المجتمع

مدينة من روج آفا (جنديرس )

cindireseتقرير: حسينة عنتر

جنديرس هي احدى مدن روج أفا الجميلة التابعة لمقاطعة عفرين، نعم هي مهد التاريخ والحضارة بل إنها مرآة تعكس كل التاريخ والحضارة الانسانية العريقة، وهي روضة من رياض الجمال الطبيعي بكل معانيها، بجبالها وهضابها وسهلها الفسيح، هي غابة خضراء من الزيتون العفريني على مد النظر، وفي محيط هذه الغابة الزيتونية تتربع عليها العشرات من القرى الكردية التي لكل منها قصة مع التاريخ والحضارة على مدى التاريخ البشري الطويل. هذه المدينة الواقعة شمال غرب حلب قرب الحدود مع لواء الاسكندرونة أي ملاصقة للحدود السورية التركية، لها ما يميزها عن غيرها كمدينة سورية بشكل عام وكمدينة كردية بشكل خاص. تبعد المدينة عن عفرين مسافة 18كم، يحدها من الغرب تركيا ومن الشمال ناحيتا شيخ الحديد ومعبطلي، ومن الشرق عفرين، ومن الجنوب منطقة حارم في محافظة ادلب.  ويعود تسمية المدينة إلى عهود قديمة، لقد كان اسم الموقع خلال العصر الروماني –الهلينستي هو “جينداروس” وذكرها “ابن شداد” في كتابه (الدر المنتخب في تاريخ مملكة “حلب”) باسم “حندارس”، ويقول الأب “بولس اليتيم” في كتابه (مقالات في الآثار السورية) بأنّ “جنديرس” كانت مهداً للرهبانيات في شمال “سورية” ومنذ قرون بعيدة، وخلال الفترة الحورية والميتانية والميدية كانت لجنديرس حياة حيوية، وقد ساعدت على ذلك مجموعة من مقومات الحياة كوجود الجبال والأنهار والينابيع والسهول الخصبة في شمال غرب سوريا، وهذاما أدى إلى تشكل التفاعل الحيوي المستمر ين الطبيعة والعنصر البشري عبر التاريخ، وذلك بسبب تأمين المياه والمراعي للقطعان، وكذلك الغذاء الأوفر للأفراد، هذه الأسباب وفرت نشوء حوض استيطاني بشري هام عبر التاريخ.

كما أن هذه المقومات كانت سبباً لإقامة العديد من المدن والممالك التي كانت لها دور بارز في التاريخ القديم والحديث معاً، وهذه الأسباب نفسها أدت إلى تحويل المنطقة إلى ساحة لصراعات دائمة بين العديد من الأطراف البشرية والامبراطوريات والحضارات المختلفة. وكون جنديرس تقع في محيط هذه المنطقة  الهامة جغرافياً وتاريخياً، فلا بد من أنها شهدت كل ما مرت بها منطقة شمال غرب السوري من الأحداث و الصراعات وأنها عاشت كل الحضارات الإنسانية التي تعاقبت عليها عبر الأزمنة الغابرة.
تشير المصادر التاريخية والمكتشفات الأثرية إلى أنّ مدينة “جنديرس” هو من الأماكن القديمة المأهولة وساعد على ذلك موقعها المتميّز، فوقوعها وسط سهول خصبة صالحة لقيام مختلف أنواع الزراعات وانتشار مجموعة من الينابيع الغزيرة فيها وقربها من نهر”عفرين” وكذلك وقوعها على الطريق الروماني القديم الذي كان يصل مدينة “سيروس” (النبي هوري) و”إنطاكية”، كل هذه العوامل والظروف جعلتها من أهم مراكز الاستيطان البشري في شمال “سورية”وتعاقب عليها اقوام متعددة من أيام الفراعنة إلى أيام الحوريين والميتانيين والحثيين والميديين، وشهدت فترات الحكم الروماني واليوناني والبيزنطي أوج ازدهارها والدلائل الكثيرة على ذلك أواني الطبخ الفضية ومنشأة الحمام والتلبيس بالرخام والرسوم الجدارية والارضية الفسيفسائية التي عثرت عليها فيما بعد من خلال مديرية الاثار والتنقيب في المواقع الاثرية، وكذلك اكتشاف سور لمدينة جنديرس دليل على محاولات حمايتها العسكرية من الأعداء، ووجود العناصر المعمارية الحصينة تدل على وجود ثكنات عسكرية ذات قيمة عالية، بلغ عدد سكان مدينة جنديرس 60622 نسمة حسب إحصاء عام 2005  أما مساحتها فتبلغ 325.10 كم2 و المعدل السنوي للأمطار 611 ملم، و الامطار شتوية ودرجة الحرارة تبلغ في فصل الصيف 33 درجة مئوية أما في الشتاء فدرجة الحرارة الدنيا تصل إلى 4.1 والعظمى (10-15 )وكما وذكرت فإن جندريس كانت ملتقى الحضارات قديماً وحديثاً ونظراً لموقعها الاستراتيجي الهام كانت محطة لاستراحة القوافل التجارية. يتمع سهل جنديرس بالتربة الرسوبية الخصبة التي تكونت خلال حقب تاريخية طويلة مما جعلتها تربة صالحة للزراعة فاعتبرت منطقة زراعية بامتياز، ومن أهم المحاصيل الزراعية هي زراعة اشجار الزيتون حيث تحتل جنديرس المرتبة الاولى في مقاطعة عفرين وتوجد فيها 36 معصرة زيتون منها 22 تعمل على نظام الطرد المركزي و15 مكبس لاستخراج زيت الزيتون وصناعة صابون الغار، وكذلك تشتهر المدينة بزراعة الحبوب والشوندر واشجار الكرمة، ومن المزروعات الصيفية التي يتميز بها جنديرس زراعة البطيخ بنوعية الاصفر والاحمر وزراعة الخضروات مثل البندورة والفليفلة والباذنجان، كما وينتج سهل جنديرس أنواع جيدة من التبغ، لذلك فهي تتمتع بنشاط اقتصادي هام، وتضم مئات المحلات التجارية التي تتعامل بمختلف أصناف وأنواع البضائع، كما وتوجد في جنديرس سوق شعبي اسبوعي تقام كل اثنين يرتادها الاهالي في جميع القرى والنواحي المحيطة بها، هذا النشاط الحيوي توفر الخدمات من مياه الشرب و الكهرباء والصرف الصحي وتعبيد الطرق والرعاية الصحية ومركز البريد،  وأصبح المستوى التعليمي في جنديرس جيداً إذ توجد في المدينة مدارس في جميع المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية بفروعها الابتدائية والاعدادية والثانوية كذلك الفنون، كما وشهدت المدينة حركة عمرانية واسعة وأنشطة مختلفة وخصوصاً بعد الهجرة التي شهدتها من الأرياف والقرى المحيطة بها إلى مركز المدينة.

أما بالنسبة للمرأة في جنديرس فقد تميزت بالنشاط والحيوية والفراسة والحكمة، شأنها شأن المرأة الكردية بشكل عام، ونجدها في الوقت نفسه بارعة ومبدعة في تدبير المنزل وتربية الأطفال ومشاركة الزوج في أعمال الزراعة والحصاد، وتقوم بدورالرجل في حال غيابه ويزداد عملها في مواسم الحصاد حيث تذهب إلى البيادر لقطف الزيتون والثمار الأخرى.

 وإبان الثورة السورية تعرضت منطقة جنديرس إلى هجمات وقصف من قبل قبل قوات وفصائل المعارضة والمجموعات الارهابية المدعومة من تركيا، مما أدى إلى استهداف عدة قرى أخرى في عفرين منها مدينة جنديرس، وأدى إلى أضرار مادية كبيرة بممتلكات المواطنين، وإصابة عدد منهم بجراحات متفاوتة، مما أدى إلى لجوء الاهالي إلى حماية أنفسهم والدفاع عن أرضهم والانضمام إلى صفوف وحدات الحماية الشعبية، وقد تم تحريرالمدينة بالكامل وهي حالياً تابعة للإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين وتدرس فيها اللغة الكردية في المرحلة الابتدائية، وكذلك تم تشكيل الكومونات واللجان الشعبية في المنطقة ومؤسسة عوائل الشهداء، وهيئات وإدارات المجتمع المدني لتيسير أمور المدينة وعدم حدوث الفوضى وتلبية حاجات المواطنين ضمن التعايش المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى