ثقافة

نظرة إلى الموسيقى الكلاسيكية العالمية

musikarليست الموسيقى مجرد تعبير مفاجئ منفصل عن البيئة المحاطة من مشاعر معينة لدى الانسان، و لكنها تعبير تلخيصي و تجريدي تنصهر فيه كل الخبرات التي اكتسبها الانسان خلال مسيرة حياته الروحية والمادية ، فالموسيقى لم تكن أبداً منفصلة عن الواقع المعاش و لكنها شديدة التأثر به والتأثير فيه، فالموسيقى وليدة ثقافة “المكان”، وهي مثل الكائن الحى، تتأثر و تؤثر، تنمو و تتحرك وتسافر و تمتزج و تنصهر مع كل انسان يتحرك من مكان لأخر عبر الزمان، و لذلك تعتبر الموسيقى الشعبية بمثابة البصمة الجينية لكل شعب، تروي بكل صدق وامانة تاريخ وفلسفة كل آمة من خلال نغماتها وأصواتها وحتى آلاتها .

والتصنيف الأوربي للموسيقى، هي الموسيقى النموذجية لأي ثقافة ولأي شعب, فمن خلال الزمن والقناعة العامة تصنف الشعوب أعمالها الفنية على أنها كلاسيكية عندما يكون جمالها وأثرها  يصلح لكل الأزمنة.

وبالتالي الموسيقى الكلاسيكية الأوربية والتي على سبيل المثال يمكن أن تصف كالتالي ( مؤلفات موتسارت 1756-1791 و باخ 1685-1750 وشوستاكوفيتش 1906-1975..إلخ) هي نمط من الموسيقى أو أسلوب التأليف الموسيقي انتشر في أوروبا ما بين القرنين 17و 19.

 ولعل أول من اهتم بالموسيقى الشعبية الأوربية هو المؤلف الموسيقى المجرى “بللا بارتوك” (١٨٨١ – ١٩٤٥). ويأتى اهتمامه نتيجة للنزعة القومية التي ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر. جاب بارتوك بلاد اوروبا الشرقية وبعض البلاد الاخرى يجمع و يدرس موسيقى شعوبها، وقد ظهر تأثير هذه الموسيقى عليه جليا في كتاباته الموسيقية، قسم الآلات الموسيقية إلى ثلاث مجموعات، ١- الآلات الوترية وهي التي تعتمد على الاوتار في اصدار الصوت،٢- آلات النفخ وهي التي تعتمد على الهواء الصادر من فم العازف لإصدار الصوت، ٣- الآلات الإيقاعية و هي الآلات التي تعتمد على الطرق، كما جمع بارتوك “رقصات شعبية” في بعض بلدان أوروبا.

 ويعد بيتهوفن أحد أشهر مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية

ومصطلح الكلاسيكية في الموسيقى حسب بيتهوفن جاءت في الرومانسية وما تعنيه كلمة الرومانسية التي تعارض وتقابل الكلاسيكية.

فمثلاً المقطوعة الكلاسيكية ” الفصول الاربعة” للمؤلف الإيطالي “انطونيو فيفالدى” (١٦٧٨ – ١٧٤١)، هو عمل موسيقى تجريدي مؤلف من اربعة مقاطع موسيقية، يأخذ كل مقطع اسم من اسماء فصول السنة الأربعة ويعبر فيها عن حالة الطبيعة خلال هذه الفصول والتي تؤثر على الإنسان بشكل من الاشكال في كل فصلٍ وبشكلٍ منفصل.

وفي مقطوعة فصل الربيعL “يأتى الربيع بالفرح و تستقبله الطيور بالاغانى السعيدة. تتدفق جداول المياه بعذوبة وسط النسائم اللطيفة”

 وفجأة يغطي السماء اللون الاسود، و ينبئ كل من الرعد و البرق بقدوم عاصفة، وعندما تنتهى تنشد الطيور ثانية اغانيها المبهجة.

وفي الربيع  يرقص الحوريات والرعاة في جو احتفالى على اصوات مزمار القربة القروي.)

إن المصطلحَين الكلاسيكية والرومانسية جاءا من اليونان القديمة وكانا يدلان على تناوب نوعان من أساليب الفن كما عبر عنهما  في كتابات الفلاسفة والمؤلفين اليونان. حيث أن الكلاسيكية كانت مرتبطة بعبادة الإله أبولو إله الشمس والحقيقة، بينما الرومنسية جاءت من عبادة الإله ديونيسوس، التي جاءت تاريخياً في فترة لاحقة. المقصود من هذا أن اليونانين قالوا بتناوب أساليب الموسيقى والفن ما بين العقلاني والعاطفي،  ومن الواضح أن الكلاسيكية تجسد الفن العقلاني وكانت آلتها المميزة هي ما يشبه القيثارة، بينما الرومنسية هي موسيقا وفن العاطفة وآلتها المميزة هي المزمار.

 بالتالي على مر الزمن كان هناك الكثير من الفترات الكلاسيكية تناوبت مع الرومنسية ولكن وبسبب الجدل الذي انتشر في فرنسا وبسبب مقالات الكاتبة السويسرية الفرنسية Mme de Staël التي كانت تعرف التغير الذي حدث في الموسيقى الرومانسية في الأعوام 1813 وما بعدها صارا هذين المصطلحين يدلان على موسيقا تلك الفترة من تاريخ أوروبا. لتصبح الموسيقى الكلاسيكية تعني الموسيقى التي سادت ما بين القرن 17 وبداية 19، ونشأت بتأثير الفلسفة العقلانية الديكارتية وغيرها، وكذلك من استطيقيا عصر النهضة (الحركات التنويرية )، التي رأت في الفن الإغريقي القديم ذروة من ذرى البشرية التي يجب أن نسموا باتجاهها.

 جوهر الفكر الكلاسيكي يكمن في القناعة العميقة في أن الحياة منطقية ومنسجمة مع الطبيعة،.

 من هنا يمكننا أن نفهم المتطلبات التي أرادها الفنانون من الفن نفسه، على أنه أحد أكبر نتاج للذكاء البشري.

من الناحية المنهجية قُسِم الفترة الكلاسيكية إلى قسمين، القرن 17 تأسيسها وتعارضها مع الباروك, ومرحلة الازدهار في القرن 18 وعلاقتها مع الثورة الفرنسية وتأثيرها على باقي أوروبا. الكلاسيكية نشأت في فرنسا التي كانت تخضع لحكم ملكي مطلق، هي التي أعطت الكلاسيكية قواعدها وقوانينها، بداية في الأدب والمسرح (لافونتين، بوالو، كورني، راسين) ومن ثم في الموسيقى.

 المؤسس للكلاسيكية في المسرح الموسيقي (الأوبرا) كان لوللي، الذي أحدث النمط المسمى (التراجيديا الغنائية) القريبة من التراجيديا الفرنسية المسرحية، ومن مميزات أوبرا لوللي المواضيع الأسطورية, البطولة العالية ،الأسلوب الرفيع في بناء الأوبرا ،الوضوح المنطقي ،الالتزام بقواعد صارمة ،التوجه الدرامي المرن، والتطور الموسيقي.

الكلاسيكية في القرن 18 مرتبطة بالتيار التنويري الذي انطلق من فرنسا وموسوعيتها (روسو، ديدر ،وليسينغ, هيردر) من أهم ما يميز الفكر الكلاسيكي صار تقليد الطبيعة ،العفوية والفطرة والبساطة صارت أكثر طلبا وإلحاحاً،  الكلاسيكية أصبحت أكثر قرباً إلى الواقعية.

 استطاع  (غلوك) الألماني أن يجدد الأوبرا، ويعلن إصلاح الأوبرا سيريا “الأوبرا الجديّة” مصدراً لمؤلفات تتميز بالبساطة والوضوح والرقي الموسيقي، في ذلك الوقت استمرت الكلاسيكية بالتطور بين أساليب أخرى محيطة بها, كالباروك والغالانت, كل هذا حضر إلى ذروة جديدة في التطور الموسيقي، في مدرسة  فيينا (أعمال هايدن و موتسارت و بيتهوفن) التي امتصت كل التأثيرات الفنية التي كانت تسود أوروبا ،وتقاطعت مع مدرسة فايمار الكلاسيكية الأدبية مجسدة بكل من (غوته وشيللر).

 لمدرسة فيينا تدين كثير من الأنماط الموسيقية الأوربية بالظهور والتطور كالسيمفوني والسوناتا والرباعي. نظرة الكلاسيكية للعالم تتسم بالعقلانية والعدالة ،و التفاؤل بالمستقبل, كل هذا جُسِد في أعمال موتسارت وهايدن، حيث الألحان كانت دائما عمومية، تصف وتعبر عن الأحداث والمواقف العامة لكل الإنسانية، ولا تتوقف عند خصوصيات أو حالات نادرة، على العكس تحاكي المشاعر المشتركة لجميع أفراد المجتمع، ولهذا السبب نجد أن الموسيقا الكلاسيكي تتمتع بشعبية عالمية كبيرة.

 بعض أهم الآلات الأوربية المستخدمة في الموسيقا الكلاسيكية الأوربية:

 التشيللو هو أحد أعضاء عائلة الآلات الوترية، يمتاز بصوته الرخيم والعميق كما يمتاز بمساحة صوتية واسعة تمكنه من اصدار الأصوات الغليظة (الباص) و الأصوات الحادة (السوبرانو)، و يحتل التشيللو الترتيب الثالث من حيث الحجم بعد الفيولينة و الفيولا، و يليه الكونترباص، وتشترك الآلات الوترية في الشكل والتكوين و الطريقة “الفيزيائية” في اصدار الأصوات، و تختلف في احجام أجسامها و طول و سمك أوتارها.

البيانو” هو الأسم الدارج و المختصر للأسم الكامل “بيانو-فورتي” و يعني باللغة الايطالية “ضعيف-قوى” أشارة لتباين مستوى شدة الصوت الذى تحدثه هذه الآلة، حيث أن الآلات ذات المفاتيح التي تطور منها البيانو فورتي، والبيانو هو آلة موسيقية نعزف عليها عن طريق لوحة مفاتيح ، و يوجد بها عدد ٨٨ مفتاح ابيض و اسود، يكون بمثابة الوسيط بين العازف و بين الأوتار التى تصدر الأصوات داخل الصندوق الخشبى الكبير.

الروسي “سيرجى رخمانينوف” (١٨٧٣ – ١٩٤٣)  يعد من أكبر العازفين على هذه الآلة وله أعمال ومؤلفات موسيقية عديدة على آلة البيانو.

الكلارينيت: وتعد من آلات النفخ الخشبية كالفلوت و الاوبوا، و تصنع من خشب الابانوس، على شكل أنبوب اسطواني طويل به ثقوب مثبتة عليها غمازات معدنية (اضيفت الى الالة فى وقت لاحق من نشأتها) في آول الانبوب قطعة صغيرة من الخشب تسمى “ريشة”، تهتز الريشة اثناء النفخ فيها فتصدر صوت الكلارينيت المميز، و يتسع الانبوب فى نهايته بما يشبه الجرس.

الفلوت: يعتبر الفلوت بشكله الحالي أخر تطور لواحد من أقدم الآلات الموسيقية التي عرفها الأنسان و هو “الناي” و قديما استخدم الانسان البدائي العظام و سيقان النباتات المجوفة لإصدار الاصوات عن طريق النفخ داخل الانبوب المجوف بزاوية معينة فيرتطم الهواء بالجدار الداخلي فيصدر صوت “الصفير” و هو ما يحدث تماما حتى الان في الفلوت مع تطور الخامات الى الاخشاب ثم المعادن كالفضة و أحيانا الذهب.

ويعد “يوهان سيباستيان باخ” (١٦٨٥ – ١٧٥٠) من أشهر عازفي الفلوت.

 الفيولا: هي الآلة الثانية من حيث الحجم بعد الفيولينة في عائلة الآلات الوترية ذات القوس صوت الفيولا يقع في مساحة “الالطو” الصوتية، و هو السبب فى تسمية الفيولا فى بعض الاحيان بـ”الالطو”، و كثيراً ما يتم الخلط بين الفيولا و الفيولينة لقرب حجميهما و تشابه وضع العزف عليهما.

 تصنيف الموسيقى الأوربية الكلاسيكية بحسب موضوعاتها وعرضها 

السيمفونية شكل من اشكال التأليف الموسيقى، مثل “الكونشيرتو” والاوبرا والمتتالية والاوراتوريو..، يكتبها المؤلف الموسيقى للأوركسترا. تطورت السيمفونية من “الافتتاحية الموسيقية” التي تسبق الاوبرا، لتصبح عملا مستقلا بذاته.

تنقسم السيمفونية إلى اربع حركات، غالبا تكون الحركة الثانية بطيئة و الثالثة ذات ايقاع ثلاثي.

 وتعد سيمفونية “شهرزاد” أشهر عمل موسيقي للمؤلف الروسي “ريمسكي كورساكوف” (١٨٤٤ – ١٩٠٨)، و تصنف كـ”قصيد سيمفونية” يعني أن الأفكار الموسيقية فيها مبنية على قصة أو رواية أو شعر أو قصيدة ما، و قد اتخذ كورساكوف من قصص “ألف ليلة و ليلة” افكاراً له لكتابة شهرزاد.

الأوبرا: عمل مسرحي يعتمد على الموسيقى بشكل أساسى، وينسب دائما الى مؤلفها الموسقي، يؤدى نص الحوار فيها بالغناء، موضوعاتها وألحانها تتفق مع أفكار و ملامح العصر التي كتبت فيه، وتشمل الأوبرا فنون اخرى غير الموسيقى مثل الشعر والإخراج والتمثيل والباليه والديكور والفنون التشكيلية، يمزج بينها في عمل متكامل مبهر. و يعرض في مسرح له مواصفات خاصة اطلق عليه فيما بعد “دار الأوبرا”.

نشأ فن الاوبرا في ايطاليا في القرن السادس عشر، وتفوق فيها الايطاليون و تميزوا فيها عبر السنين، و أصبحت اللغة الايطالية هي اللغة المستخدمة في أي عمل أوبرالي لعدة قرون حتى لو لم يكن المؤلف ايطاليا و حتى لو كان الجمهور لا يعرف الايطالية

 ولعل من أشهر الأوبراليين “بافاروتي”.

الفالس: وهي رقصة موسيقية تعتمد على الايقاع الثلاثي، لها جذور تاريخية في الفلكلور الاوروبي، كتب الكثير من المؤلفين الموسيقيين الأوربيين  في موسيقى الفالس ومن اشهرهم المؤلف النمساوي “يوهان شتراوس”.

 وفي الختام نتعرف على المايسترو: (قائد الاوركسترا) هو بمثابة المخرج في أفلام السينما و المسرح، فكما أن المخرج لا يضيف ولا يتدخل في القصة ولا السيناريو ولا الحوار، كذلك المايسترو فهو لا يتدخل في النص الموسيقي المكتوب، و لكن يخرجه بوجه نظره، و يوحد جميع العازفين فيه لكي ينصهر الكل في واحد و يصبحوا كآلة موسيقية واحدة يعزف عليها شخص واحد، و يتحول النص المكتوب من مجرد حبر علي الورق إلى معزوفة واحدة يعيشها العازفون و الجمهور معا.

 ومن الجدير بالذكر أن”كلاوديو ابادو” الأيطالي، قاد معظم اوركسترات العالم الكبيرة، و له بصمات كبيرة في مجال الموسيقى الكلاسيكية الأوربية.

زر الذهاب إلى الأعلى