ثقافة

     الأدب والفن كمفهوم ومبدأ ملازمة للثورة

inayatلم يكن الأدب والفن الثوري  في الثقافة والأدبيات الكردية حالة طارئة وليدة لفترات مرحلية لكنها كانت ولا تزال حالة ثورية تعبر عن الشخصية والتكوين النضالي لشعب مقاوم لآلاف السنين استمرت معه إلى وقتنا الراهن فقد حاولت ولا تزال الدول المهيمنة والمستعمرة لكردستان النيل من إرادة الشعب الكردي من خلال محو ثقافته وفنه فكما هو معلوم في ثقافة الغزاة والمحتلين يسعون   بشتى السبل فرض هيمنهم واستعبادهم على الشعوب من خلال محو ثقافتهم وأدبهم وفنهم وصهرها في بوتقتهم من خلال السياسات العنصرية والقوانين الاستثنائية التي من شأنها إبقاء الشعب الكردي في عوالم الجهل الثقافي والاغتراب الأدبي والتعبير الفني المهجن والمستنسخ حسب قوالب تناسب ذهنياتهم الإقصائية وتبقي على استمرار سلطتهم الاستعمارية الإنكارية حيث أرغم الشعب على انتهال الأدب والفن من مستنقعات ثقافة التتريك والتعريب والتفريس وذلك حسب مناهج و أيديولوجيات ومفاهيم مبنية على أسس ومبادئ ومعطيات تاريخية  غير صادقة تفتقر إلى جذورها وتكوينها  .فالأدب والفن يعد بحر واسع يشمل الحياة كلها يشمل التاريخ والجغرافية والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع فهو مرادف للثقافة ومتمم له

يعبر عن التمايز والسمو في  الحياة  ويعد غذاءً للروح ومنهلاً للرقي والإبداع الإنساني والهوية التكوينية للشعوب فهي الأفكار والأحاسيس والعواطف والمشاعر بصورتها الإبداعية حيث يمكن القول   بأن الأدب والفن هو انعكاس لجميع جوانب الحياة الجمالية والقيمية التي  تتناول الواقع  وتسعى إلى تغيره نحو  ما هو أحسن وأفضل وأجمل . يقول القائد الشهيد حسين شاويش (هركول) في تعريفه للفن (  يقوم الفن بإعطاء الشكل واللون للحياة، لا يمكننا أن نفكر  بالربيع بدون الأزهار والورود ولا يمكننا أن نفكر في الطعام بدون لذة وطعم، إذا لا يمكننا أن نفكر في الحياة بدون فن )

  فالأدب والفن عبر لغتها التعبيرية من أعظم وسائل الإنسان في التعامل مع اقعه وابرز أدواته للتغلب على صعوباته ومشقاته وخاصة الأدب والفن الثوري الذي يعد المتنفس الوحيد الذي من شأنها أن يعبر عن حالة الظلم والقهر والاستبداد ,والذي سعى النظم المهيمنة جاهدة في منعها وكبحها عبر سياساتها السلطوية وذهنياتها الإقصائية وفي هذا الصدد يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان (يبذل النظام السائد محاولات دؤوبة مضنية وخارقة في سبيل إطالة عمره عبر العلم والفن  ليس – كما يُظَن – من أجل تطوير العلم والفن (بما فيهما التقنية أيضاً)، بل في سبيل مواصلة حالته الفانية بقوتهما المتطورة بشكل مذهل. إنه يستذكرنا بالعناية المشددة التي يُلجَأ إليها بوساطة كل الوسائل العلمية والتقنية، بغرض معالجة مريض أصبح على شفا حفرة من الموت. حيث يلعب الفن والعلم دوراً مصيرياً لا استغناء عنه في هذه المراحل من سياق الأنظمة، أي في فترات الأزمات الخانقة، للتمكن من إعادة البناء ثانية وتكوين أنظمة جديدة يمكن إحياؤها والعيش فيها.  يؤول احتكار العلم والفن إلى بروز قوة فظيعة من الهيمنة والاستعمار، بحيث تزوِّد بإمكانية تشكيل الفرد والانتفاع منها كما تشاء. وهي لا تقف عند حد تحويل البنية الذهنية والبراديغمائيات الأساسية بما يتوافق وعالَمها الخاص؛ بل وتقوم بصنع الفرد صاحب “نظارة الحصان والقلب الصفيحة”. وبهذه العيون والأفئدة يُبلَغ بالناس إلى موجودات في حالة قصوى من الضحالة والسطحية، المنفعية، الأنانية، اللامبالاة، الظلم، اللا إحساس، التجريد، والآلية الروبوتية.تضع الرأسماليةُ الفرقَ الأكبر بالنسبة لمفهوم الجنسية في النظام، بحيث يكاد لا يبقى أي عضو في المرأة إلا ويُبَضَّع. وهي تقوم بزخرفته بغطاء من الفن، عبر الآداب والروايات)

 إن التمعن في  سيرة وتاريخ النظم الاستبدادية يدرك  حجم الكارثة التي أحلتها بشعوبها وربما يكون أكثر صورها تجليا هي الحالة الكردية التي حرمت من ابسط وسائل التعبير كاللغة والأدب والفن ليصل إلى حد إنكار وجوده ونشوؤه. ومن هذا المنطلق يعد الأدب والفن الثوري مبدءا وقيمة أساسية للنضال والمقاومة ضد جميع أشكال الاستبداد والذهنيات السلطوية واحد أهم وسائل التعبير الأخلاقي  السياسي الأيديولوجي المرسخة لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية في المجتمعات على عكس ما يروج له النظم الدكتاتورية في جعل الفن والأدب أداة لتمجيد سلطانه وبوقا لشرعنة ظلمه واستبداده فالأدب والفن الذي ينبت من رحم النظم التسلطية ويترعرع على بهتانه وجوره لا تنفك من كونها ماكياجا لتجميل قبحه ومادة جوفاء خالية من المبادئ والقيم تماما كتاجر مخدرات يستثمر الشر لبناء دار أيتام وهو من ساهم في  يتمهم

لذلك يعد الاختيار بين  الأدب والفن كقيمة مجتمعية وبين كونها أداة مادية جوفاء هي الحد الفاصل بين التسلطية والثورية             وان عملية الاختيار هنا لست سهلة كونها مرتبطة بشكل وثيق بالوجدان والضمير  وهنا يمكننا سوق مقولة خالدة في الضمير الإنساني   لقائد ثورة الملح الهندية المهاتما غاندي عندما قال : « كثيرون حول السُّلطة، قليلون حول الوطن ». فليس من السهل أن تختار الوطن وتكرس روحك وأحاسيسك ومشاعرك وفكرك وقلمك في سبيل رفعت ورقي مجتمعك وشعبك وربما يكون الحالة الثورية في روج آفاي كردستان وسوريا عامة خير مثال على هذا التناقض الفظيع بين اختيار الوطن كقيمة ومبدأ وبين اختياره كسلعة ومادة فمنذ انطلاق الأحداث المأساوية في سوريا منذ  ما يقارب الستة سنوات ونحن نشاهد الكثير من الخلط بين الحالة الثورية والحالة التسلطية حيث يروج في الكثير من الوسائل الإعلامية المأجورة حالات التسلط  الفكري والأدبي على أنها ثورة على الرغم من كونها لا تختلف من حيث التكوين والنشوء الذهني عن النظام الذي ثار عليه والتي كانت في الأمس القريب جزء لا يتجزأ من هذا النظام السلطوي الاستبدادي وترعرع في كنفه وكان احد أدواته الفكرية والفنية والأدبية التي مارست الإنكار والإقصاء بحق الشعب الكردي ومازال يمارسه بشكل أكثر تسلطا واستبدادا بعد أن بدل القناع البعثي إلى القناع الإسلاموي الإخواني الاردوغاني ليتحول إلى احد أكثر وجوه الاستبداد والإنكار القوم دينية فظاعة وإرهابا , ربما لا يختلف المشهد من هذا المنظور في الساحة الكردية في روج آفا كثيرا عن الحالة السورية بشكل عام فهذا الالتفاف حول السلطة والألقاب والمناصب أصاب الكثير من أصحاب ودعاة الوطنية والقومية الذين تخلوا عند ابسط فرصة سنحت لهم عن الشعارات التي نادوا بها سابقا ليتحولوا إلى مهرولين ومنبطحين صاغرين لإملاءات وأجندات معادية لشعبهم ووطنهم ومنخرطين في مخططاتهم  منابرهم الإعلامية والأدبية والفنية جوفاء خاوية على عروشها لا تعبر عن الحلة الثورية والفكرية والأدبية والفنية التي تعيشها روج آفاي كردستان لا يحملون أي مشروع فكري أو وطني   عقيمون وعاجزون عن الإبداع  مبادئهم وشعاراتهم الرنانة  تباع وتسقط في أقرب جولة ومفترق وطني , هوس السلطة والاستحواذ على المناصب سرطان خبيث نخرت ضمائرهم وعقولهم .

أما على الجانب النقيض من هذه السقطة الأخلاقية لأصحاب المنافع والسلطة نجد هناك ثوارا حقيقيين كرسوا أرواحهم وفنهم وإبداعهم الأدبي والفكري إلى عراقة وأصالة نسج من معانات مجتمعهم ووطنهم و جعلوا من إبداعهم الفني والأدبي والفكري جسرا ومنبعا للنضال والبطولة والمقاومة أمثال الشهداء ( فيان بيمان, حسين شاويش وزردشت, عيسى حسو, وارشين , ارين, عثمان ………) وغيرهم الآلاف من الشهداء الذين سبقوهم ومن لحقوا بهم ليتحول فكرهم وأدبهم وفنهم وملاحمهم ومآثرهم إلى ميراثٍ  ومنهلٍ  للإبداع والرقي المجتمعي ليس في روج آفا وكردستان فحسب بل على الصعيد العالمي لتصبح بطولاتهم ومنابع فكرهم وأدبهم وفنهم الثوري مصدر الهام لجميع الشعوب التواقة إلى الحرية والانعتاق من نير الظلم والاستبداد.

ياسر خلف

زر الذهاب إلى الأعلى