مقالات

نرفع القبعة لـ “نون النسوة” في عيدها

mhmed-arslanمحمد أرسلان

يَمُرُّ علينا شهرُ مارس وهو مُتْخَمٌ بالأعيادِ والأفراحِ التي تَحُلُّ علينا في المنطقة، ويبشرُ الشعوبَ بالأملِ والسعادة. وبنفسِ الوقتِ يحملُ الغصّةَ بين جنباته فيما نعيشهُ من دمارٍ وخرابٍ وقتلٍ وتهجيرٍ من أبناءِ جلدتنا، الذين جعلوا من أنفسهم مديةً وخنجراً في أيدي القوى الاقليمية لتنفذ أجنداتها ومشاريعها الخاصةَ على حسابِ آمالنا وأحلامنا وسعادتنا.

نعم، إنهُ شهرُ مارس الذي يُذكرنا في كلِّ ربيعٍ أنهُ آتٍ ليخرجنا من حالةِ النسيانِ التي نعيشها طيلة أيامِ السنةِ في أنهُّ هناكَ أيامٌ علينا التوقفُ فيها أمامَ ذاتنا ومراجعتها، ويحثنا على الاحتفال بأيامٍ لن تتكررَ في العامِ سوى يومٍ واحدٍ، وكأنهُ يقولُ لنا تذكروا أن: “ثمة امرأةً حجمها بحجمِ وطن” عليكم التبرك بها لأنها أساسُ الوجودِ ومبتغاها. إنهُ شهرُ آذارَ يقول لنا أحْمِلُ لكم في جُعبتي يومَ المرأةِ العالميّ، وعيد النوروز، وَشَمُّ النسيمِ، وعيدُ الأمِ، وعيدُ الربيع، وكل هذه الأعياد هي واحدةٌ في جوهرها أنها الأم والمرأة والأم الأكبر التي هي الوطن.

الوطن الذي نهرب منه بحثًاً عن وطنٍ آخرٍ يأوينا، هي الحالةُ التي نعيشها في هروبنا من حنان الأم وحضنها الذي كان يتسع في ذات يوم لكل آهاتنا وأمانينا وأحلامنا. في أن نعشقَ المرأةَ ونضحي بذاتنا من أجل أن ترضى عنَّا، ونعيش بين خفقان قلبها الذي يعطينا الأمان. أنهُ ما زالت هناك نبضاتُ الحياة.

كم هو مؤلم أن نفتقد الأم والوطن في وقتٍ نحنُ بأمسِ الحاجةِ فيه لهما، لنضع رؤوسنا في أحضانهما ونعيش معنى الحياة وسرمدية العشق وأزلية الوجود. نفتقد الأم لأننا بعنا ذاتنا في أسواق النخاسة الدولية والاقليمية بحثًا عن متعة المادة التي جعلتنا نعيش بذخ الأنا والذات بدلًا من جمال الآخر والوطن والأم. ساومنا وتاجرنا ونحن نضحك بملىءِ أفواهنا على بيع الأم والوطن الكبير، وذهبنا نبحثُ عن حنانِ أمٍ افتراضيةٍ غيرُ موجودةٍ سوى في الأوهام التي باعونا إياها بأسعار كبيرة. ضحكنا ونحنُ نشتري بثمنٍ بخسٍ وهمَ الحريةِ والكرامةِ في أحضانِ وطنٍ ليسَ لنا فيه سوى المزيد من العبودية. بعنا سوريا والعراق وليبيا واليمن، وحاولنا بيعَ مصر الأم تحتَ مُسمى الثورة، أو ثورة سوق النخاسة في بيع الأم والوطن والشرف والكرامة. بعدها أصبحنا نعضَّ أصابعنا ندماً لأننا أصبحنا وحيدين بعيدين عن حنان الأم الوطن والحب والعشق.

سلطة العقلية الذكورية المتسلطة على رقابنا في منطقتنا جعلت منّا أقزاماً نعيشُ في مجتمعٍ استهلاكيٍ مسخٍ ومخصيٍ من كلِّ شيءٍ مرتبطٍ بالانتاجِ والاعتمادِ على الذاتِ والابتكارِ والتطورِ والتقدم. هذه السلطةُ العقيمةُ من كلِّ شيء مرتبطةٌ بمعنى الحبِ والحياة، هي من أوصلتنا إلى ما نحن عليه، والطريقُ الوحيدُ للتخلصِ من هذهِ العقلية مرتبطٌ بشكلٍ وثيقٍ بمكانةِ المرأةِ في المجتمع. فبدونِ تحررِ المرأةِ لا يمكننا البتةَّ الحديثُ عن الحريةِ والكرامةِ والوطن، والسيادة والحياة. لأن المرأة هي كل شيء. منها بدأت وتبدأ الحياةُ ومعنى الحياة، بل هي الحياةُ بحدِّ ذاتها، وبدونها لا ولن نكون.

في عيدها لا يسعنا إلا أن نرفع قبعتنا لها، ونعترفَ أننا لا شيءَ من دونها. لا ثورة بدون امرأة، ولا مجتمعَ بدونِ امرأة، ولا حريةَ بدونِ امرأة وكذلك وطن. وهذا ما أثبتته المرأة الكردية المقاتلة في وحدات حماية المرأة التي تحارب داعش، الذي هو الوريث الشرعي للسلطة الذكورية والعقلية الدولتية القوموية. هي التي تحارب وتسعى للوصول للحرية بجهدها ومعرفتها وتضحيتها بعيداً عن وصاية الرجل.

المرأةُ الواعيةُ والفيلسوفةُ والمربيةُ والحرةُ والمنتجةُ والمضحيةُ هي التي تُعَلِّمُ المجتمعَ معنى الحياة وغاية الحياة. هي التي تعلمنا معنى الارتباطِ بالوطنِ الكبيرِ وعشقه. المرأة هي الإنسان والروح والمعنويات والأخلاق قبل أن تكونَ جسداً ومادة. الارتباط بالأم الصغرى “المرأة” والأم الكبرى “الوطن” حينها نُدْرِكُ معنى العشقِ والتضحيةِ والحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى