الأخبارمانشيت

The Washington Post: كانت تركيا ذات يوم مجتمعاً حراً … والآن هي البلد التي تقضي على نفسها بعجالة

 

asli-aydintasbas imrs selah-aldin-dmitash-%e2%80%ab1%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac selah-aldin-dmitash-%e2%80%ab1%e2%80%ac4 نوفمبر/ 2016

Asli Aydintasbas

The Washington Post

إن سرعة انحطاط تركيا أمرٌ لا يمكن تصوره، حتى لو كنتَ تعايش مكائدها يوماً بعد يوم.

بدأ هذا الأسبوع مع إعلان الحكومة التركية عن خطط لإعادة العمل بعقوبة الإعدام بناءً على طلبٍ من زعيم البلاد، الرئيس أردوغان من أجل الحصول على دعمٍ من القوميين المتطرفين في سعيٍ منهُ إلى توسيع صلاحياته الرئاسية.

 في وقتٍ لاحقٍ من هذا الأسبوع حدث اعتقالٌ لرئيس تحرير صحيفة جمهوريت وكتّاب الأعمدة فيها، وهي أقدم صحيفة في تركيا ورمزاً لعلمانيتها السريعة التآكل، بتهمٍ ملفقة وملصقة بالإرهاب. وفي الختام انتهت ليلة الخميس باعتقال صلاح الدين دميرتاش الرئيس الكاريزمي لحزبٍ موالٍ للكرد في البلاد، واعتقال الرئيس المشترك للحزب فيكن بوكسداغ. كما تم اعتقال عشرة آخرين من النواب الكرد المنتخبين.

وأنا أكتب هذه السطور يعجز المواطنون عن تنظيم المظاهرات – فقد تم حجب موقع تويتر، ولايمكن الوصول إلى الفيسبوك، وتبقى تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل الواتس آب محظورة. إن قمع وسائل التواصل الاجتماعي هو إجراءٌ لا لزوم له كلياً. من ذا الذي سيخرج ويجازف بالتعرض لخطر الاعتقال عندما يكون هناك قانون الطوارئ ويُفرضُ حظراً رسمياً على الاحتجاجات؟ تحدث الاحتجاجات في مجتمعات حرة أو شبه حرة – أو عندما يمتلك الناس الاحساس بأن لديهم فرصة لإحداث تأثير. كانت ثمة فترة هزت فيها البلاد احتجاجات حاشدة في المدن دفعت الحكومة للإعلان عن سلسلة من الإصلاحات. تركيا اليوم هزيلة ولم يبقى تفاؤلٌ من هذا القبيل.

قصة تركيا تتحولُ بشكلٍ سريعٍ إلى قصةٍ طويلة مفجعة عن ديمقراطية إسلامية في مهدها تخسر كل فرصة تاريخية للتقدم، لمجرد الاكتفاء بنمطٍ مألوفٍ من الاستبداد الشرق الأوسطي من خلال الخضوع لعبادة الشخصية الرجعية.

قبل عقدٍ من الزمن كانت هناك إشادة بـ حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم في تركيا من قبل العالم لما حققه من إصلاحات وخطوات سريعة نحو عضوية الاتحاد الأوروبي. أنا نفسي كنتُ أكتب في مدح “الديمقراطيين المسلمين”، شعار حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي بدأ في ذلك الوقت كبديلٍ مبشرٍ عن كلٍ من العلمانية الكمالية المتشددة والإسلام الراديكالي. تركيا بعد عقدٍ من الزمان بالكاد قادرة على عقد علاقات متحضرة مع حلفائها الغربيين، وتعاني من تدهورٍ سريعٍ لسلطة القانون، وأصبحت شوكة في خاصرة أوروبا.

في هذا التدهور التدريجي كان دميرتاش نسمةً من الهواء النقي، وأحد أفضل الأشياء التي حدثت في السياسة التركية على مدى السنوات القليلة الماضية. محامي حقوق الإنسان السابق والبالغ من العمر 43 عاماً، يشرف على قيادة ائتلافٍ صغيرٍ فحسب من الكرد واليساريين والأقليات – مع أصوات بالكاد تكفي لاجتياز 10% في المئة من العتبة التي تسمح له بالمشاركة بالبرلمان التركي. لكن دميرتاش كان مؤثراً بخطابه القوي عن التعددية والديمقراطية، وكان قادراً على إبراز القوة الكامنة خلف قواعد حزبه. كانت هذه قصة داود وجليات الجبار. بكلمته الشهيرة:” لن نسمح لك أن تصبح الرئيس التنفيذي” في شهر مارس/آذار من العام الماضي، والنصر الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي HDP في انتخابات يونيو/حزيران 2015، حرَّمَ دميرتاش على أردوغان نموذج التغيير الدستوري مكتسحاً السلطات التي أرادها. مع احتجاز دميرتاش لم تعد هناك عقبات أمام أردوغان ليصل إلى السلطة المطلقة.

التقيت  بدميرتاش لتناول شاي الصباح قبل بضعة أسابيع في اسطنبول. وكان مبتهجاً على غير العادة رغم وجود شائعات عن اعتقال محتمل له. سألته عن السبب. أجاب:” نحن بحاجة إلى أن نكون أقوياء، نحن أقوياء، نحن فقط بحاجة إلى معرفة ذلك، لقد أدركت بأن العالم لن يأبه بنا نحن الكرد إلا إذا اعتبرونا أقوياء “.

إنه لأمر يزداد صعوبة أن نشرح مقدار اهتمام حلفاء تركيا الغربيين بالديمقراطية التركية بعد الآن. كنت في بروكسل قبل بضعة أسابيع لعقد سلسلة من الاجتماعات، وكان هناك إعياء من تركيا. ما أن يروا تركيا باعتبارها مرشحة تطمح للحصول على العضوية، حتى ينفض الأوروبيون أيديهم عن هذا البلد. كان الجدال فيما أن يكون الحفاظ على عملية الانضمام الميتة كما هي، أم مقايضتها كنمط لصفقة تجارية. هل كان الأوروبيون أكثر استعداداً لقبول تركيا خلال سنوات الإصلاح التي مرت بنا قبل عقدٍ من الزمن، ربما لم نكن لنصل أبداً إلى هذه النقطة. لكن من يدري؟ من المؤلم أن نفكر ملياً في الطريق الذي لم نسلكه.

و لهذا السبب فأن الفترة الحالية في تركيا قاسيةٌ جداً بالنسبة لنا جميعاً – كتّابٌ وصحفيين، أمهاتٌ وآباء، ومجرد مواطنين عاديين. ليس الأمر كما لو أن تركيا لم تذق أبداً طعم الديمقراطية. لا، كان عندنا شيءٌ يشبه المجتمع الحر والمنفتح. كانت  عندنا مؤسسات مع الضوابط والموازنات، كانت عندنا ساعاتٌ متواصلةٌ من المناقشات المتلفزة، نظامٌ متعددُ الأحزاب لم يخضع لرقابة سلطة أعلى. كان هناك عملٌ جزئيٌ بسلطة القانون (رغم المشاكل)، كانت هناك مظاهرات، تجمعات، آمال، وعلى طول الطريق كانت هناك إمكانية للتغيير.

كل ذلك انتهى الآن باحتجاز ديميرتاش وغيره من المسؤولين المنتخبين من الكرد، تحث تركيا السير في طريق العودة إلى الأيام المظلمة من تسعينات القرن المنصرم ــ منشغلة بالإرهاب والصراعات الداخلية والاقتصاد المتعثر واليأس. وكان إلقاء القبض على مجموعة من النواب الكرد من البرلمان في عام 1994 قد قاد إلى مرحلة من القمع وتصاعد العنف.

لا أعرف أحداً يسعده انحطاط تركيا ــ ولا حتى أنصار أردوغان. أنت لا تريد أن يكرر التاريخ نفسه، ولا تريد الانزلاق أكثر في دوامة شرق أوسطية من التسلطية والميليشيات والنزاعات العرقية والطائفية. ولكن من الذي سيوقف موجات المدّ والجذر ويقف في صف الديمقراطية؟ الزعماء الأتراك أنانيون أكثر مما ينبغي حتى يقوموا بتحويل المسار، والمعارضة ضعيفة جداً، والمواطنون في خوفٍ شديدٍ. ليس هناك مرشحٌ حتى الآن. هذا هو النسيج الذي صُنع منه التاريخ، أحياناً لا يمكنك أن تفعل شيئاً سوى مشاهدة بلدٍ يقضي على نفسه ــ وهذه هي مأساته الحقيقة برمته.

ترجمة واعداد: إعلام الحزب

زر الذهاب إلى الأعلى