توجيه طاقاته وإمكاناته إلى أمور غير تنظيمية فأن يقوم بتقرب من بعض أعضاء المنظمة وبناء علاقات غير تنظيمية والتغاطي عن أخطائهم وسلبياتهم بما يؤدي إلى تشكيل تكتلات داخل المنظمة، وتعد هذه الظاهرة خطيرة جداً داخل المنظمة فالتفاف بعض الأعضاء وقيامهم بتشكيل مجموعة صغيرة (تكتل) ضمن المنظمة من أجل مصالحهم الشخصية فيقومون ولربما بشكل مباشر بالتخطيط من أجل إزاحة بعض رفاقهم من مواقعهم الإدارية إذ أن يقوموا بشكل غير مباشر بذلك، فالتكتل من أهم عناصر تهديد لوحدة المنظمة وبشكل مباشر وهي تشكل أيضاً بداية الانقسام وانفكاك المنظمة، ووجود تكتلات يحدث شرخاً عميقاً داخل المنظمة فهي تشكل أرضية مهيئة للانقسام والشرط.

قد يقوم بعض الأعضاء بتكتل بشكل غير مباشر فالأريحية النفسية التي يجدها بعض الأعضاء عند بعض رفاقهم يهيأ بنية أو أرضية غير مباشرة لظهور تكتيكات فالتقربات الغير حميمية وليس على أساس مصلحة المنظمة يؤدي إلى ظهور مثل هذه التكتيكات.

فعلى الأعضاء التقرب من جميع الأعضاء بسوية واحدة وخلق جو من التفاؤل والحماس والاندفاع نحو العمل، ومن أجل نشر الثقافة التنظيمية داخل المنظمة على جميع الأعضاء الاطلاع على النظام الداخلي وبرنامج المنظمة وعدم الكف عن البحث والتعليم في جميع الأمور التنظيمية والحياتية بتنسيق الذاتي يشكل عنصر هاماً في تطوير الشخصية التنظيمية، فالعضو المنظم بتثقيف ذاته عبر الوسائل والإمكانيات الموجودة لديه.

إن العضو الذي يكرر نفسه أي يكون غير قادراً على التطور إنما يشكل بذلك عائق في تطوير المنظمة أيضاً، إن تطور المنظمة مرتبطة بتطور وتجديد أعضائها وعلى أي منظمة ابتكار وإبداع وسائل جديدة للعمل التنظيمي وذلك عبر أعضائها.

زر الذهاب إلى الأعلى