مقالات

محمّد شيخو بُلبلُ الرّبيع

sliman-mhmodمُحمّد شيخو، أحدُ أطولِ الفنّانين الكُردِ قامةً، وأعذبهُم صوتاً، وأصدقُهم قوميّةً، وأعمقُهم شُعوراً، وأرفعُهم عِماداً. عاشَ فقيراً، ليجعلَ الأُغنيةَ الكُرديّةَ غنيّةً بالكلمات والموسيقا الرائعة، وماتَ غنيّاً، ليجعلَنا نفتقِرُ مِن بعدهِ إلى كلمةٍ صادقةٍ ولحنٍ شجيٍّ، فما أفقَرَنا أمامَهُ، وما أغنانا!.

هو صاحبُ ملحمةِ( ليلي سينم، وآزادي شيرين)، هو شهيدُ الكلمةِ واللّحن.

محمّد شيخو، يسمعُهُ العربيُّ فيشعرُ أنّهُ يقولُ أشياءَ جميلةً، ويسمعهُ اليونانيُّ فيرتاحُ لصوتهِ.

محمّد شيخو، بنظّارتهِ التي كانت كمرآة حياتنا، وحذائهِ الطويلِ الذي كان كقبرِ الأطفال الصّغار، فقطْ صوتُهُ يُلغي احتمالَ أن يكونَ وجودُنا غلطةً.

فقط عندما يسعلُ، تكفُّ كلُّ الضفادعِ عن النّقيق.

الطّربُ عندَ محمّد شيخو ما كانَ يوماً الرّقصُ والموسيقا، بل هو الألمُ والمُعاناةُ والتحرُّقُ شوقاً.

كانَ يُطربُنا: أي يجعلُنا نبكي من الفرحةِ، ونرقصُ من شدّة الألمِ.

محمّد شيخو كان مُثقّفاً وفنّاناً، لذا قالَ كلَّ الأشياءِ البسيطة بطريقةٍ صعبةٍ جداً، وقالَ كلَّ الأشياءِ الصعبة بطريقةٍ بسيطةٍ.

محمّد شيخو علّمَ الأجيالَ” أنْ تكتبوا عن الحُبِّ خيرٌ من أن تكتبوا عن الحربِ”، وأنّ الرّاءَ الفاصلةَ بينهما هي سرُّ عيشِ الكُرديّ ودليلُ وجودهِ.

محمّد شيخو، أُسطورةُ الغناءِ الكُرديّ وبحرُ الموسيقا الأصيلة، المُحبُّ لقوميتهِ، العاشقُ لتُراب وطنهِ، ماليءُ الدنيا وشاغلُ الناسِ، بصوتهِ الشجيّ وألحانهِ المُميّزة، وذكائهِ في اختيار كلمات أغانيهِ.

محمّد شيخو مُبدعٌ، وإنّ عبقريّتهُ تتجلّى في خَلقِ الجمال الذي يمنحُ الوجودَ معناهُ، وإثراءِ الحياة بكلِّ ألوان السّحر والبهاء. إنّهُ يُحقّقُ للأجيالِ المُتعةَ لأنهُ يُعبّرُ عن أحزان الإنسان الكُرديّ وأفراحهِ.

بينَ عالم الأخيلةِ الجامحةِ ودخولِ الأحلام والأمنيات دنيا المُستحيل والمجهول، والألحان الطائرة التي تأخذنا بعيداً في سفوح جبال كُردستانَ، يصدحُ محمّد شيخو، ليُعبّرَ عن فنٍّ مُبدعٍ، وليقولَ للناس كلاماً جميلاً ولحناً مُميّزاً.

من إبداعاتهِ نشتمُّ روائحاً عبِقةً، وننهلُ شراباً عذباً من نبعِ الجمال. يصنعُ من أزهار الجمال عطراً فوّاحاً، ويُضيّفُ الناسَ شراباً بارداً من كأس إبداعهِ البرّاق.

كأسُهُ مصنوعٌ من نور الكواكبِ اللامعةِ في سماء الفنّ الراقي الذي يصعُبُ الوصول إليه.

إبداعهُ يظهرُ في الشّعرِ نهراً رقراقاً يفيضُ الجمالُ والروعةُ من جانبيهِ، وفي اللحنِ يتجسّدُ إبداعهُ لوحةً بديعةً منقوشةً بيد الفتنةِ والسّحرِ.

إبداعهُ يسقي عطشَنا، كما الغيمةُ التي تروي الأرضَ بعدَ الجفاف والقحطِ.

محمد شيخو، يكشفُ عالمَنا الجميلَ، ويعبّرُ عنهُ بالكلمة واللحنِ والصوتِ.

فَنُّ محمد شيخو دواءٌ شافٍ للأرواح، وسيفٌ في وجهِ الظُلمِ، ومنارةٌ تُنيرُ عقولَ الناسِ وتهديهم إلى الخلاص والحُريّة والسّعادة. فنٌّ يُقدّمُ لنا الحقائقَ، ما نشعرُ به، وما نريدُ قولَهُ وما لا نستطيعُ قولَهُ، بثياب السّحر والخيال المُجنَّح.

محمّد شيخو، الظّاهرةُ التي لن تتكرّرَ بسهولةٍ في عالم الفنّ الكُرديّ، المُترحّلُ ما بينَ لبنانَ والعراقَ وإيرانَ، الذي سجّلَ مُعظمَ أغانيهِ في بيوتٍ سريّةٍ وبأدواتٍ بسيطةٍ، دونَ إيقاعاتٍ أو مؤثّراتٍ صوتيّةٍ أو تجهيزاتٍ حديثة.

ليسَ مُصادفةً أن يموتَ محمّد شيخو في آذارَ، وأن نُحيي ذكراهُ في أوّلِ كلّ ربيعٍ، لأنّهُ خُلِقَ ليكونَ صديقَ الحُبّ والشّهداء، فهو حاملُ العشقِ والوجعِ معاً.

محمّد شيخو، الذي صرخَ حينَ كانَ الهمسُ ممنوعاً، وحدهُ الشجاعُ الذي أحسنَ الإجابةَ عن سؤالِ ” جكر خوين” : كيمه أز؟ ليقولَ له: أنا محمّد شيخو.

سليمان محمود

زر الذهاب إلى الأعلى