مقالات

وطنٌ لا نحميه … لا نستحقُ العيشَ فيه

mustefaabdoمصطفى عبدو

تستوقفني كثيراً جملةٌ تحتوي على معانٍ سامية وتعابير صادقة تهز وجداني وهي (وطنٌ لا نحميه لا نستحقُ العيشَ فيه).  وبمجردِ نظرةٍ سريعةٍ لوضعنا الكردي سنرى بوضوح  مدى تأثير هذه الجملة, فكيفَ نُبرهنُ محبتنا للوطن دون أن نُدافِع عنه ؟ هل بمجرد  إطلاق كلمات طنانة وعبارات نرددها هنا أو هناك أو شعارات وأعلام نرفعها ونتباهى بها في مناسبةٍ أو بدونها, أنا شخصياً لا أعتقد إن ذلك يكفي لنُعَبِّرَ فيهِ عن حبنا للوطن أو لهذا التراب الذي نعيش عليه، ولعلَ القارئ الكريم يشاركني نفس الشعور. (لا يكفينا أن نردد شعارات بل يجب علينا أن نتمعن بمدى أهمية الأمانة الوطنية والأخلاقية المُلقاة على عاتقنا).

المحبة الحقيقية  للوطن هي الدفاع عن الوطن والتضحية من أجله، سواءً بالدمِ أو بالمالِ أو بالأولاد، بعبارةٍ أبسط (بأعز ما يملكه الإنسان), فكل من يعيش على ترابِ هذا الوطن وشم هواءه العليل وتشمس بشمسه وتربى وترعرع في أجوائه وتنعم بخيراته وشارك الوطن أفراحه وأتراحه, عليه واجب الدفاع عن هذا الوطن سواءً كان عسكرياً أو مدنياً  أو كائناً من كان، ولاسيما وأن بلادنا أصبح  أطهر البقاع على وجه الأرض بعد أن سقى ابناؤه ترابه بأقدس ما يملكون، ففي كل شبرٍ من تُرابِ الوطن شهيدٌ أعلن صراحةً  ودون تردد عن حبهِ للوطن.

قد يسألُ البعضُ كيف ندافع عن الوطن ونحن لا نحمل أي صفة عسكرية (لسنا عسكراً)؟ أقول لهؤلاء نعم يستطيع الجميع أن يُدافِعَ عن الوطن، وكلُّ مواطن هو بمثابةِ جنديٍ مجندٍ وعينٍ ساهرةٍ ويقظة تُراقِبُ كل محاولات أعداء الوطن (بذرة السوء)، ويمكن الدفاع أيضاً بالكلمة الطيبة والمحافظة على المكتسبات إلى جانب الأمانة في العمل، فالمواطنة والدفاع عن الوطن لا يمكن ربطها بالبذلة العسكرية.

كما أن الدفاع عن الوطن لا يكون بالجعجعات الكلامية والإعلامية التي يتقنها البعض ويقومون بإطلاقها ليل نهار على الفضائيات التلفزيونية أو على وسائل الإعلام المختلفة، وهؤلاء عندما يجلسون بين الناس ويتحدثون فأنهم يوهمون الناس بأنهم أحرصُ من الجميع على الوطن، وفي النهاية تجدهم أول الفارين عندما تسنح لهم الفرصة، تجدهم يبيعون الوطن والمواطن وكل شيء.

ألا تجدون معي بأن مثل هذا السلوك بمثابة الخيانة للوطن والشعب!.

  فالدفاع عن الوطن يكون أولاً بالوعي التام الذي يتوجب أن يتحلى به كل أبناء الوطن، فمصلحة الوطن يتوجب أن تكون أولاً وقبل كل شيء, أي قبل أية مصلحة ضيقة  مهما كانت، فالمصالح الضيقة كثيرة ومتنوعة، فربما تكون مصلحة مادية أو حزبية أو سياسية أو اقتصادية أو أيَّ نوعٍ آخر، فكل هذه المصالح هي أنواعٌ مختلفةٌ لمصالح ذاتية فردية بحته، لا ترتقي لأن تكون مصلحة جماعية لكافة أبناء الوطن.

 أما النوع الثاني من أنواع الدفاع عن الوطن فيبدأ بمحبة أبناء الوطن لبعضهم البعض، وهذا ما نفتقده طبعاً ونحن اليوم بأمس الحاجة إليه، حيث إنَّ هذا الأمر يساعدُ وبشكلٍ كبيرٍ جداً على أن يتجاوزوا المآزق التي يمرون بها معاً.

 حُبُّ الوطن هو غريزة والدفاعُ عنهُ فرض، لأن الدفاع عن الوطن هو دفاعٌ عن الإنسان وعن ذاكرته وعن عقله وعن هويته، والدفاعُ عن الوطن هو دفاعٌ عن الشعب الذي تربى الإنسان بينهم، وشاطرهم أفراحهم وأتراحهم فكل هذه الأمور تفرضُ على الإنسان أن يُدافعَ عنها وأن يقدم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها.

ومن هنا فالوطنُ غيرُ قابل للمساومة بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ولا يجب أن يقبل التفاوض عليه، لأنه ذاكرتنا وهويتنا، ولأنه أجملُ بِقاعٍ الأرض في عيوننا.

 فعندما يقولُ شخصٌ ما بأن الجبال وطنه ويتغنى بحبه لها، يناجيها بالليل والنهار كأنها إحدى معشوقاته فهو صادق، لأن هذا الوطن هو منبع الحنان والعطف والمحبة لديه, ومثله ذلك الذي يقول بأن الصحراء القاحلة وطني، إذا كان الوطن هو منبع الذكريات عند الإنسان، فهذا الوطن يستحق أن يدافع هذا الإنسان عنه، وبكل ما أوتي من قوةٍ ومن جهدٍ حتى لو كلفه ذلك حياته.

هنا يحضرني قولُ أحد الشعراء:

بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزةٌ  وأهليَّ وإن ضنوا عليَّ كِرامُ…

زر الذهاب إلى الأعلى