مقالات

هل هذه الفترة هي فترة تحرّر الشعوب؟

slah-muslimصلاح الدين مسلم

إنّ التغييرات التي تطال الشرق الأوسط عامّة، والمتحكّم بهذه الحرب التي تدور رحاها الآن هو نظام الحداثة الرأسماليّة ومرتكزاتها في المنطقة، ومن هنا أعلنت حركة التحرر الكردستانيّة عن مشروعها وهو تبنّي إرادة الشعوب؛ (الخطّ الثالث) وبالتالي جابهت الحركات الإرهابيّة كداعش والفصائل المرتزقة، وبالتالي توضع كلّها في سلّة واحدة، وهي إعادة تشكيل السلطة ومحاربة الديمقراطيّة والشعوب، وفي هذه المعادلة كان أردوغان طرفاً فيها من خلال مساندته داعش وقد ثبُت ذلك عن طريق الصور والوثائق والتصريحات المبطّنة وإلى ما هنالك، ونتيجة انتصارات حركات التحرر الديمقراطي ابتداء بكوباني وانتهاء بمنبج وريف الرقّة ومن خلال تصريحات أردوغان؛ إنّ كوباني ستسقط، ولم تسقط، وأيضاً الخسارة الكبيرة في الانتخابات، ممّا اضطّره إلى الوصول إلى هذه الصفقة للحفاظ على ماء الوجه، وكي يكسب التأييد الدولي عليه أن يغيّر من تكتيكاته مع داعش، وما حملة درع الفرات والباب إلّا حالة جنون وانتقام وردّة فعل.

بما أنّ أميركا هي مركز الحداثة الرأسماليّة وتعتمد على الفلسفة البريغماتيّة، لذلك تقاطعت مصالحها مع مصالح الشعوب الديمقراطيّة حسب مصالحها الذاتيّة، ولن تتخلى عن هذا التقاطع بعيد المدى، فالمهمّ ألّا تعتمد الشعوب على هذا التقاطع اعتمادا كاملاً، فقوّات سوريا الديمقراطيّة قوّةٌ على الأرض وليست ضدّ أيّة اتفاقيّة تكفل مصالح الشعوب، فالاتفاق الأميركيّ مع الحكومة التركيّة الحاليّة التي حان رحيلها هو اتّفاق تكتيكيّ لا محالة.

على الرغم من الضعف السياسيّ الذي يتغلغل في كيان الدولة التركيّة إثر سياساتها التي أثبتت فشلها دوليّاً مقارنة مع الإنجازات التي كسبتها الشعوب الديمقراطيّة التي انتهجت خطّ السيّد أوجلان، مقارنة مع الأعوام التي مضت، فما هذا الإصرار على هذه الحرب على الرغم من كلّ هذه التوازنات التي لا تنصبّ في خدمة الحكومة التركيّة؟ فحسب علم النفس؛ إنّ استخدام القوّة هو أكثر حالات العجز والضعف، وكلّما استخدم العنف برهن عن ضعفه وسقوطه، وخاصّة فإنّ أنظار العالم متوجّهة إلى المنطقة وتراقب مشروع الديمقراطيّة والسلام، فقد كانت سابقاً تدار العمليات في الغرف المظلمة، لكنّ كوباني قد غيّرت المسار العالميّ، فأصوات العالم كلّها متّجهة إلى رفع صفة الإرهاب عن حزب العمّال الكردستانيّ، فدائماً تداعيات الحرب كبيرة على المنطقة لا شكّ، ولن تزول آثارها بسهولة، وكأنّ أردوغان يريد أن يقول: “أنا بدأت بحالة السلام وأنا أستطيع أن أعيد الوضع إلى الصفر، فلم ترضوا أن أكون زعيماً ولم ترضوا بمشروعي فسأذهب وآخذ معي مشروعي، فعليّ وعلى أعدائي.

لقد غدا الكرد في هذه المرحلة وعلى المدى الطويل لاعبين أساسيّين في المنطقة، وقد بات النظام العالمي المهيمن مقتنعاً يوماً بعد يوم أنّ أنموذج التحرّر الديمقراطيّ لا يشكّل خطراً كبيراً عليه، فالكرد باتوا إرادة، والكلّ أضحوا يدركون هذه المعادلة، وإنّ هذه الفترة لهي فترة الشعوب، فحسب المعطيات؛ فهذه الحرب ستنصب في صالح الشعوب حتماً.

زر الذهاب إلى الأعلى