حوارات

دلي: الاهتمام الأميركي دفع بروسيا إلى اكتشاف أهمية الكرد

حوار : عبدالله فرحو


 

في حوارٍ لصحيفة الاتحاد الديمقراطي مع الكاتب الصحفي, والمحلل السياسي خورشيد دلي حول مختلف الملفات الساخنة التي تَخُص الشأن الكردي والسوري والإقليمي.

 

– في ضوء التطورات الراهنة كيف تَروُّن مستقبل سوريا لا سيما بوجود النجاحات التي حققها الكُرد في روج آفا من خِلال إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية وتشكيل مجلس تأسيسي للاتحاد الفدرالي الديمقراطي؟

 

دون شك، يُمكن القول إن الكرد كانوا أكبر المستفيدين من الثورة السورية قبل أن تتحول الأخيرة إلى أزمة متداخلة إقليمياً ودولياً، للمرَّة الأولى نجح الكُرد في بلورة حركة سياسية منبثقة من الإرادة القومية للشعب الكردي، ونجحت تدريجياً في فرض سيطرتها على المناطق الكردية، وبناء إدارة ذاتية تُديُّر هذه المناطق على مختلف الصعد رُغم الظروف الصعبة، ولعَّل سرُّ هذا النجاح، يعودُ أولاً إلى الموقع الذي اتخذته الحركة الكردية في سياق الأزمة على شكل انتهاج الخط الثالث خارج معادلة النظام والمعارضة المرتهنة للخارج . وثانياً:  قدرة الحركة على تنظيم الشعب في مؤسسات سياسية وأمنية وعسكرية، أدت إلى تشكيل نواة صلبة في مواجهة القِوى الإرهابية التي حاولت مِراراً السيطرة على المناطق الكردية, ثالثاً: نجاح الحركة الكردية في الانفتاح على الخارج ولاسيما أميركا وروسيا وبالتالي خلق واقع قوة جعل من الكرد لاعِباً مهماً في الساحة السورية, خاصةً بعد أن أثبت الكرد قدرتهم على محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وعليه يُمكن القول إن إعلان الفيدرالية جاء تتويجاً لهذا الواقع الذي يتأسس يوماً بعد أخر بفضل التضحيات, لكّن الذي ينبغي قوله هنا هو أن الحفاظ على هذه المكاسب يحتاج إلى المزيد من الجهد في ثلاث مستويات.

 

– الأول: مستوى الداخل  في تشكيل مرجعية كردية تضم مختلف القوى والأحزاب بما يساهم في تخفيف الخلافات والانقسامات الحزبية وحل المشكلات المعيشية الصعبة التي يعاني منها الشعب.

 

– الثاني: العمل الحثيث بإتجاه مختلف القوى السورية من أجل إقرار الحقوق الكردية دستورياً عبر صيغة تَقرُّ بالهوية القومية للكرد.

 

-الثالث: بَذل المزيد من الجهد السياسي على المستويات الإقليمية والدولية في جلب الاعتراف بالحقوق الكردية وتقديم الدعم.

 

– ما مَدى تقُبل الأطراف الإقليمية للنظام الفدرالي أو الحقوق الكردية؟

 

أعتقد إن من يدقق في مواقف القوى الإقليمية والدولية من قضية إعلان الفيدرالية سَيجدُ تفاوتاً كبيراً، فعلى المستوى السوري يُمكن القول أن النظام والمعارضة لم يَتفِقا على شيء سوى على رفضِ الفيدرالية.

 

وعلى المستوى الإقليمي هناك رفضٌ أيضا للفيدرالية ولاسيما من قبل تركيا وإيران، فالدول التي يتواجد فيها الكرد تتفق على محاربة التطلعات القومية الكُردية أينما كانت، إذّ أنها تدرك أن مثل هذه الخطوة الكبيرة سيكون لها تداعياتٌ كبيرةٌ على كُردِها في الداخل, تبقى مواقف الدول الكبرى ولاسيما روسيا وأميركا بحاجة إلى المزيد من الدقة والمتابعة, فهذه الدول تهُمُها مصالِحُها بالدرجة الأولى، فهي في الوقت الذي لا تقول لا صراحةً للفيدرالية في الوقت نفسهِ لا تقولُ نعم لها، مع أن معظم هذه الدول هي فيدرالية, ولعل مُجمل هذه المواقف التي تصب في خانة الرفض والحذر تتطلبُ من الكُرد المزيد من الجهد السياسي والدبلوماسي لإقناعِ هذه الأطراف بالفيدرالية كأفضل صيغةً لحُكمٍ يحققُ الديمقراطية والعدل والنمّو, كما تُشير تجارب الحكم الفيدرالي في أنحاء العالم، خاصةً بعد أن ثُبُتَت التجربة التاريخية على مستوى المنطقة على الأقل أن الحكم المركزي انتهى عملياً إلى جانب الاستبداد.

 

– هل إبعاد الطرف الأساسي في المعادلة السورية من مؤتمر جنيف بضغط من تركيا و(هنا موقف روسيا وأمريكا كان هزيلاً رغم دعمهم المباشر لقوات الحماية الشعبية)؟

 

السبب الرئيسي لإبعاد الكرد من محادثات جنيف هو الموقف التركي الرافض لهذه المشاركة، ولعل ذلك يعود بشكل أساسي إلى عاملين أساسيين.

 

الأول: النجاحات الكبيرة التي حققها الكرد وتحريرهم مناطقهم والتي هي مناطق حدودية، وتركيا تخشى من انتقال تأثير هذه النجاحات إلى كردستان تركيا التي تشكل العمق التاريخي والاستراتيجي للقضية الكردية.

 

أما العامل الثاني فهو: اعتِقادِ تركيا بأن مُجرد المشاركة ستؤدي إلى جلب اعترافٍ قانونيٍ ودوليٍ بالكرد وهو ما يرفضه تركيا, لكن الغريب هنا هو أنه رغم الخلافات الروسية والأميركية مع تركيا بخصوص مُجمل الأزمة السورية, وقناعة الطرفين بأهمية وضرورة مشاركة الكرد في محادثات جنيف، فأن موقفهما من الرفض التركي للمشاركة الكردية كان مهادناً ومثيراً للمزيد من الأسئلة عن جدية تحالفهم مع الكرد، وحول مَدى جديتهم في التعاملِ مع القضية الكردية سياسياً, فهذه الدول في النهاية تراعي في كل مواقفها مصالحها مع الدول الإقليمية.

 

-كيف تُفِسّر سياسة الحصار والتجويع التي تفرضها كلٌ من تركيا والكتائب الإسلامية المتطرفة وحزب الديمقراطي الكردستاني عراق وإغلاق المنافذ كاملةً أمام شعب روج آفا؟

 

للأسف الحصار ضاعف من الصعوبات أمام الإدارة الذاتية الديمقراطية من جهة، ومن جهة ثانية عمق من المعاناة المعيشية للشعب, وإذا كان مفهوماً مثل الحصار من الأطراف التي تعادي تطلعات الكرد ولاسيما تركيا والتنظيمات الإرهابية, إلا أنه مؤسف أن يحصل هذا الأمر من قبل إقليم كردستان عبر إغلاق المعابر أمام التجارة وانتقال المواد الأساسية، ففي النهاية الخلافات السياسية بين الأطراف الكردية ينبغي ألا تتحول إلى وسيلةٍ لتجويع الشعب وكسر إرادة الحركة الكردية, ولاسيما في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية، بل إن مثل هذا الحصار يُضرُ بإقليم كردستان العراق نفسه في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها الإقليم خاصة بعد انهيار أسعار النفط واستمرار بغداد في وقف دفع حصة الإقليم من الميزانية.

 

– تطور العلاقة بين الإدارة الذاتية وأمريكا هل هي استراتيجية على مدى بعيد أم تكتيكية فقط؟

 

رغم أهمية العلاقة مع أميركا خاصة وأنها في النهاية قوة عظمى، إلا أنه ينبغي الانتباه جيداً من السياسة الأميركية تجاه الكرد خاصة, وأن التجربة التاريخية لهذه العلاقة مليئة بالمأساة للكرد, أميركا في النهاية دولةٌ لا تتعامل مع القضايا من زاوية الأخلاق أو التبشير أو فعل الخير، وإنما من منطلق مصالحها لكن ما سبق لا يعني عدم وجود تقاطعات في المصالح، فأميركا وجدت في وحدات حماية الشعب أفضل حليفٍ لها لمحاربة داعش، في المقابل وجد الكرد من الأهمية الاستفادة من أميركا وقوتها ودعمها، لحماية مناطقهم أولاً، ومن ثم لبناء قوة ذاتية ثانياً وأعتقد أن الاهتمام الأميركي دفع بروسيا إلى اكتشاف أهمية الكرد كحليفٍ مهم.

 

في النهاية السياسة بالنسبة للدول تعني المصالح، وعلى الكرد أن يستفيدوا من موقعهم ودورهم الجديد كلاعبٍ مهمٍ في جلبٍ ليس الدعم الأمني والعسكري فحسب، وإنما الدعم السياسي الذي يؤدي إلى الاعتراف بحقوقهم وقضيتهم, وغير ذلك فأن الدول الكبرى قد تتخلى عنهم تحت هذا الظرف أو ذاك.

 

– الدعم المباشر التي يقدمه تركيا لداعش والكتائب الإسلامية المتطرفة لمهاجمة روج آفا ماذا تقولون عنها؟

 

تركيا منذ البداية وجدت في القوى المتطرفة والإرهابية أداةً لتحقيق أمرين. أولاً: استخدامها في معركة إسقاط النظام السوري. وثانياً في استخدامها لمحاربة المكون الكردي وتطلعاته, وعلى هذا الأساس دعمت هذه التنظيمات بالسلاح والخدمات الأمنية واللوجستية من معلومات وتسهيل عبور للمسلحين, وصولاً إلى التدخل الميداني لمساعدتها في الحرب ضد الكرد، وهي رغم إعلان انخراطها في حرب التحالف الدولي ضد داعش إلا إنها على أرض الواقع تدعم التنظيمات المتطرفة لتحقيق استراتيجيتها السابقة تجاه الأزمة السورية ولاسيما على صعيد محاربة الشعب الكردي وتطلعاته القومية.

 

– انتهت محادثات السلام في تركيا بين الشعب الكردي وحكومة العدالة والتنمية وإعلان الحرب على شعب الكردي كيف تقرأوون الوضع الحالي؟

 

عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد فوزه في انتخابات عام 2002 طرح نفسه كحركة تغيرٍ وإصلاحٍ في الداخل التركي, من خلال القيام بحزم إصلاحية والانفتاح على القضية الكردية، وهو كان يريد من وراء ذلك تحقيق جملة من الأهداف، يمكن تلخيصها في هدفين أساسيين. الأول: محاولة الحصول على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البلدية والبرلمانية ومن ثم الرئاسية، تطلعاً إلى أن يصبح الحزب الأول في البلاد والسيطرة على رئاسة مؤسساته ( البرلمان – الحكومة – الجمهورية – الجيش) وهذا ما حصل بالفعل. الثاني: إرسال رسالة إلى العالم ولاسيما أوروبا وأميركا بأن تركيا دخلت مرحلة جديدة وهي مستعدة للقيام بالمزيد من الخطوات الديمقراطية بما في ذلك حل القضية الكردية سياسياً بغية فتح أبواب العضوية الأوروبية أمامها. لكن الذي حصل هو أن صندوق الانتخاب جعل من حزب العدالة والتنمية حزباً شمولياً يحتكر السلطة ويتطلع مؤسسه رجب طيب أردوغان إلى سلطات رئاسية مطلقة تتوجه سلطاناً، ومع انكشاف هذا الأمر والتراجع عن الإصلاحات وعدم جدية حكومة حزب العدالة والتنمية في إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، ومن ثم تحول الكرد في المنطقة إلى لاعب إقليمي على وقع تداعيات (ثورات الربيع العربي) ومخاوف تركيا من ثورة كردية في الداخل، كل ذلك دفع بأردوغان إلى الانقلاب على عملية السلام والتنصل من بيان (دولمة باهجة) للسلام، وإنكار وجود قضية كردية، تمهيداً لشن حربٍ دمويةٍ على الكرد تحت عنوان محاربة الإرهاب، وما نشهده اليوم من حربٍ مدمرةٍ تشن في مدن سور وجزرة وشرناخ ونصيبين وغيرها من المدن الكردستانية هي نتاج هذه السياسة، أي أن سياسة أردوغان لا تختلف كثيراً عن سياسة المؤسسة العسكرية التركية في السابق, بعد أن نجح في إبدال سلطة العسكر بسلطة الحزب الواحد أي حزب العدالة والتنمية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى