مقالات

الأم الكبرى زينب (زينو)

كثيرة هي المعاني التي يمكن استخلاصها من كلمات الأم زينو وهي تودع ابنها الثالث والأخير وقد يكون من الصعب جداً تدارك جميع هذه المعاني والقيم التي تتصف وتتمتع بها الام الكبرى وما الشهادة التي نالها ابناءها الثلاثة أو بالأصح أرفع درجات الحرية التي حققها ابناءها  إلا انعكاساً للخصال والتربية الثورية التي زرعتها الأم الكبرى زينو في نفوس ابنائها الذين سطروا اسمى آيات البطولة والنضال والتضحية في سبيل الوطن وكرامة الانسان ورفعته في روج آفا وشمال شرق سوريا.

اجل كانت لقرية (كر بكيل) الوادعة بأهلها النصيب الاكبر من معايشة هذه المأثرة الثورية ولتكون شاهدة على اعظم ملحمة وجدانية خطتها الأم الكبرى زينو وابنائها السرمديون الثلاث (قهرمان – شرفان – سمكو) بأرواحهم ونهجهم وفكرهم الثوري.

السنوات الثلاث الأخيرة من السنوات السبع التي دافع فيها أبناء روج آفا وشمال شرق سوريا عن تراب وطنهم بكل شموخ وإباء, كانت للأم العظيمة زينو وأبنائها الثلاث بصمتهم الملحمية فيها  فعند الحديث عن الشهادة والشهداء فان المعاجم اللغوية لن تفيهم حقهم واللسان لوحده لن يكون كافياً للحديث عن مناقبهم ومآثرهم والقيم التي استشهدوا من أجلها ولكن يمكن القول أن الاجواء التي تربوا فيها والمنبع والمنبت الاصيل للام العظيمة زينو والمحيط العائلي المفعم بالنضال والتضحية والالتزام الثوري كانت ستخلق بكل تأكيد مناضلين وأصحاب قضية وسيكون العشق للحرية والبحث عن الحقيقة حتماً من خصالهم واخلاقهم والوفاء والعطاء دربهم ومنهجهم والتضحية والفداء ميراثهم واستلموا الراية ممن سبقوهم وسلمها الأخ تلو الأخ الذين أقسموا على متابعة مسيرة الخالدين من ممن سبقوهم من رفاقهم .

وهذا الزخم النضالي والقيمي للام زينو وابنائها الثلاث الخالدين ليس بمستغرب على من ترعرع على نهج وفكر وايدلوجية الحركة التحررية والنتيجة  حتماً ستكون تحول الأم الكبرى زينو وابنائها الثلاث الى ميراث ومنبع ملهمٍ للثورة فهم الذين جعلوا من الشهادة القيمة والمعنى والمعيار الاعلى الذي يمكن ان يصل الانسان اليها فعند مراجعة التاريخ ستجد ان الشهيد هو البوصلة التي يتمكن المجتمع من خلال قيمهم أن يبني حاضره  ومستقبله على أسس راسخة وسليمة.

بمختصر الكلام يمكن ان نستخلص ادبيات الثورة وقيمها وحقيقة الشعب المقاتل الذي اراد القائد اوجلان دائما ان نصل اليها, بحيث التأكيد  ان الام العظيمة زينو  وعائلتها المتفانية هي النموذج والمعيار الذي يمكن  الاقتداء بها  في سبيل البحث عن الحقيقة والعشق العذري للحرية بمعناها الاعم ألا وهي الشهادة.

ما يمكن أيضا ان نستخلصه من مسيرة الام الكبرى زينو وابنائها الخالدين هو العطاء والجود دون توقف ودون انتظار المقابل فكيفما كانت جايا تجابه الكرونس الذي كان يبتلع اولادها  في الميثولوجية الاغريقية القديمة كذلك الام الكبرى زينو كانت تقدم في كل سنة  قربانا من ابنائها وذات الام تتقدم جموع المشيعين وتجدد العهد بتقديم ما بقي من فلذات كبدها الواحد بعد الاخر كأنهم البروموثيوس  المخلص للبشرية من العبودية (حسب ما جاء  في الميثولوجيا الغربية والتي تعتبر من أهم القصص التي  ترمز لمضامين ودلالات هائلة في الفكر والتاريخ الغربي.) وبعد استشهاد جميع ابنائها والذي كان آخرهم الشهيد قهرمان تعهدت هي بأن تستكمل نهجهم ودربهم حيث كان الدهشة بادية على وجوه المشاركين في تشيع ابنها الأخير قهرمان فكانت تواسيهم بدل ان يقدموا هم المواساة لها في استشهاد ابنها الاخير.

وهنا ينبغي التنويه مجددا في هذا الجزء من المقال ان هذه الخصال النضالية الاصيلة والملحمة الثورية للأم الكبرى زينو وعائلتها المخلدين ليس بمستغرب على من تشبَّع بفكر وفلسفة الحركة التحررية الكردستانية التي انطلقت من على ذرى جبال كردستان لتمتد الى روج آفا وشمال شرق سوريا وهذا العطاء المتدفق يُعدُّ ميراثاً متجدداً منذ اكثر من اربعين عاماً والتي تعتبر امتداداً وخلاصة الإلهام القيمي والأخلاقي للفلسفة الزرادشتية من فكر وقول وعمل.

منذ انطلاقة الثورة في روج آفا وشمال شرق سوريا تُكنى الثورة فيها بثورة المرأة ولكن ما يمكن التأكيد عليه انها أيضا أصبحت وبدون شك ثورة الامهات  فأكثر من انضممن إلى المسيرات المنادية بالسلام والحرية والعدل والمساواة  كانت الأمهات ولا يزلن وهو ما نشهده  واقعاً في تصدرها لقوافل شهداء الحرية وهي ترفع أصابع النصر وترفض تسليم أغصان الزيتون التي تشبههم  في جمال ارواحهن ومزيتها كرمز للسلام والمحبة وهن أكثر من بادرن  وتحمسن وأضأنَ الشموع وذرفنَ الدموع في سبيل أن يحافظ هذا العالم على ما تبقى من قيم ومبادئ انسانية اصيلة, والام الكبرى زينو جسدت هذه القيم والمبادئ الانسانية في ذاتها وعائلتها لتقف بفكرها ونهجها الثوري المقاوم امام الدكتاتوريات التي تدعي التأله والمقنعين ،وتكون كمشكاة لا ينضب نورها وتنير درب كل تواق للحرية والخلاص من نير الاستعباد والمحتلين.

رشيد اليوسف

زر الذهاب إلى الأعلى