مقالات

ماذا لو كان يونغ حيّاً؟ ..هل أضاف إلى مدرسته: ليبدو السّد؟ 

images-%e2%80%ab%e2%80%acسيهانوك ديبو

لقد ترك كارل يونغ مؤسس مدرسة علم النفس التحليلي أو التي أطلق عليها فيما بعده رواد مدرسته باليونغية إرثاً قيّماً في علم النفس؛ وعلى الرغم من أنه تأثّر بداية بأطروحات وآراء معلمه سيغموند فرويد في علم النفس؛ إلّا أنه يعتبر أول من استخدم مصطلح الليبدو كطاقة الدوافع بدلاً من الطاقة الجنسية، وطاقة الدوافع جعلها حاسمة في تفسير أي سلوك يعمده الفرد مُظْهِراً فيه نفسه؛ وحيال غيره؛ وحيال المجتمع، وأرجعَ تفسير هذه الطاقة بقوة اللاشعور المنقسمة وفق رؤاه إلى اللاشعور الفردي وأيضاً اللاشعور الجمعي، وأن أي تقارب للفرد حيال أية مسألة كانت واتخاذ الموقف؛ يندرج تفسيره ضمن هذين الإطارين وبشكل مشترك وتفاعلي؛ ما بين خبرة الفرد الكلية والمكبوتة والتي ترتكز في تشكيلها إلى الصور الأولية/ البدائية في مجتمع معين، والتي تكتنف منطقة أو حدث معيّن.

تحرير سد الفرات على يد قوات سوريا الديمقراطية من سيطرة أكبر تنظيم إرهابي أو من دولة داعش الإرهابية، والمواقف الموحدّة التي ظهرت من جهات مختلفة بل متناقضة (النظام؛ والمعارضة أو بالأحرى المحسوبة على المعارضة، وغالب الإعلام العربي وغيرها من الجهات)؛ وكأنها؛ اتفقت فيما بينها أن تثير موضوعاً يُفضي بالنتيجة إلى مسألة بعيدة عن واقع التحرير وبما يتعلق ما بعد التحرير وذلك من خلال تصوير مشهد التحرير بمشهد انهيار سد الفرات، والقبول به، والانتقال إلى مرحلة الطوفان الذي يحصل ما بعد انهياره، مع إطلاق كم هائل من التحليلات الافتراضية التي أثبتت الحقيقة بأنها تصلح أن تكون (تحايلات على حقيقة التحرير) ونابعة من تخيّلات تصُبُّ في نهاية المطاف لمصلحة داعش؛ برغبة مباشرة من المتخيليّن أو من دونها. وقد نتفق في ذلك مع تفسير يونغ بأنها متبوعة إلى ليبدو؛ لكن؛ كطاقة للدافع المُراد منه إثارته في هذه اللحظة؛ وهذا يتعلق بالجهة/ات المروِّجة أو الجهة/ات المُصَدِّقة؛ وصلت الحال بالبعض الامتثال بالدعاء إلى الخالق طلباً منه الحماية والعناية!

على الرغم من أن إظهار الحرص الوطني؛ من بينها الحفاظ على المؤسسات الوطنية؛ كما حال سد الفرات؛ هي حالة مُحقّة؛ لكنها لا تتلاءم مع دوافع وأجندة الغالبية العظمى من الجهات التي أظهرت هذا الخوف؛ في الوقت الذي يبدو معروفاً للقاصي والداني بأن شعوب شمال سوريا؛ طيلة سنوات الأزمة السورية؛ وفي مقدمتهم الشعب الكردي هي أكثر الجهات التي حافظت على أمن واستقرار مناطقها وعلى المؤسسات المجتمعية والمراكز الخدمية الموجودة في مناطق شمال سوريا وروج آفا. ويبقى مثل هذا الاتفاق والتقصيد في إطلاق مسألة انهيار السد مدعاة للبحث وكذلك التقصي في البحث عن جذرية مثل هذا الموقف بالرغم من التناقض البيّن بين جهات مُطلقيها. ولو كان يونغ حيّاً ربما جعل هذا التصور المُخّل والمنافي للحقيقة وللواقع؛ تحت بند ليبدو السّد، ويجعل هذا الليبدو الجديد؛ مندالا أي الدائرة السحرية باللغة السنسكريتية، وأضافها نمطاً إضافياً إلى أنماط يونغ في تفسير الشخصية والمواقف؛ سواءً بسواء.

يُثار إلى جانب هذه المسألة؛ إثارة لمسألةٍ قديمة جديدة مفادها بأنه من غير المقبول بل المرفوض أن يتم تحرير الرقة (العربية) على يد (الكرد) في سوريا وعلى اعتبار أن الرقة منطقة غير كردية!!

من الذي يُقِّسم هذا البلد؟ ومن الذي ينتشله من حالة التشظي المستشرية في عقول وأفئدة هؤلاء؟

بالنسبة للمشروع الديمقراطي للحل الديمقراطي للوصول إلى سوريا الديمقراطية؛ لا نتعامل وفق هذه الأجندة المهترئة والتي لا تنتمي إلى حقيقة مشروع: الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، بل نحارب هذه التصورات الشوفينية التقسيمية. أما بالنسبة لكرد الأمة الديمقراطية فإن عيونهم على كل سوريا، وسوريا هي كردية بالقدر التي نراها عربية، وهي مسيحية وإيزيدية بالقدر الذي نراها مسلمة، وسوريا المستقبل لكل السوريين بجميع شعوبها وطوائفها بقدر ما يتحقق ذلك عن طريق مشروعها أو مشاريعها الديمقراطية؛ التي يظهر منها وممثّلة لها وبها عن طريق سوريا الفيدرالية أو الاتحاد السوري الذي يتألف من أقاليم جغرافية وليست قومية؛ تؤخذ فيها إرادة شعوبها كأساس في تحقيق التحول والتغيير الديمقراطي.

من يتحرك وفق طاقة الدوافع المُسيطرة عليه؛ يجد نفسه مُحاطاً بكم هائل من ليبدو الافتراض أو الوهم، وأن الشك الذي يسيطر عليه يجعله أسير تصوراته غير السويّة؛ ليجد نفسه بآخر المطاف بأنه محاط بدوائر وهم من صنعه ومن صنع العالقات المتعلقة في الذاكرة المصطنعة التي حُلِّت بدورها بدلاً من الذاكرة الجمعية. أولى خطوات العلاج تبدأ من تشكيل هوية مجتمعية سورية يخلقها أبنائها؛ وفق تصوراتها الحقيقية وأجنداتها الوطنية وحق تقرير مصير الشعوب في سوريا وفق التفسير الديمقراطي غير الدولتي، وهنا يكمن أصل المشكلة وأصل الأزمة السورية التي لن تُحَلَّ إلا وفق ليبدو المشروع الديمقراطي.

زر الذهاب إلى الأعلى