مقالات

الخط الثالث …الثورة, الشخصية والأسلوب

xalid omerخالد عمر

لم يكن أمراً اعتباطياً انتهاج حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي للخط الثالث ضمن سياق (الثورة السورية سابقاً والكارثة السورية سابقاً والآن), ولم يكن ذلك الانتهاج ضرباً بالمندل أوقراءة فنجان, ولم يكن اختياراً للجواب الأصح من بين مجموعة من الأجوبة الصحيحة المتاحة لسؤال هو: ما هو الأسلوب الذي يتوجب على الكرد في غربي كردستان أن يتبعوه كي يخرجوا بنهاية المطاف منتصرين وبأقل الخسائر, مع العلم أن عبارة ” منتصرين وبأقل الخسائر” وضمن تسلسل الأحداث منذ آذار عام 2012 ولتاريخه وإلى أن ينتهي فيلم الرعب الذي يعيشه الشعب السوري عموماً, تلك العبارة “الحقيقة” تحمل في ثناياها الكثير من المعاني وتبقى كغيرها من الحقائق نسبيةً حيث أنه أساساً لاوجود للمطلقيات في هذا الكون, إنَ الانتصار المنشود هو تحقيق هدف الثورة المعاشة في روج آفا في بناء سوريا فدرالية ديمقراطية تعددية وبناء مجتمع اخلاقي سياسي متحرر منظم بحيث تعيش كافة الشعوب القاطنة تحت مظلة الأمة الديمقراطية بشكل تشاركي وأن تكون الإدارة من المجتمع وإليه, وتتحول الدولة كمؤسسة إلى خادمة للمجتمع وبصلاحيات محدودة وضيقة وبعيدة كل البعد عن التدخل في شؤون المجتمع, لا يتسع المكان لسرد المعاني والتفاصيل التي تتضمنها تلك العبارة إلًا أن الجلي والساطع سطوع الشمس أن أشواطاً طويلة تم قطعها في سبيل بلوغ الهدف وأن كافة الوقائع على الأرض تثبت وبشكل قاطع أن اتجاه الخط الثالث هو إلى الانتصار المطلوب ثورياً لامحالة.

لقد كان انتهاج الخط الثالث أكبر إثبات على القراءة الأصوب والتحليل الأدق لواقع ومستقبل الحراك الذي بدأ ثورياً في سوريا ودليلاً على قراءة وفهم التاريخ وفهم ذهنية نظام الحداثة الرأسمالية والاعتماد على ذلك للتنبؤ بخارطة التحالفات والتمحورات المحلية والإقليمية والدولية التي ستتشكل بموجب التوجهات المصلحية لمختلف القوى التي ستصبح أطرافاً في الأزمة التي ستعاش على الأرض السورية, بل ويحمل ذاك الانتهاج في ثناياه حقيقة عبقرية الطليعة الثورية, تلك الشخصيات المتشربة بفلسفة الحياة الحرة والقادرة على ريادة الجماهير وتنظيمها وتوجيه طاقاتها في المسار الصحيح والمنتج والفاعل, حيث أن نجاح الثورة يحتاج أولاً إلى الطليعة الثورية التي ذكرناها, وثانياً إلى شعب واع ومدرك لقضيته ولتاريخه وتحليل ذلك التاريخ والاستفادة من دروسه لعدم الوقوع في الأخطاء القاتلة التي وقع فيها أسلافه, بمعنى آخر يجب أن ينتقل الشعب الكردي من مرحلة انعدام الشخصية أو الشخصية الملحقة بالغير إلى الشعب ذي الشخصية الحقيقية الخاصة به التي تتجسد فيها كل معاني الوعي والإدارك للتاريخ والواقع والمستقبل وتختصر تلك الشخصية في ذاتها هويته الثقافية, وثالثاً يتطلب نجاح الثورة “الأسلوب” والذي هو السبيل الأكثر اختصاراً لبلوغ الهدف والذي يتمثل في ثورة غربي كردستان بإحلال نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية وفلسفة الأمة الديمقراطية كأسلوب عيش وكونفدرالية الشعوب بدل طراز الدولتية القوموية التي أثبتت أنها بدون جدوى ولم ولن تحل أية قضية بل ستعقد المعقد .

لقد اجتمعت العوامل الثلاثة المذكورة آنفاً وتوفرت في ثورة غربي كردستان وإن المستوى التنظيمي الذي بلغه الشعب الكردي ومستوى وعيه وإدراكه الذي يعكس مدى نجاحه في استرداد شخصيته الخاصة به, والمكتسبات التي تحققت والمكتسبات التي يلوح في الأفق أنها ستتحقق وآتية بدون ريبة – علماً أن مصطلح “المكتسبات” لا يعطي المعنى الصحيح بمقدار أن الأصح هو “الحقوق المسلوبة التي يتم استردادها”- تبشر بأن ثورة 19 تموز هي الثورة الحقيقية وأنها هي التي ستضع نهاية لعهود الإنكار والإبادة الجسدية والثقافية لشعب يعيش على أرضه.

إن اتفاق النظام والمعارضة معاً بعد كل هذه السنين من سفك دماء الشعب السوري بنتيجة صراعهما على السلطة واتفاقهما مع باقي أعداء الشعب الكردي وقضيته العادلة (النظامان التركي و الإيراني) على معاداة أي تطلع لهذا الشعب ومحاولة إجهاض ثورته وضرب مشروعه الديمقراطي لهو أكبر دليل على صوابية انتهاج الخط الثالث ويجب أن يكون حافزاً ودافعاَ لكل من سار في غير هذا المسار أن يعود إلى رشده إن كان يحمل في داخله صدق العمل والنية.

زر الذهاب إلى الأعلى