مقالات

اللقاء الأخير

xales-mesurكان آخر لقاء جمعني بالشهيد حسين شاويش عضو وحدات حماية الشعب مع ثلة من الزملاء، في مقر إعلام(PYD) قبل استشهاده بيومين بالضبط بحادثة سير مؤسف على طريق قامشلو دبريك. حسين شاويش كان مثال التضحية ونكران الذات، كان أشبه بصقر الجبال وهو جالس أمامي يرسل نظراته المهيبة حينما كان يرفع جفنيه عن عينين مولئتا بمعاني التضحية والنضال  وهو يتحدث عن الثقاقة والمثقفين ودورهم في النضال الوطني، وكانت تبدو عليه علائم عدم الرضى من دور المثقف الكردي في الثورة الروج آفاوية، وبدا وهو يخطط لمشاريع ثقافية رؤيوية الطابع حول الطريق الذي يليق بالمثقف الكردي السيرعليه وأن يتخذه له شرعة منهاجاً، وحينما كان يتحدث الرجل يأسرك بحديثه نظراً لغزارة المعلومات التي استقاها من فكر القائد أوجلان، لتشعر معه على الدوام بمتعة اللقاء في عبارات مليئة بالمعاني وفي غاية الواقعية والجدية والتحليل الصائب. شاويش هذا المناضل الكردي الفادي لشعبه الذي قضى شطراً من زهرة شبابه كريلا على ذرى الجبال الكردية الشماء كما الباز لايحط إلا على رؤوس الجبال ولا يقنع بما دون النجوم، وشطر آخر قضاه في سجون الاحتلال التركي، وشطر ثالث في روج آفا يؤدي واجبه الإنساني، إلى أن امتدت إليه يد المنون فاختطفته من بيننا جسداً، ولكنه خلد في الذكرى والروح.

في الحقيقة التقيت المناضل حسين شاويش في عدة أماكن ومقرات ومؤسسات روج آفاوية، وفي كل لقاء لم يكن أحدنا ليمل من أحاديثه الشيقة والمثيرة، وكان يحلق في فضاءات الكلمة المعبرة ويحلل المواضيع بعمق العارف ونظرة الخبير، يثير في تحليلاته الحالة الكردية والوضع في روج آفا ككل، وأنه خلق ليمارس أسلوبه المفضل في الحياة وهذا الأسلوب كان يتجسد فيما يقوله بأن علينا نحن الكرد ألا نعيش حياة عادية بل يجب أن تمتليء حياتنا بالطولات والمآثر، وأن نؤخر مصالحنا الشخصية ونقدم مصلحة شعبنا المظلوم والمضطهد، وكل شيء يهون في سبيل النضال من أجل هذا الشعب ومن أجل مستقبل أبنائه وأطفاله.

وكما يقال، كلام الشجعان لا يعلوه كلام، فقد كان حسين شاويش يشعرك على الدوام بجديته وكلامه الرصين والذي لايقبل الحشو والتكلف، وكان كل عباراته تنم عن ثقافة سياسية واجتماعية واسعة وجرأة في الطرح لامتناهية، وكان لايواري ولايداري وإنما يوجه كلامه كالسيف إلى مصدره، وإنما سيف حق وليس باطل في مواقف قلما يجرؤ المرء على قول مثل ما يقوله. ومن آرائه قوله: عن المثقفين وكانت المناسبة هو انعقاد كونفرانس المثقفين في قامشلو الذي  عقد مؤخراً، أن المثقف الذي لا يتناغم مع قضية شعبه المضطهد ومجتمعه المسلوب، هو ما لا يمكن أن نسميه مثقفاً بالمطلق، ويقول أيضاً، بدون الرجوع إلى مصدر القضايا لايمكن الحصول على نتائج مجدية وصحيحة عنها، والرجوع إلى مصادر القضايا سياسية كانت أم اجتماعية يتطلب متابعة وجهداً ومثابرة لمسايرة منشأ القضية ومسالكها وحالها ومآلها. وبالفعل فقد حلل وهو جالس معنا قضية التشتت الكردي وعدم اتفاقهم على مواقف مصيرية وحاسمة تتطلبهما الحالة الراهنة للكرد، وهنا فحتى إن لم تكن متفقاً معه في كل شيء، لكنه كان يشعرك باستنتاجاته المعقولة والمنطقية بأسلوبه المبسط في التحليل السياسي والاجتماعي لقضايا روج آفا والمنطقة ككل.

هكذا كان حسين شاويش فارس القلم والسيف، يكتب المقالات في الصحف الكردية في روج آفا، يحلل ويستنبط ويستنتج في رؤية واقعية منطقية بعيداً عن الهوى والتجني، وكان رائده الصدق في الحديث والصراحة في الكلمة، نعم لقد استشهد هذا الرجل تاركاً خلفه ذكريات الطفولة، ورفاق درب كافح معهم،  وتاريخ حافل بالتضحيات والنضال، فكان الشهيد غصناً على شجرة الحياة لم يذبله المنون، وستظل حياته قدوة، وشهادته ذكرى خالدة لا تواريها الدهور والأزمان. ولا نقول عنه إلا كما قال الجواهري: دم الشهيد، لا تذهب هباء       ولا تجمد بقارعة ضياعا

رحمك الله يا حسين، لقد أصبحت رمزاً خالداً في التضحية والنضال، لشعبك ووطنك.

زر الذهاب إلى الأعلى