المجتمع

 الأدوية الطبيّة بين الانقطاع وجشع التجار

عندما يمرض فرد من أسرة مقيمة في مناطق روج آفا, يُخَيّمُ الحزن والهمُّ على وجه ربِّ هذه العائلة, , كيف لا؟ وهو يعلم أن عليه أن يؤَمِّنَ الدواء الذي سيصفه الطّبيب أو البديل الطبّي له, وكلاهما إمّا مفقودان من السّوق, أو سعرهما مرتفع جداً؛ هذا إن توّفرا. وإن لم يستطع تأمين الدّواء في منطقته, فعليه أن يؤمنه من مدينة أخرى, أو حتّى دولة أخرى.

هكذا كان حال المواطن في السّنوات الأولى من الأزمة السّورية, في رحلته الشّاقة من أجل تأمين الدّواء.

فما سبب عدم توفّر الأدوية في الصيدليات؟ وما سرّ ارتفاع أسعارها, أو اختلاف هذا السعر من صيدلية إلى أخرى؟

وما هي الإجراءات التي اتّخذتها وستتّخذها الجهات المسؤولة من أجل حلّ هذه المشكلة, وتخفيف المعاناة الماديّة والمعنوية عن المواطن في روج آفا؟

لإلقاء الضّوء على الصّعوبات والمشاكل و الحلول الموضوعة والمقترحة لمشكلة الأدوية الطبيّة ( مدى توفّرها- ارتفاع أسعارها- نوعيتها).

 هدف هيئة الصحّة هو تأمين الخدمات الصحيّة للمواطنين

التقت صحيفة الاتّحاد الديمقراطي مع الرئيسة المشتركة لهيئة الصحّة في مقاطعة قامشلو الدّكتورة عبير حصّاف, التي أوضحت للصحيفة المشاكل التي واجهتها هيئة الصحّة لتوفير الأدوية للمواطنين, والحلول الموضوعة لحل هذه المشاكل, حيث قالت:

“إنَّ الأزمة السوريّة أثّرت على كافة مناحِ الحياة, ومناطقنا لم تكن بمنأى عن هذه التأثيرات, وأكثر القطّاعات تضرّراً من هذه الأزمة هو القطّاع الصحّي, من ناحية الدّواء والأمراض والمواطنين, وسأخصّ الحديث عن الدواء.

عانت روج آفا كثيراً من نقصٍ في الأدوية الطبيّة, بسبب عدم وجود معامل أدوية في مناطقها, ولارتباطها بالدّاخل السوري من ناحية وصول الأدوية إلى تلك المناطق من المعامل الموجودة في حلب وحمص وحماة ودمشق وغيرها, وبسبب قطع الطّرق التي تصل منها الأدوية من قبل داعش والنّصرة والمجموعات الإرهابيّة الأخرى, وفرضٍ الحواجز للأتّاوات على شحنات الأدوية القادمة إلى روج آفا, وإقدام داعش على حرق عدّة شحنات منها, أصبحنا نعاني من فقدان الأدوية، وغلاء أسعارها, فاضّطررنا إلى الاعتماد على الطيران لتزويد مناطقنا بالأدوية, عن طريق مطار قامشلو, ولكن مشكلة غلاء أسعار الأدوية لم تحل, إذ وصل سعر شحن الكيلو غرام من الدّواء من خلال الطائرة إلى 2500 ليرة سوريّة, تُضاف إلى سعر الدواء, فوصل سعر التكلفة لشراب الأطفال إلى أكثر من 500 ليرة سوريّة”.

وتابعت حصاف بالقول: “من الشّهر الرابع وحتى العاشر من عام 2016 انقطع الدّواء تماماً عن روج آفا, بسبب منع النظام للطائرات من جلب شحنات الدّواء من مطار دمشق إلى مطار قامشلو, وتم إيقاف شحنات الأدوية في مطار دمشق لمدّة أربعة أشهر,  وعندما سُمِحَ بنقله إلى قامشلو كان قد فسدَ وانتهت صلاحيته للاستعمال, وكانت الخسارة تقدّر بمليار ليرة”.

وفي السياق نفسه نوّهَتْ حصاف بالقول: “كنّا نستورد الدّواء أحياناً من باشور كُردستان, ولكن ذلك لم يحلّ المشكلة, لأنّ نوعيّة الدّواء كانت غير جيّدة, وسعره كان غالياً، ولكن بعد تحرّر حلب وتحرير مناطق الشهباء ومنبج ومناطق الرقة, صار الدّواء يصل دوريّاً إلى مناطقنا, واتّجهت المشكلة إلى الحل, حيث توفّرت الأدوية, وانخفضت أسعارها تدريجيّاً, فبعد أن كانت نسبة الرّبح لدى المستودعات تصل إلى 100%, نزلت إلى 80% ثم إلى 40% والآن تبلغ نسبة الرّبح 25%, ونسعى لتخفيضها إلى نسبة 20%, من خلال تشديد الرّقابة على مستودعات الأدوية والاطّلاع على فواتيرها”.

وعن اختلاف الأسعار من صيدلية إلى أخرى, أوضحت لنا حصاف الأمر قائلةً:

“يعود سبب اختلاف أسعار مبيع الأدوية من صيدليّة  لأخرى إلى اختلاف السّعر الرئيسي من مستودعٍ لآخر, وحسب نوعيّة الدواء ومدى توفّره. وإزاء هذا الأمر شكّلنا نحن كهيئة صحّة مجموعات تقوم بجولات يوميّة على الصيدليّات والمستودعات للاطّلاع على الأسعار, ومعرفة نوعيّة الدّواء ومدى صلاحيّته للاستعمال, ومعرفة تاريخ انتاجه وتاريخ انتهاء صلاحيّته, وبهذا الصّدد خالفنا الكثير من الصيدليّات بسبب بيع الأدويّة بأسعار عالية واحتكارها, واغلقنا ما يقارب السبعين صيدليّة”.

وبالنّسبة لعدم توفّر أنواع من الأدوية في روج آفا شرحت  الدكتورة عبير الأمر قائلةً:

“هناك بعض أنواع الأدوية لم تكن متوفّرة في مناطقنا حتى قبل الأزمة السوريّة, كأدوية السّرطانات, والسّبب هو أنّ هذه الأدوية لا تُصْنَّعُ في سوريا, بل تستلمها الحكومة السوريّة من منظمة الصحّة العالميّة, التي لا تزال تتعامل مع النّظام, والنّظام بدوره يقوم باحتكارها, ويوزّعها على مدن معيّنة ويحرم مدناً أخرى منها، ومنظمة الصحّة العالميّة ليس لها أيّ تعامل أو فروع في مناطق الإدارة الذاتيّة, وهذا هو سبب عدم توفّر هذه الأنواع من الأدوية في مناطقنا, ولكنّها تُباعُ في السّوق السّوداء, ونحن ليس لدينا سيطرة أو تعامل مع هذه السّوق”.

وعن المشاريع المُنجزة في قطّاع الأدوية قالت حصاف:

“من أجل تخفيف الأعباء عن المواطنين؛ افتتحنا منذ حوالي سبعة أشهر صيدليّة مركزية تابعة لهيئة الصحّة, تتوفّر فيها معظم أنواع الأدوية وبأسعار أقل من أسعار السّوق بنسبة 10%, وهي كائنة في شارع الوحدة مقابل شركة الطّيران السوريّة, وباسم صيدليّة الشفاء, وهي تفتح أبوابها من السّاعة 7 صباحاً وحتى السّاعة 12 ليلاً, وتتوفّر فيها أدوية إسعافيّة للمستشفيات”.

واختتمت الدكتورة عبير حديثها قائلةً:

“عندما يكون هناك تنافسٌ في أسعار مبيع الأدوية؛ فنحن نشجّعه, لأنّ ذلك يصبّ في مصلحة المواطن. ونحن كهيئة الصحّة نبذل كامل جهدنا من أجل تأمين الخدمات الصحيّة للمواطنين, وهو هدفنا الّذي نسعى إليه”.

وفي جولة لصحيفة الاتّحاد الديمقراطي على الصيدلية المركزيّة التابعة لهيئة الصحّة, التقينا مع المُشرفين على الصيدليّة.

 سعر الدواء موّحد لكافّة المواطنين

أوضح لنا الدّكتور الصّيدلي فيلزون حاج يونس عن الغاية من افتتاح هذه الصّيدليّة قائلاً:

“تمَّ افتتاحُ هذه الصّيدليّة منذ سبعة أشهر, يبدأ الدوام فيها من السّاعة السّابعة صباحاً وحتى السّاعة الثانية عشرة ليلاً, يتناوب على الدّوام صيدليّان وفنّي, الغاية من افتتاحها هي مساعدة الناس, حيث أنّ أسعار الأدوية هنا تقلُّ عن أسعار السّوق بنسبة 10%, ومعظم الأنواع متوفرة, ما عدا الأنواع المفقودة أصلاً, وطالبنا الجهات المعنيّة بتزويد الصّيدليّة بهذه الأنواع”.

وعن مصادر توريد الصيدليّة بالأدوية أوضح لنا الصّيدلي فيلزون:

نشتري الأدوية عن طريق فواتير من المستودعات الخاصّة, وأبلغنا كافّة المشافي والعيادات عن مواعيد الدوام لدينا, والجدير بالذكر أنّ قيمة الأدوية الموجودة في هذه الصّيدليّة تصل لحوالي 8 مليون ليرة سوريّة.

وعن آلية الدوام قال لنا الصّيدلي أحمد العلي:

نحن ثلاثة مشرفين هنا, كلّ منا يداوم ست ساعات, ونتعامل مع كافّة شرائح المجتمع من مدنيين وعسكريين, والسّعر موحّد للجميع.

وأمّا عن سبب اختلاف أسعار مبيع الدّواء من صيدليّة لأخرى, أجابنا الصّيدلي أحمد:

تحديد السّعر يقع على عاتق المستودعات, لأنها تبيع بأسعار غير نظاميّة, فإذا تمّ توحيد الأسعار فيها, سيتمّ القضاء على هذه المشكلة.

وفي نهاية اللّقاء أظهر مشرفو الصيدليّة دعمهم للإدارة الذاتيّة وانتخابات الفدراليّة, متمنّين النّجاح للانتخابات من أجل الوصول إلى سوريا ديمقراطيّة لكل شعوبها.

كلمة المحرّر

لا شكّ أنَّ المشاكل التي عانت منها مناطق روج آفا تقلّ بالتدريج, حيث نجد أنّ مؤسّسات الإدارة الذاتية تربط الّليل بالنهار من أجل تأمين حياة كريمة لشعوبها, ونحن كصحيفة الاتّحاد الديمقراطي نقوم بإلقاء الضّوء على عمل بعض هذه المؤسّسات, ونحاول إبراز المشاكل ونوضّح للمواطن الإجراءات التي تتّخذها هذه المؤسّسات للحدّ منها, لكي يكون المواطن متابعاً لعمل هذه المؤسّسات, ويكون داعماً لها, فنجاحها يعتمد على الدّعم الجماهيري لها, والانتصارات التي حققتها هذه الإدارة في كافة المجالات لم تتحقق إلا بفضل الدعم الشّعبي والجّماهيري.

 وتغلّبها على المشاكل الخدميّة والاجتماعيّة الّتي عانى منها المواطن في ظلّ الأزمة السورية ومازال يعاني من بعضها لم يأتي من الفراغ, حيث أتت من فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، فكانت الإدارة الذاتيّة الديمقراطية في روج آفا ومشروع الأمة الديمقراطية والفيدرالية الديمقراطية التي اثبتت صوابيّتها ونجاحها في حل المشاكل العالقة في الشمال السوري، وامكانية تطبيقها على سوريا ككل. والتي تبيّن أنها السبيل الأمثل لتحقيق العدالة والحريّة والمساواة لكلّ شعوب العالم التواقة إلى الحرية والعيش بكرامة.

 وكان لشعوب الشمال السوري الحظّ الأوفر في تجربة الخوض في مشروع القائد, وهذا ما يدفعها إلى التمسك بمشروع الفيدراليّة الذي يضمن لها الحريّة والمساواة والعيش المشترك, وتجلّى ذلك في المشاركة الشعبيّة الواسعة في المرحلة الأولى من انتخابات الفدراليّة, وإرادة هذه الشعوب هي الأساس المتين في تحقيق الفدراليّة, وترسيخها كنظام حكم في كامل الأراضي السوريّة.

زر الذهاب إلى الأعلى