مقالات

يتباكون على حلبجة ويجهدون لصنع مثيلاتها

riyad-yousfرياض يوسف

مَرَّ على الشعبِ الكرديِّ في مراحلِ التاريخِ العديدُ من المجازرِ والويلاتِ على يدِ القوى التي تقاسمتْ أرضَ كردستان. لن نكونَ بصددِ الحديثِ عنها كلها اليوم، فقط سنتحدث عن مجزرة حلبجة، كوننا نمر في ذكراه الـ 29، ولأن يوم 16/ آذار/مارس/1988 كان يوماً اسوداً في تاريخ الشعبِ الكرديِّ لما تعرضَ لهُ في مدينةِ حلبجة لأبشعِ أنواعِ الإبادةِ الجماعيّةِ من خلالِ قصفِ المدينةِ بغازِ الخردلِ من قبلِ حكومةِ البعثِ البائدة، التي كانتْ تحكمُ العراقَ آنذاكَ بقيادةِ “صدام حسين”، خَلَّفَتْ وقتها هذهِ المجزرة الآلاف من الشهداء، لم تميز بينَ طفلٍ أو شيخٍ أو امرأة، تركَ ذلكَ اليوم ألماً وحرقةً في قلبِ كلِّ كرديٍّ شريفٍ يحملُ في قلبهِ روحَ الكردياتية، تركتْ ألماً وغصةً في وجدانِ الإنسانيةِ لِما حَملتْ من مشاهدَ تندى لها جبينُ الإنسانية.

 منذُ ذلكَ الوقت إلى هذا اليوم، اليوم الذي يعيشهُ الشعبُ الكرديُّ الذكرى السوداوية التاسعة والعشرين له، يستذكرُ كلَّ شهيدٍ فَقَدَ حياتهُ في مدينةِ حلبجة، كلَّ أمٍ فقدتْ ابنها، كلَّ أبٍ صُدِمَ بأبنائهِ وأحفاده، ويدعون من الله أن لا يتكررَ مثل هذا اليوم، وأن لا يمرَّ على الكردِ يوماً اسوداً آخرَ يضافُ على أيامهِ السوداَء في ظلِ الحكومات التي تعاقبتْ على الكردِ في الدولِ التي تقاسمت أرضها، لم تعد تلكَ الوقفةُ السنويةُ التي يقفها الكردُ في كلِّ سنةٍ في نفسِ التاريخِ ونفسِ الساعةِ إلا تقليداً سنوياً يقومُ بهِ البعضُ من قادةِ الكردِ لاستئثارِ مشاعرِ بعضِ الرعيّةِ وهم يخططونَ لأعظمَ منها، هنا منْ يقفُ في ذلكَ اليوم سنوياً بضع ثوانٍ كتعبيرٍ عن حزنهِ وألمهِ، وليَشْعُرَ ببعضِ الانتماءِ ويمضي ليعيشَ بقيةَ حياتهِ من السنةِ يخططُ ويكونَ المنفذَ لأجنداتِ الغيرِ في غالبيةِ الشعبِ نفسهِ الذي وقفَ تلكَ الثواني كتعبيرٍ عن حزنهِ وألمه، يضعُ يدهُ في يدِ العدوِ الأكثرِ حقداً وكراهيةً لمن قامَ بتلكَ المجزرةِ، ورأى بأمِّ عينهِ ما فعلَ وما يفعلُ وما يخططُ لأنْ يفعلَ بمساعدتهِ في المستقبلِ القريب، يأوي العشراتَ إن لم يكن المئاتَ من المسؤولين، نفسهم من كانوا في قيادةِ ذاكَ الحزبِ البائدِ الذي قامَ بهذهِ المجزرة، ويعيشون في كنفهِ وكنفِ عائلتهِ دونَ حسيبِ أو رقيب، بينما أهلُ حلبجة هم ذاتهم يعيشونَ حياةَ البؤسِ والشقاءِ والعوز، ودونَ رواتبٍ أو حتى أبسطِ حقوقِ الحياة، بينما من قام بإبادتهم يعيشون حياة الرفاهية والرخاء.

يتركونَ الأخوة الكرد الأيزيديين عند أولِ تهديدٍ يتعرضونَ له، بل ويضعونَ يدهم في يدِ زعيمِ من قامَ بذبحِ وقتلِ وحرقِ الكرد الأيزيديين، وسبا نسائهم، وهتكَ أعراضهم، وفتكَ برجالهم وشيوخهم.

والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه برسمِ المعنيين والأنصار، والذي يجب أن لا يخفى على أحد أو أن يتنكر له أحد هو:

لو أنَّ وحدات حماية الشعب YPG وقوات الدفاع الشعبي HPG لم يتدخلوا في الثالث من شهر آب أغسطس 2014 في حماية الكرد الأيزيديين في شنكال، وتركوهم لمصيرهم الذي كانَ مخططاً له من قبل الديمقراطي الكردستاني، أولم نكن وقتها سنكونُ أمام حلبجة جديدة ولكن بصيغةٍ أخرى؟.

تدخلتْ تلك القوات وقامت بمساعدةِ أخوتهم الكرد في شنكال، وهذا أقلُّ واجبٍ يمكنُ أن يقوموا به، وتشكلتْ وحداتُ حمايةِ شنكال من الجنسين ليتفادوا فرماناً آخراً، وليقوموا بحمايةِ انفسهم وأعراضهم وأراضيهم وكرامتهم، ولم يعودوا بحاجةٍ إلى أية قوة تحميهم، واليوم تعودُ تلكَ القوى التي تركتهم وباعتهم في أحلكِ الظروفِ لتقول لهم نحنُ نريدُ أن نعودَ إلى شنكال، شاءَ من شاء وأبى من أبى، ويقوموا بمشاركةِ بعضِ الذين شاركوا في قتلهم وتهجيرهم وسبي نسائهم في الهجوم عليهم والسيطرة على أرضهم بالقوةِ مرةً أخرى، كيف لشعبٍ أن ينسى من خانهم وباعهم بأبخسِ الأثمان في وقتِ ضيقهِ؟ كيف للشعب الكردي الايزيدي والكرد بشكلٍ عام أن ينسى الآلاف من نسائهِ الذين تمَّ سبيهم وبيعهم في أسواق النخاسة؟ هل نسيَّ الأخوة الكرد الأيزيديين يوم حلبجة وقد مضى عليه ما يقارب الثلاثَ عقودٍ من الزمن؟ كيفَ يطلبُ حزبٌ يدعيّ الكردياتية من الشعبِ الكرديِّ في شنكال أن ينسى فرماناً لم يكن يقل عن حجمِ حلبجة، ومازالت الآلاف من النسوة اسيراتٌ في يد السفاحين وإرهاب العصر؟ كيفَ يطلبُ هذا الحزبُ من الأخوةِ الكردِ الأيزيديين أن يعود مرتزقتهُ وبيشمركتهُ إلى شنكال، والكثيرُ من الوجوهِ مازالتْ ملامحها محفورةٌ في أعينِ الصغارِ قبلَ الكبار يومَ لاذوا بالفِرارِ وتركهم لمصيرهم؟ كيف لحزب أن يقفَ دقيقةَ صمتٍ على أرواحِ شهداءِ حلبجة وهو يعمل جاهداً ليصنعَ من أمثالِ حلبجة الكثير، وهو يحاولُ أن يقتلَ الكرد الأيزيديين هذهِ المرة بيدِ بعضِ المرتزقةِ من الأكراد الذين تم تدريبهم لدى حليفهِ التركيِّ أردوغان، وبعض العناصر المرتزقة التي استقدمتهم تركيا لهذه الغاية.

زر الذهاب إلى الأعلى