مقالات

48 ساعة مقابل 7 أيام والرقص بين الألغام

husen-feqeتسعى كل من روسيا وأمريكا لتقوية وضعها الاستراتيجي في سوريا بتبادل متناوب للإتهامات ، ويبدو الصراع العسكري في أوضح ملامحه بين الطرفين في حلب خصوصاً ، ففي حين صعدت روسيا والنظام السوري هجماتها على مناطق المعارضة السورية وفصائلها الإرهابية في حلب ردت أمريكا بكل سفور بتزويد فصائل المعارضة وجبهة النصرة بصواريخ غراد في سابقة تعتبر الأولى من نوعها وضوحاً وجهراً ، ولو قيض للمراقب في الحالة السورية أن يمعن التفكير في ظل الأحداث المتسارعة للاحظ أن تناقض المصالح الدولية والإقليمية وصراعهما في سوريا تدفع بالأزمة إلى مزيد من التصعيد الخطير ، الأمر الذي دفع بعض المراقبين بتوقع حرب عالمية ثالثة تنطلق من سوريا ويكون العالم كله أطراف صراع وليست أطرف سلام وحل .

هذا الإستنتاج يبدو خطيراً في سياق السيناريو التصعيدي الحاصل على الميدان السوري ، والذي يبدو فيه السوريون بشقيهم الموالي والمعارض أضعف الأطراف تأثيراً في ملف بلادهم ، وذلك ينطبق أيضا على الدول الإقليمية ، لأن الجميع أخذتهم أمواج المحاور لمهبات لا رغبة لأحد الإعتراف فيها بمدى الغلو في الإنتصار لمصالحم على حساب الدم السوري الذي يزداد غزارة يوماً بعد يوم ، حتى باتت الهدن تقرأ على أنها الهدوء الذي يسبق العاصفة .

وفي سابقة ملفتة جاءت تصريحات جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بصدد وقف التعاون الأمريكي الروسي والتي سيتكبد فيها الطرف الروسي الكثير من التهديدات الأمنية والعسكرية سوءاً في سوريا من خلال زيادة استقبال الروس لجنازات جنودها القادمة من سوريا على حد قول جون كيربي ، أو في الداخل الروسي من خلال تبعات أمنية داخلية – يضيف جون كيربي _ مما يوحي لأبسط المراقبين السياسيين على أنه شبه تهديد أمريكي للروس إذا لم توقف هجماتها في حلب ، وخصوصاً أن تزويد المعارضة السورية وجبهة النصرة بصواريخ غراد نهاراً جهاراً سبقت هذا التصريح .

ويترافق كل ذلك مع محاولة الفصائل الإرهابية لملئ الفجوات الحاصلة نتيجة هذا الصراع المحموم بين الطرفين المحتكرين لسبل الحل في الملف السوري ، ففي حين يسعى الجانب الأمريكي لتحقيق المزيد من التقدم قبل نهاية ولاية أوباما ، يستميت الجانب الروسي لثبيت أقدامه في المياه الدافئة ” المتوسط ” وتكريس نفوذه في سوريا ولو كان ذلك يزيد من أمد الحرب .

هذا التصعيد الأمريكي الروسي إنتهى بطرح الجانب الأمريكي لهدنة مدتها سبعة أيام لإسئناف المفاوضات بينما قابله الروس بهدنة إغاثية إنسانية لا تتجاوز الثامني واربعون ساعة ، في شكل آخر لصراع الهدن مقدمة لصراع عسكري سوري سوري بالنيابة .

وعلى الرغم من أن السباحة في مستنقع المحاور قد أغرق الجميع في ذنب الدم السوري ، إلا أن كل الأطراف لا زالت متخندقة وراء غايات أطهر ما فيها لا يتجاوز قذارة إدامة الأزمة وسفك الدماء سعياً وراء السلطة ، مما يؤكد صوابية الخيار الكردي في إنتهاج الخط الثالث والذي لا يحمل على عاتقه أمام التاريخ ذنب الدم السوري وادامة الحرب ، بل تثبيت دعائم فيدرالية ديمقراطية في روج آفاي كردستان وشمال سوريا يعيش في كنفها كل المكونات السورية المتواجدة في تلك المنطقة ، وعلى الرغم من إعتقاد البعض لطوباوية هذا المسعى بل هذا ما دفع البعض من الكرد المنضوين تحت لواء الإئتلاف السوري المرهون للقرار التركي السعودي بإتهام الإدارة الذاتية الديمقراطية بعدم كردية مشروعها قابله إتهام من الأطراف العربية في الإئتلاف لهذه الإدارة وحزب الإتحاد الديمقراطي pyd بالعمل على مشروع كردي إنفصالي ، في تبادل لأدوار اللعب على العاطفة الكردية العربية في آن وتغزلاً بالطرف التركي المعيل لهذه المعارضة المشبوهة والمغموسة يديها في الدم السوري عن آخرها .

التجربة الكردية في الإدارة الذاتية الديمقراطية والمشروع الفيدرالي في روج آفاي كردستان وشمال سوريا رغم عدم نضوجها الموضوعي بسبب الهجمات الإرهابية وراعيتها في المنطقة الدولة التركية المسلوبة من حزب العدالة والتنمية وسلطانه أردوغان ، مما لا يتيح لهذه الادارة الالتفات بشكل أعمق لتطبيق ديمقراطيتها التي تسعى إليها منذ اليوم الأول لإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية وعلى الرغم من كل ذلك تعتبر هذه التجربة أكثر التجارب نضوجاً في الحالة السورية المجنونة وأكثرها ديمقراطية في مناخ ديكتاتوري وارهابي ودموي في سوريا وأكثرها إضاءة في زمن الظلامية الإسلامية والعماء المصلحي لأطرف المعارضة المرتهنة إقليمياً ، وأكثرها بياضاً في بوتقة إحمرار العيون المتوحشة والمتعطشة للدم في مناطق سوريا المختلفة ، وذلك بشهادات أغلب الدول الأوربية وقواها السياسية وشخصياتها الثقافية والأكاديمية ، وظهر هذا جلياً في مؤتمر حزب الإتحاد الديمقراطي pyd منظمة أوروبا من خلال الحضور الأوربي والعالمي والكردستاني والذي تجاوز المئة وخمسون حزباً وشخصية ثقافية وأكاديمية ، ومن خلال كلماتهم التي ألقوها على مدار يوم كامل من أيام المؤتمر .

ورغم قدرة الكرد على إستقطاب كل الأطراف الفاعلة في الملف السوري بدبلوماسية سياسية نادرة ونضوج فكري بعيد المدى ، إلا أن صعوبة الحالة السورية ، وصراع الأضداد السياسية ، في غمرة دم مسفوك على الجسد السوري طولاً وعرضاً ، يزيد من المخاطر أمام التقدم الكردي الحذر والثابت وكأنه يمشي بين حقل من الألغام السياسية المزروعة في الأرض السورية أقل ما يمكننا وصفه به هو الرقص بين الألغام  .

حسين فقه

زر الذهاب إلى الأعلى