مقالات

هل عززت محاولة الانقلاب الفاشلة سلطة أردوغان؟

الغارديان
كبداية نجح أردوغان بالفعل في تحقيق ما لم يستطيع أسلافه تحقيقه: نجا من محاولة انقلاب عسكرية، حيث بقي رئيس أركان الجيش موالياً له،وهو ما يشير إلى أن أردوغان نجح في ترويض القيادة العليا التي كانت تشكل خطراً مبطناً قد يطيح بحكومته كما حدث عام 2007. كما وحظي أردوغان بدعم واسع النطاق من قبل قوات الشرطة، حيث واجه العديد منهم الانقلابيين من الجيش. ويُظهر حجم التطهير الذي ينفذه أردوغان عقب الانقلاب الفاشل أنه في موقع قوة غير متوقع.
فمنذ الأسبوع الفائت، قامت حكومة أردوغان باعتقال، إقالة وتوقيف ما يزيد عن 50 ألف موظف. العدد لا يشمل فقط الجنود ولكن رجال الشرطة أيضاً، المّدعين، الأساتذة، الحكّام، عمداء الجامعات وموظفين من رئاسة الوزراء. ويصر مكتب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان على القول إن كل ما يحصل يتم وفقاً وتحت ظل سيادة القانون. ولكن الحجم الهائل لعدد الناس المتضررين، وحقيقة أن التطهير لا يستهدف فقط القوات العسكرية بل يمتد لأبعد من ذلك، وهو الأمر الذي ربما يشير بأن الحملة يتم استغلالها لإلقاء القبض على المتورطين مباشرة في الانقلاب، وأيضاً لتهميش وتحييد أي شخص يمثل أي نوع من الخطر بالنسبة لأردوغان.
حملة من هذا النوع ضد معارضي أردوغان كانت قيد التخطيط والعمل قبل محاولة الانقلاب. ولكن الآن وبعد ما حصل يتم العمل لإنجازها سريعاً، ربما لأن أردوغان يشعر بأنه ومع وقوف الآلاف معه ضد الجيش خلال يوم الانقلاب ومع وجود الحشود التي لا تزال تتجمهر تكريماً له – فإنه يملك الآن تفويضاً أكبر لفعل ذلك.
ما هي الحجة المضادة؟
كل ما سبق ربما يكون إشارة ضعف لا قوة. أردوغان نجا من الانقلاب ولكنها كانت محاولة مفادها أن تركيا، على عكس ما افترضه البعض، لم تنته من عهد الانقلابات والتدخلات العسكرية. بقي معظم الجنود موالين، ولكن هنالك أكثر من 100 عقيد وضابط وأدميرال معتقل منذ الانقلاب – تقريباً ثلث عدد قيادة المشاة العامة.ولا يزال يضمر العديد من القوات المسلحة شكوكهم حول أردوغان الذي سعى إلى تقويض تأثير العلمانية والعسكري منذ وصوله للسلطة عام 2003. إذا ما قاموا بتنفيذ انقلابهم بشكل أكثر فعالية، كان الممكن أن يكون أردوغان في المعتقل أو ميتاً.  وفي حين يبدو حجم التطهير يدل على أنه استغلال بالنسبة للبعض، يبدو الأمر لحلفاء أردوغان ضرورياً وفي الحقيقة فإن حجم التطهير يشير إلى الخطر الذي يواجهه. ويؤكد أردوغان على أن الانقلاب كان منظماً من قبل أتباع فتح الله غولن، وهو رجل دين تركي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. تسلل الآلاف من أتباع غولن إلى داخل مؤسسات الدولة، وتعتمد حجة أردوغان على أنه يجب التخلص من هؤلاء قبل أن يتمكنوا من إحداث فوضى أكبر في البلاد.
كيف أثرت الأحداث الأخيرة على شعبية أردوغان؟
خلال ليلة الانقلاب، أعلنت أحزاب المعارضة الثلاثة عن دعمها للرئيس المنتخب ونددت بالانقلاب. كانت لحظة من اللحظات النادرة التي تتوحد فيها القوى السياسية في تركيا، كما وبدا أن الأمر كان له صدىً على الرأي العام. حيث أن الناس الذين تظاهروا واحتجوا ضد أردوغان وسياساته السلطوية عام 2013، قالوا يوم الانقلاب إن الانقلاب ليس جواباً مناسباً.  يقول هوشيار أوزسوي، برلماني عن حزب الشعوب الديمقراطية “نعم لدينا مشاكل في تركيا، ولكن وفي نفس الوقت فإن الانقلاب العسكري لن يكون حلاً لتلك المشاكل”.        
ولكن لا توجد أدلة دامغة تشير إلى أن شعور التكاتف والتضامن تمت ترجمته إلى تعزيز كبير لشعبية أردوغان الشخصية. أدى الانقلاب إلى تقوية قاعدته الشعبية الموجودة مسبقاً وهو يتجمعون كل يوم منذ محاولة الانقلاب. يقول آدم جانكاي، 42 عاماً وهو يحضر إحدى التجمعات الموالية لأردوغان ” سنبقى حتى أخر نفس من أجل أردوغان”.  بعيداً عن دعم أردوغان الأساسي، وعروض من هذا النوع، جنباً إلى جنب مع توسيع حملة الاعتقالات، فإن كل ذلك قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إبعاد وتنفير الناس كما انجذبوا. ويجادل المحلل التركي، سونر جاغاتاي قائلاً “هؤلاء الذين يحبون أردوغان والذين لا يحبونه سيتحولون فيما بعد إلى أولئك الذين سيعبدونه أو سيكرهونه”.
ماذا عن قدرة أردوغان على التعامل مع الأزمات الإقليمية والداخلية الأخرى؟
تورطت تركيا في عدة صراعات، داخلياً وخارجياً، والاضطرابات الحالية التي جلبها الانقلاب ستعيق من قدرة أردوغان على الرد والاستجابة تجاه تلك الصراعات. أشعل أردوغان حرب أهلية مع الكرد، جنوب شرق البلاد واعتقل العديد من المسؤولين الكبار، من ضمنهم كبار المسؤولين في تلك المنطقة، وهو ما سيعيق من قدرة الدولة التركية في القضاء على المعارضة الكردية. وكانت تركيا تكافح مسبقاً لتستطيع أن تتعامل مع هجمات تنظيم “داعش”، والتي أدت إلى مقتل العشرات في أخر تفجير ضرب أكبر مطارات البلاد. اعتقال العديد من المسؤولين الأمنيين وتزايد حالة عدم الثقة بين مؤسسات الدولة المختلفة داخل الأجهزة الأمنية، من الممكن أن يجعل مواجهة خطر تنظيم “داعش”  أكثر صعوبة.
وإذا ما حولنا أنظارنا للغرب، فإن حملة أردوغان ضد معارضيه تهدد العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص اتفاق اللاجئين الذين تم قبل أشهر لإيقاف تدفقهم، حيث أنه ومع تزايد تصريحات المسؤولين الأوروبيين ضد أردوغان ونهجه المتبع بعد الانقلاب فإن المخاطر التي تهدد العلاقة تتزايد. أخيراً، المجموعات السورية التي تتمتع بالدعم التركي في شمال سوريا، ستكون متحيرة وتتساءل عن تأثيرات تركيا منشغلة بالأحداث الداخلية بالنسبة لهم.
 ترجمة: المركز الكردي للدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى