تقاريرمانشيت

التهديدات التركية على شمال وشرق سوريا

تصاعدت في الآونة الأخيرة تهديدات الدولة التركية وعلى لسان رئيسها أردوغان، واستمراره بتحشيد قواته وآلته العسكرية ومرتزقته من جبهة النصرة ودرع الفرات وغيرها من التنظيمات الارهابية على المنطقة الحدودية بحجة تدمير الإرهابيين في شمال وشرق سوريا على حد زعمه وإعادة اللاجئين إليها “ ناسياً أو متجاهلاً بأن هؤلاء هم الذين قضوا على تنظيم داعش الإرهابي وتخليص العالم من ذلك التنظيم الذي قام أردوغان بدعمه وتمويله في سوريا خدمة لأجندته في المنطقة“. تركيا إلى حد ما استطاعت احتلال عفرين وانسحاب وحدات حماية الشعب منها “التي خرجت منها حفاظاً على أرواح أبناء عفرين والنازحين إليها من مختلف المناطق السورية ومنع الآلة التركية من تدمير مدينة عفرين“، لكن ماذا فعل أردوغان في عفرين؟ قام بتهجير أهلها والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم وتوطين مرتزقته من التنظيمات الإرهابية فيها، بذلك قام أردوغان بإحداث تغيير ديمغرافي وتطهير عرقي فيها، والآن يحاول أردوغان تكرار سيناريو عفرين في شمال وشرق سوريا من بوابة المنطقة الآمنة لتهجير أهلها وإدخال ثلاثة ملايين مهجر من تركيا إلى المنطقة وبذلك ينهي أردوغان استكمال مخططه العنصري في الشمال وشمال شرق سوريا، ويشاركه في مخططه حليفه رئيس حزب “الحركة القومية” التركي، دولت باختشلي الذي دعا في 27/7/2019، إلى إنشاء منطقة آمنة فوراً في شمال سوريا بعمق 30 كم تحت سيطرة تركيا، وإعادة جميع السوريين في تركيا إليها على دفعات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لأردوغان ارتكاب حماقة باجتياح شمال وشرق سوريا؟

أردوغان يحاول من خلال تهديداته فرض المنطقة الآمنة على الولايات المتحدة وبشروطه والذي يهدف من خلال ذلك ليس فقط تهجير أهلها وإحداث تغيير ديمغرافي فيها بل يحاول تطبيق الميثاق المِلّي وذلك باحتلال كامل الشمال السوري وإنهاء المشروع الديمُقراطي فيها. إلا أن الولايات المتحدة من الصعب قبولها بقيام تركيا بأي عملية عسكرية على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والقبول بكامل شروطها لإنشاء المنطقة الآمنة ودليل ذلك فشل المفاوضات بين الطرفين حتى الآن، كما أن توجه أردوغان نحو روسيا “صفقة إس400 وتنامي علاقاتهما العسكرية والاقتصادية” أحد الأسباب لعدم قبول الولايات المتحدة للشروط التركية، وفي أحدث موقف أمريكي بهذا الشأن، أظهرت واشنطن دعمها لشمال وشرق سوريا عبر إرسال الجنرال ماكينزي قائد القيادة الأمريكية المركزية للمنطقة الوسطى، في زيارة نادرة إلى مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا 22/7/2019، في خطوة عكست رغبة الولايات المتحدة عدم التخلي عن شركائها في محاربة الإرهاب، وتوجيه رسالة إلى أنقرة بأنها غير راضية عن تهديداتها المتكررة حيال نيتها اجتياح مناطق شرق الفرات، حيث أبدت تركيا انزعاجها من الولايات المتحدة نتيجة زيارة قائد عسكري رفيع المستوى “ماكينزي” ولقائه مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية. أما روسيا ورغم أنها تعمل على دفع أردوغان لشن عملية عسكرية على شمال وشرق سوريا وإحداث شرخ في العلاقات التركية الأمريكية وبالرغم من قيامها بتسليم عفرين للاحتلال التركي فإن لدى روسيا مخاوف من قيام أردوغان باحتلال المنطقة حيث تدرك تماماً بأن قيام أردوغان بشن عملية عسكرية على شمال وشرق سوريا واحتلاله المنطقة يعني سلخ المنطقة عن سوريا وسيطرة أردوغان على ثروات المنطقة من نفط وغاز وأراضي زراعية “90% من النفط، 45%من الغاز، وأكثر من نصف مساحة الأراضي الزراعية في سوريا” مما يعني إضعاف النظام اقتصادياً، كون روسيا لا ترى في قوات سوريا الديمقراطية خطراً على النظام بل يكمن الخطر باحتلال تركيا لشمال وشرق سوريا وضمها لتركيا، مثلما حدث في جرابلس والباب وإعزاز وعفرين وإدلب.

كما أن قوات سوريا الديمقراطية تدرك المخططات التركية في المنطقة لذلك ترفض أي تواجد للقوات التركية في المنطقة الآمنة وترفض تقديم تنازلات في سبيل إنشاء المنطقة الآمنة، وتعمل على تقوية جبهتها الداخلية ضد تهديدات أردوغان حيث أكد مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية على أن الحوار هو الطريق الأنسب لحل المشاكل الأمنية مع تركيا، محذراً من أن أي تدخل تركي محتمل سيحول نحو 600 كم من المناطق الحدودية إلى حرب مفتوحة معها.

ومن خلال ذلك نرى من الصعوبة قبول الولايات المتحدة بعملية عسكرية تركية على شمال وشرق سوريا، وكذلك روسيا والتي يندرج رفضها لصالح النظام، إلا أن الوضع الاقتصادي المتأزم في تركيا وتراجع شعبية أردوغان والانشقاقات الداخلية في حزبه وخسارته لمدينة إسطنبول وتدهور العلاقات التركية الأمريكية قد يؤدي بأردوغان لارتكاب حماقة وشن عملية عسكرية محدودة على شمال وشرق سوريا لتغطية فشله سواء في الداخل التركي أو خارجها مستغلاً موقع تركيا الجيوسياسي وحاجة الدول الغربية لها في الوقت الراهن.

مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى