مقالات

كيف تُمرَّر السُلطة

imageسيدار رمو:                       

يومياً نلقى العديد من الإشارات، الكلمات، التصرفات والسلوكيات من قبل الكثيرين كرسائل مُبطنة ليمرّروا خلالها سلطتهم إلينا، يودون لو نكون حسب أهوائهم، ينبهونا عبر هذه الرسائل لنسيرَ وفق ما تبتغيه أنفسهم وتمرير سلطتهم علينا، هذه السلطة التي تتصّدر من أصغر مصدر للقوة إلى أكبرها، كونه عندما يتمحور حديثنا عن السلطة يجب علينا أن ننتبه إلى أنّ أساسها هو القوة وأمور أخرى داعمة من مثل المال وفي بعض الحالات الأفراد ضعاف النفوس العاملين كالخدم المطيعين، وغيرها…

بالعودة إلى سياق الحديث عن السلطة فأنها لأمر محبّذ لدى كل كائن حي ومن ضمنها الإنسان، ولربما يعود السبب إلى كونها غريزة فإنها تلد مع الكائن الحي ليستطيع إكمال حياته، لكن الإنسان باعتباره كائن مختلف ومميز عن غيره من الكائنات بعقله، فأنه يمتلك حالات خاصة فيما يخص السلطة.

الكائنات الحية الأخرى الحيوانات مثلاً وكذلك النباتات تلجأ إلى السلطة كلٌ بأسلوبه ونمط عيشه وطبيعة فيزيولوجيته وذلك لضمان بقائه وتوفيره فرص أفضل في مأكله ومسكنه، والأمر متشعب ودقيق ﻻ أود الخوض في غمار تفاصيله، ما يهمّ هي حالة السلطة لدى الانسان باعتباره حالة متقدمة عن الكائنات الأخرى، الإنسان كجزء من منظومة مجتمعية ما إن يفتح عينيه ويراقب بهما ما يدور حوله حتى يعي الحياة ومنطقها فإنه يتلقّى مئات بل آلاف الرسائل التي تخضعه إلى سيطرة قوة ما باختلاف تكويناتها وهدفها فإنها بالنهاية سلطة وسيطرة، أي أن الإنسان غير حرّ لا يستطيع التصرّف بحريته.

السلطة عموماً تبدأ من العائلة إلى سلطة أكبر قوة تخضع الفرد والمجتمعات لسيطرتها، حيث إن الفكر السلطوي يُمرَّر إلينا منذ الصغر حتى يُفرض علينا ونحن كبار ويصبح جزءاً لا يتجزأ من كينونة وجودنا، والداعم لهذه النظرية ما نشره مؤخراً موقع أكثر الصحف المتداولة في أمريكا “ذا وول ستريت جورنال” إن معظم الجُمل التي نستخدمها عند التحدث مع الأطفال توحي بالسيطرة، فمثلاً إذا كان الأطفالُ يلعبون نقول لهم: “انتبهوا!”، وعند توديعهم نقول: “أين قبلتي؟”، وعندما يخطئون في أمر ما نعاقبهم بقولنا: “لمَ الخطأ؟”. وبذلك تدور معظم الرسائل التي نبعثها لأطفالنا حول تلقينهم ماذا نريد أن يقولوا، وماذا يجب أن يشعروا، وماذا يجب أن يفعلوا، وماذا سيترتب عليهم إن لم يفعلوا ذلك.

وفي أغلب الأحيان بل إننا لا نغالي إن قلنا في كل حين تتمحور لغة الأهل حول طلب الطاعة، وهو ما يشكل سبباً هاماً في ابتعادنا عما يُطلب منا غصباً أو بالأحرى يفرض علينا لأننا ننظر إليها على أنها لا تتناسب ومبتغانا في ابتداع حياة حرة بعيدة عن أي سلطة أو أوامر، ومع ذلك فإننا نلزمُ الصمتَ في الكثير من الأحيان أمام ما يطلب منا كون أهلنا يعلّموننا الطاعة بدلاً من التواصل وحلّ مشاكلنا وتحقيق طموحاتنا، لذا نجد تحولاً في شخصية الفرد فيميل إلى الخواء والوهن والخلاء من الطموحات، وخاصة الفئة الشابة فنرى الكثيرين تائهين في زحمة الحياة لا يمتلكون جرأة ولا سبيلاً في تسخير طاقاتهم فيما يصبون إليه، لا سيما بعد الأوضاع الساخنة التي شهدتها منطقتنا منذ ست سنوات والتي زادت من الهوة المجتمعية وتركت تداعياتها في نفسية الإنسان.

لعلنا نستطيعُ التغلّب على كل ما ذكرناه آنفاً، إن صببنا جهودنا على إدراك معاني الأشياء بما فيها الحياة، الطبيعة، الإنسان، الجمادات، بذلك نستطيع تمييز كل شيء على حقيقته وفهم جوهره ولعلنا عندها سنتمكن من الوصول إلى الحرية ولو بجزء بسيط.

زر الذهاب إلى الأعلى