حوارات

محسن عوض الله: لن تعود سوريا لأهلها قبل أن يعودوا هم سوريين فعلا

أورهان خلف

محسن عوض الله الصحفي المتخصص فى القضية السورية والباحث فى الشؤون الكردية : لن تعود سوريا لأهلها قبل أن يعودوا هم سوريين فعلا

– مؤتمر الأستانة المنعقد برعاية روسية تركية وإيرانية وبالرغم من مضمونه العسكري الأكثر من السياسي إلا أن الغالبية راهنت على أنه سيكون له بادرة كبيرة في عملية وقف إطلاق النار في سوريا وذلك وسط غياب العرب وعدم دعوة الوفد الكردي الممثل الشرعي لفيدرالية الشمال السوري ( روج آفا ) وذلك بناءا على طلب من تركيا
برأيك ما الغاية من عقد هكذا مؤتمر ذات نزعة عسكرية ولكن بطابع سياسي ؟

أعتقد أن الهدف الرئيسي من مؤتمر الأستانة كان الحفاظ على وقف اطلاق النار بسوريا الذى تم التوصل إليه بتوافق روسي تركي بمشاركة إيراني في ظل سيطرة العواصم الثلاثة على الواقع الميداني في سوريا وامتلاكهم نفوذ كبير يصل لحد السيطرة الشاملة على المتحاربين بسوريا ، حيث تسيطر روسيا وإيران على جيش النظام والفصائل المتحالفة معه فى حين تسيطر تركيا على النسبة الأكبر من الفصائل المعارضة .
الحفاظ على وقف أطلاق النار بسوريا مع اقترابه من يومه الخامس والثلاثون يعتبر النجاح الوحيد لمؤتمر الأستانة خاصة أن معظم اتفاقيات الهدنة التي تم التوصل لها على مدار الحرب السورية لم تستمر أيام قليلة وأعتقد أن هذا الإنجاز هو ما سعت تركيا وروسيا لتحقيقه وابرازه للعالم كدليل على نجاحهم فى ايجاد حل ولو مؤقت للحرب السورية عكس أمريكا والغرب التي فشلت كل محاولاتها بسوريا .
برأيي كان هناك أهداف غير معلنة لمؤتمر الأستانة وظهر ذلك من خلال قائمة الفصائل التي تم دعوتها للمؤتمر حيث سعت إيران وروسيا لاستبعاد بعض الفصائل وجلب أخرى فيما محاولة واضحة لتقسيمها ونشر الخلافات فى صفوفها وبالتالي اضعافها وهو ما ظهر فى الهجمات المتبادلة بين ميليشيات أحرار الشام والفصائل المتحالفة معها وجبهة فتح الشام النصرة سابقا .
كما سعت تركيا لاستبعاد قوات سوريا الديمقراطية أكثر الفصائل العسكرية تنظيما بدعوى ارتباطها بالكرد وهو ما دفع قوات حماية الشعب لاعلان عدم التزامها بتوصيات الأستانة .
أما بخصوص عدم وجود ممثل للدول العربية فى مؤتمر الأستانة فاعتقد أن هذا نتاج طبيعي للوضع الدولي والإقليمي بالمنطقة في العالم لم يعد لهم وجود قوي فهم أشباه دول بلا تأثير ينظر لهم المجتمع الدولي على أنهم خزائن مالية عليها أنها تدفع وتمول ما يطلب منها فقط وهم يؤدون هذا الدور ويكتفون به فقط ولا أعتقد أنهم قادرين فى ظل وضعهم الحالي على احداث أي تأثير فى معادلات المنطقة .
كما أن سوريا نفسها لم تعد عربية بعد أن تركها العرب فريسة سهلة للاحتلال الفارسي والروسي والتركي فكل المتحاربون في سوريا لهم ولاءات غير عربية هذا على المستوى الميداني أما على المستوى السياسي فالواقع يؤكد أن روسيا عندما فكرت فى عمل سياسي لمستقبل سوريا قدمت دستور حذفت منه عروبة الدولة السورية والمرجعية الإسلامية فى قوانينها وهو أمر يتوافق مع مجريات الأحداث وتطوراتها منذ اندلاع الأزمة السورية .

– كما ذكرت سابقا أنه تم إبعاد الكرد من المشاركة في مؤتمر الأستانة وذلك بناءا على طلب من الحكومة التركية ، برأيك ما هي أسباب الإبعاد ؟ وما هي الإنعكاسات التي طرأت على المؤتمر بإبعادهم ؟

استبعاد الكرد من الاستانة نتاج طبيعي لسياسة المؤامرات بين موسكو وتركيا فبعد أن أجبرت موسكو أنقرة على عدم وجود سياسيين بالمؤتمر والاكتفاء بالفصائل المسلحة استخدمت تركيا نفس السلاح واشترطت على موسكو عدم دعوة قوات سوريا الديمقراطية للمؤتمر واكتفت هى بدعوة المجلس الوطني الكردي الموالي لها .
لا أعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية تأثرت بعدم دعوتها للمؤتمر أو أن المؤتمر تأثر بغيابها ربما بحكم الأجندة التي فرضتها الدول الراعية للمؤتمر التى سعت لوقف اطلاق النار بين النظام ومعارضيه وهو الأمر الغير متوفر فى القوات الكردية التي تواجه تنظيم داعش الإرهابي .
استبعاد الكرد أمر سياسي بحت لا علاقة له بموضوع المؤتمر فهو كما سبق وذكرت مؤامرات سياسية وتوزيع أدوار بين موسكو وأنقرة.

– جنيف 4 على الأبواب والغالبية يراهن على نجاحه كونه سيضم الكرد كوفد معارض للنظام ومستقل عن المعارضة السورية وذلك حسب تصريحات الخارجيتين الأمريكية والروسية ، برأيك ما هي الخطوات التي يجب إتباعها من قبل الوفود المشاركة في المؤتمر ؟ وما هي البوادر التي يجب طرحها لإنهاء الأزمة السورية مع مراعاة حفظ حقوق الشعوب المتعايشة فيها وأقصد هنا سوريا ؟

يجب عدم التعويل كثيرا على مؤتمر جنيف  فهو لن يختلف كثيرا عن الاستانة أو جنيف 2 فكلها واحد وان اختلفت المسميات والشعارات فهي مؤتمرات تسعي لإطالة أمد الأزمة لا لحلها .
مشاركة الكرد فى جنيف 4 يعتبر أمر إيجابي للمؤتمر خاصة أنها المشاركة الأولى لهم فى مؤتمرات جنيف وقد يسهم وجودهم فى عرض وجهة نظر طالما غابت بفعل فاعل ..
لا أعتقد أن حفظ حقوق المكونات والأقليات السورية يكون بنصوص قانونية تمنحهم مميزات أو ما يشبه الكوتة فى مؤسسات الدولة فهذا فى حدا ذاته نوع من التمييز الغير مقبول فى دولة تسعى للمساواة بين جميع مكوناتها .
لا أفضل التركيز على مسألة رحيل الأسد فى أى محادثات سورية فرحيل الأسد يحتاج موافقة روسية إيرانية غير متوفرة فى الوقت الحالي كما أن رحيله لن ينهي الأزمة بل قد يكون بداية لموجة جديدة من الفوضى ، وعلى السوريين أن ينظروا لدول الربيع العربي فالوضع بمصر لم يتغير للأفضل بعد رحيل مبارك وهناك ملايين المصريين يتمنون عودته الأن مرة أخرى ، نفس الأمر فى اليمن وليبيا .

– المشروع الفيدرالي الذي طبقته حركة المجتمع الديمقراطي TEV_DEM وحزب الإتحاد الديمقراطي PYD مع شركائهم في مناطق الشمال السوري ( روج آفا ) حازت على ثناء العديد من الدول الكبرى وبينهم أمريكا وفرنسا وبلجيكا بالإضافة إلى روسيا وتناولت المشروع الصحف العالمية أيضا ، هل تعتقد بأن النظام الفيدرالي خطوة لتحقيق الأماني المعلقة على إنهاء الأزمة السورية ؟

لا أعتقد أن سوريا يمكن أن تعود لشكلها ونظامها قبل 2011 فالتركيبة السكانية اختلفت بشكل كبير وأصبح للمكونات السورية المختلفة حضور واسع فى الساحة السورية كجماعات مسلحة قادرة على احداث فوضى وعنف حال عدم الإعتراف بها ، لذا أعتقد أن الحل الأمثل للوضع بسوريا فيما بعد تغيير النظام هو عمل استفتاء شعبي تحت اشراف دولي واسع من أجل استطلاع رأي السوريين فى النظام السياسي الذي يفضلونه سواء النظام الفيدرالي الكامل أو الدولة المركزية مع ضرورة أن تلتزم كل المكونات بنتائج الإستفتاء والتعهد باحترامه والقبول به سياسيا دون أدنى تفكير في العودة للسلاح .
هناك شروط يجب تحقيقها قبل البدء فى الإستفتاء أهمها عودة المهجرين قسريا لبيوتهم واعادة الأملاك المسلوبة لأصحابها وانشاء هيئة انتخابية مستقلة تقوم بتسجيل كل مواطن سوري من يحق له التصويت بالاستفتاء دون النظر لقوميته أو دينه.

– كلمة أخيرة ؟

ختاما .. على الجيمع أن يعلم أن الأزمة السورية لن تنتهي فى ظل عدم رغبة القوي العالمية فى ذلك لما تمثله من سوق خصب لمافيا السلاح المتحكم الرئيسي فى مجريات السياسية العالمية ، على المكونات السورية أن تدرك أن الدول الداعمة والراعية لا يهمها نزيف الدم السوري ولا عدد الشهداء والمصابين الذين يتساقطون يوميا بالمئات ، كما أنها لا تقع عشقا فى الكرد أو غيرهم من المكونات من أجل سواد عيونهم وفقا للمصطلح المصري ولكن الأمر كله مجرد مصالح وعلى الكرد أن يتأكدوا أن الرهان على أمريكا أو غيرها رهان خاسر فهذه الدول سرعان ما تبدل تحالفاتها وفق مصالحها الخاصة .
ليس أمام السوريين سوى أن يوحدوا كلمتهم ويبحثوا عن مناطق الإتفاق فيما بينهم وهي كثيرة جدا لو بحثوا عنها ، على السوريين أن يدركوا أن تفرقهم واختلافهم هو أكبر أزماتهم وما دون ذلك يسير فلا أمل فى جنيف ولا غيره طالما بقي الإختلاف والشقاق الذي سعت اليه القوى الدولية من أجل استمرار الأزمة وتفريغ سوريا من أهلها للتحول إلى ميراث من ألم تتوارثه الأجيال والأنظمة .. لن تعود سوريا لأهلها قبل أن يعودوا هم سوريين فعلا ..

زر الذهاب إلى الأعلى