حوارات

لسان حال الكوباني في حوارٍ مطوّلٍ مع أبو كالي

abo-kaliمن هو أبو كالي:

عندما سألتُه عن سبب التسمية بلقبه ردّ ضاحكاً: “في عام 2004 اُعتقلتُ على يد المخابرات الجوية والعسكرية السورية، وكان لهم معي وقتذاك هذا السؤال عينه، لماذا تتلقب بأبو كالي.

وسرد لي صالح مسلم محمد، أحد الشخصيات الشعبية الكوبانية المعروفة بوطنيتها المدعو <أبو كالي> أن نسبة تسميته تعود إلى اسم والده الرجل الكبير في العمر والمعروف في كوباني وريفها بسمعته الحسنة وأفعاله الخيّرة.

أبو كالي في العقد الرابع من العمر،  له تاريخ طويل في الوطنية وحب مدينته كوباني، فيها الكل يعرفه الصغير قبل الكبير، حيث يخرج كل يوم إلى سوق مدينة كوباني، يتنقل بين المحال التجارية والأفران والمطاعم يسأل عن أحوال الشعب ويتفقد أوضاعهم، يستفسر عن أسعار الحاجيات اليومية ليقوم بنشرها على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، محفزاً بذلك مُغتربي ولاجئي كوباني على العودة إليها.

عندما تزور صفحته على الفيس بوك تجدُ مزيجاً من الأخبار التي تُصنّف في خانة المجتمع، الخدمات، السياسة، الاقتصاد، تراه مُلمّاً بكل ما يهمّ المواطن، والأهم من هذا كله إعلانه همَّ المواطن الذي لم يعُد كسابق أوان الحرب.

الحربُ الضروس على كوباني نتيجة تكالب وحشد العتاد والعدّة من قبل عدو الإنسانية داعش, وتدميرها لأحياء ومناطق سكنية كثيرة تضررت إزاءها ممتلكاتُ الشعب وتدمرت, مما أبقى أثراً وتداعياتٍ سلبية وأخرى إيجابية في نفسهم، وانطلاقاً منه أعددنا في صحيفة الاتحاد الديمقراطي الحوارَ التالي مع الشخصية الشعبية الكوبانية أبو كالي للاطّلاع على ما يودّه  الكوباني في مرحلة ما بعد الحرب، وهذا هو نص الحوار نتركه بين أيديكم:

الكوباني ليس معزولاً عن بيئته الكردية

1- عندما يستيقظ الإنسان الكوباني بماذا يفكر؟

سؤال صعب بقدر بساطته، الكوباني ليس معزولاً عن بيئته الكردية، هو يفكر بالحرب، بالدمار الذي خلفتهُ، بالشهداء، شهداء مقاومة وتحرير كوبان.  يفكر أيضاً إن كان هنالك اليوم أيضاً موكبٌ لشهداءَ آخرين، يفكر بأطفاله وكيف لهم أن يعيشوا مستقبلاً أفضل مما عاشه هو، يفكر بالمهاجرين والأصدقاء الذي اغتربوا والأهل الذين تشردوا وهل سيعودون قريباً، كثيرةٌ هي الأفكار التي تدور في ذهنه، فيفكر بالماء والكهرباء والمازوت المقطوع  بين يوم والآخر، وبالعيش ليوم آخر مفعماً بالأمل، أملٍ بغد أفضلَ ممّا يعشه الآن، وفخوراً بكل المنجزات التي تحققت بفضل دماء الشهداء طيلة ستة سنوات، ليصلَ إلى اليوم الذي يفتح فيه عينيه وهو في منزله وفي كوباني، كوباني الصمود.

الكوباني راضٍ بكل حال، ولكنه لا يزالُ بانتظار الوعود القاضية بإعادة الإعمار

2– هل تراه راضياً عن حياته؟

الإنسان يطمح للأفضل، الرضى آتٍ من أننا عدنا لمدينتنا ومنازلنا وإن كانت مدمّرةً بعد حرب قاسية، نفكر أحياناً إن أمضينا عاماً آخر في المخيمات ونحن نراقب مدينتنا محتلةً من قبل إرهابيي داعش، مجرّد التفكيرُ في هذا يدفعنا إلى الإيمان أكثر بأنّ القدرَ الأسود الذي واجهَنا انتهى وذهب بدون رجعة، وهو بحد ذاته إنجازٌ لا يمكن إلا الفخرُ به.

الكوباني راض بكل حال، ولكنه لا يزال بانتظار الوعود القاضية بإعادة الإعمار وتقديم المساعدات لأبناء المدينة الذين فقدوا منازلهم وكل ما يملكون.

مجتمع كوباني ريفي وبسيط

3- بماذا يمكنك تمييز المجتمع الكوباني عن غيره من المجتمعات؟

مجتمع كوباني هو جزءٌ من المجتمع الكردي، ولكن كوباني ومأساة كوباني والحرب التي شنّتها داعش وقبلها العشرات من فصائل الجيش الحر والقاعدة كانت كافية لتحدّد مدى طبيعة أهلها، لقد تحولت بفضل مقاومة أبنائها والدعم الكردستاني إلى أسطورة المقاومة وأيقونة المدن الثائرة ضد الإرهاب، وأصبح مقاتلوها ومقاتلاتها رمزاً عالمياً وقدوةً وقِبلةً لكل الأحرار.

مجتمع كوباني ريفيٌ وبسيط، والعلاقاتُ الاجتماعية قويةٌ بين سكانها لدرجة أنك تحسّ أنها قريةٌ صغيرة بل بيتٌ واحدٌ دافئ مفعمٌ بالعلاقات الأُسرية الحميمية.

الثأر عادةٌ سلبية لكنّها خفّت كثيراً

4- عُرف عن كوباني بأن الثأر والخلافات العشائرية تندرج ضمنه كثيراً وتسيطر على ذهنية الأهالي، فهل ما زال هذا المفهوم قائماً بعد الثورة؟

بطبيعة الحال الثأر عادة سلبية لكنها خفت كثيراً، هي تحدث نتيجة الخلافات بين الأشخاص وليس الخلافات العشائرية العميقة، ولعل النظام البعثي كان المستفيد الأكبر منها، وذلك لتفكيك المجتمع وتعميق الهوة المجتمعية بين الأفراد بدلاً من محاولة حلها بالقانون، ولكن في الفترة الأخيرة (بعد انطلاقة الثورة) تم الاهتمام بهذه الحالات وجرت مصالحاتٌ عديدة لحل ووأد الخلافات القديمة ودفنها.

كوباني هي أول مدينة كردية تم تحريرها من النظام

5- تكالبت هجمات المجموعات الإرهابية على كوباني في أكثر من مرة، وأشدّها كان في أيلول 2014، إلى ماذا يعزي الشعب هذه الهجمات وكيف ينظر إليها؟

بالتأكيد الهجمات لم تتوقف على كوباني وبدأت منذ العام 2012 حينما قام 17 فصيل إسلامي وجيش الحر بإعلان الحصار على المدينة، ولم يتوقف حتى غزو داعش في أيلول 2014، بعد ذلك الحصار جاءت جبهة النصرة وأعلنت الحرب والحصار وثم تبعتها داعش، الهدف كان واضحاً وهو تدمير وإجهاض الإرادة الكردية من خلال كوباني، فبحكم أن المدينة محاصرةٌ غرباً بنهر الفرات وشرقاً كري سبي (تل أبيض) وشمالاً خط روتكو – صرين استنفرت الفصائل المذكورة مجمعة قواها في محاولات للقضاء على روح المقاومة وثورة روج آفا من خلال كوباني، والانطلاق منها باتجاه عفرين، وثم الجزيرة، كان الهدف واضحاً، فكوباني هي أول مدينة كردية تم تحريرها من النظام، وفيها تم الإعلان عن تشكيل وحدات حماية الشعب 2011 وفي 27كانون الثاني 2014أعلنت كوباني عن الإدارة الذاتية الديمقراطية، ولاحقاً أُعلِن لأول مرة عن اتّحاد فصائل عربية وكردية تحت اسم بركان الفرات، تلكَ كانت أسباباً كافية ليتم إعلان الحروب المستمرة على كوباني.

تراب كوباني اليوم يزدان زهوّاً بالدماء الطاهرة التي تروي حكايةَ تحريرها

6- خلال مقاومة كوباني دافعت الكثير من الشابات والشبان الكرد من الأجزاء الكردستانية الأربعة عن كوباني، فكيف ينظر الأهالي إلى الوحدة الكردية في الدفاع عن كوباني؟

 يُنظر إليها بعين الفخر والاعتزاز، فكما هبّ وشارك أبناء وبنات كوباني في الحركة التحررية الكردستانية، هم (الكرد من الأجزاء الأربعة) أيضاً شاركوها المقاومة، وتراب كوباني اليوم يزدان زهواً بدمائهم الطاهرة التي تروي حكاية تحريرها، في كل شارع وحارة وبيت هنالك آلاف قصص البطولة والفداء والمقاومة، والدم الكردي توّحد لتحرير تراب كوباني وتطهيره من الإرهاب.

هم ما زالوا بانتظار وعود إعادة الإعمار ومساعدتهم لبدءِ حياتهم مُجدداً

7- هل الظروف المعيشية الصعبة لبعض أهالي كوباني (الذين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم) حالت دون القدرة على المحافظة على روح مقاومة كوباني؟

بالتأكيد ظروف قاسية، نسبة الدمار في كوباني تجاوزت 65% أكثر من أربعة أحياء تدمرت بالكامل، تم نهب وحرق ممتلكات المدنيين وسياراتهم ومحاصيلهم، وهم ما زالوا بانتظار وعود إعادة الإعمار ومساعدتهم لبدء حياتهم مجدداً، هنالك أناس فضّلوا العودة لكوباني ونصبو خيماً فوق ركام منازلهم، وآخرون اضطروا للسكن في مخيمات قرب كوباني في ظروف صعبة للغاية. فلم يسلم بيتٌ في كوباني من القصف أو من الدمار، أحياء بكاملها سُويت بالأرض وظلت بعض الأعمدة منتصبةً تروي قصصَ حرب قاسية وبطولاتِ أبناء هذه المدينة التي تحولت إلى رمزٍ عالميّ للصمود، رغم أنّ المعارك كانت قريبة جداً، فضّل الكثيرون العودة، وهو ما جعلهم أيضاً يدفعون الثمن نتيجة اختراقات للتنظيم، والتسلل إلى بعض القرى، إضافة إلى سقوط قتلى بمخلّفات الحرب والمفخّخات، والقذائف.

كوباني مجتمع يحافظ على ثقافته وتقاليده ويتباهى بها

8- هل عادت العادات الاجتماعية في كوباني إلى مجراها مثلما كانت قبل الحرب أم أنها أخذت طابعاً جديداً؟

بالتأكيد كوباني مجتمع متآلف يحافظ على ثقافته وتقاليده وعاداته ويتباهى بها، وهي متأصلة في صلب تفكيره وطريقة حياته، فكيف يغيرها.

الكثيرون عادوا إلى مدينتهم فور التحرير، وسيعود الكثيرون إن تحسنت الظروفُ

9- هل وجد أهالي كوباني ضالتهم العائلية في مَن عاد إليها عُقب التحرير؟ لاسيما أن العائلة الكوبانية تشتّت وقت الحرب.

الكثيرون عادوا إلى مدينتهم فور التحرير بدءاً من شباط 2015 ولم ينتظروا أشهراً أخرى، عادوا ورمموا منازلهم أو انتقلوا فسكنوا في القرى، نعم هنالك تأثيرات للهجرة والنزوح ولكن بعد كل يوم تعود الحياة إلى طبيعتها وأفضل من ذي قبل، وبالتأكيد سيعود الكثيرون إن تحسنت الظروف أكثر كما نتأمل.

المرأة الكوبانية أسطورةٌ في التحمّل، وفخورة بكوبانيتها

10-المرأه أو الأمّ الكوبانية بماذا تتميز عن غيرها؛ من منطلق أنها عاشت الحرب وكانت الشاهدة على النزوح والهجرة؟

المرأة في كوباني حملت السلاحَ ووقفت إلى جانب الرجل لتدافعَ عن المدينة، وهي اليوم تواصل مهمّتها لحماية أمنها، هي أخت وأم الشهيد وزوجته. المرأة الكوبانية أسطورةٌ في التحمّل والتضحية، صبورةٌ، مخلصة، وفيّة وأم لأطفالها، لم تتأخر يوماً عن واجبها، نالت هي الأخرى أيضاً نصيبَها الوفير من المظالم وعانت كثيراً، ولكنها اليومَ حرّةٌ، وفخورة بكوبانيتها.

كوباني تكبر الآن بأبنائها الذي يملؤون شوارعَها وحاراتِها

11- وأخيراً ماذا يمكن أن تقول لأهالي كوباني؟

أبناء كوباني ضحوا بالكثير، وهم يستحقون المزيد من الاهتمام وتوفير ما يحسن حياتهم، ما يزال أهالي كوباني ماضين في تسديد فاتورة باهظة ويعانون أقسى الظروف وأحلكها، والكل مُطالَب بتقديم الدعم لهم، وبالوفاء بوعود إعادة الإعمار، وتوفير فرص العمل والخدمات، وأنا كشخص ندمتُ يومَ اضطررت للنزوح عن كوباني في 20 – 9- 2014 بسبب الحرب، لن أكررها ثانية، سأظل هنا في كوباني ولن أتركها مجدداً، وأنادي كل مغترب أن يعودَ إلى مدينته التي تحتاجه، كوباني تكبر بكم، كما تكبر الآن بأبنائها الذي يملؤون شوارعها وحاراتها.

في الثقافة الشعبية

كوباني ملحمة المقاومة والصمود، كانت هي المدينة التي أرادها التاريخ أن تدخلَ صفحاتِه عن قرن الواحد والعشرين مثلما دخلت قبلها ستالينغراد..

ستالينغراد حصلت على جزءٍ من حقها إزاء إصدار العديد من الكتب والنتاجات السينمائية حولها، لكن كوباني لم تنل هذا الحق بعد؛ علماً أنه مرّ على معركتها سنتان، ولا ننسى التطور الحاصلَ من قرن مضى إلى حاضرنا الراهن، حيث لا يزال الخوف الكبير الذي ينتابنا حول إمكانية تعريف التاريخ  بالمبدعين والخلّاقين الذين حاربوا فيها.

وعلى الكوبانيين عدمُ نسيان تلك المقاومة، فمدينتهم شاهدة التاريخ ،وعليهم وعلى كافة الإنسانية التعامل بكل مسؤولية مع معركة كوباني المنتصرة.

حوار: سيدار رمو

زر الذهاب إلى الأعلى