مقالات

كوباني ذاكرة متجددة دائماً

imageنارين تمو

لا ينفكُّ يمرُ يومٌ وإلا نفكر بالحدث و لكأنه كان البارحة، وكأنه زلزال تسونامي حل بالشعب الكوباني، منهم الكثير الذي استشهد ومنهم من لاقى حتفه، ومنهم من رجع لكوباني، ومنهم من تشرد في بقاع الأرض والمعمورة، فلم تعد تعرف في كوباني معنى أن تكون هناك عائلة مجتمعة مع بعضها، وتتقاسم الأفراح والأتراح ، إلا وتجد أغلبية أفراد العائلة خارج الوطن، وتستمر ذاكرتنا في التسمر والبحث عن الأسباب والمسببات،  وصولاً إلى يوم المجزرة الكبرى التي كلما ازدادت ذاكرتنا في النشاط لتعيش تفاصيل الحدث، تزداد دقات قلبنا في الخفقان والتوتر والقلق متذكرين يوم تصفية وإبادة شعب كوباني الروحية والثقافية والأخلاقية والجسدية آنفاً، لا نفتك نتذكر أيام من ١٥ أيلول إلى ١٩ والـ ٢٠  من شهر أيلول عام ٢٠١٤، وما أدراكم ماذا يعني هاذين التاريخين، و الذي برأي لا أحد يستطيع أن يدرك معناه غير الشعب الكوباني بصغارها وكبارها، يوم ولوا الأدبار عن بلدتهم الجميلة البسيطة التي ترعرعوا فيها، وكبروا على أرضها، وكل واحدٍ من قاطنيها عمل طوال حياته ليعمر بيت يقضي فيها كهولته وشيخوخته بعدما قضى فيها طفولته وجزءٌ من شبابه، شعب تاه على أمره، وقف مذهولاً حائراً لا يدري أين السبيل؟ أهو البقاء على أرض كوباني والاستبسال في الدفاع عنها أمام داعش الذي وصل الى مشارفها بعد احتلال الثلاثمائة من قراها؟؟!! أم الارتماء في حضن العدو الذي يزود قاتلنا بألة الفتك والدمار؟؟  وكيف الخلاص من هذه الحالة وكوباني انقلبت بين لحظةٍ وضحاها رأساً على عقب، بعدما تناهت أخبار تقدم داعش، والجميع في كَرٍ وفرٍ وذهولٍ أمام الحدث، والأولاد والصغار والكبار والنساء في حالةِ خوفٍ ورعب،  وخاصةً أن مجازر داعش الدموية والأخلاقية لهي ماثلةٌ أمام أعين الجميع في شنكال قبل أشهر قليلة؟ لا وصف يعادل الوصف المعاش على الأرض غير وصف يوم القيامة والحشر والمعشر التي سمعنا عنها في الكتب السماوية، ربما كان مقدراً لشعب كوباني أن تقوم قيامته قريباً قبل الجميع، تلتفت يمينة ويسرة في شوارع كوباني ما بالها ليست على عهدها، ما هذه الفوضى وما هذا الهيجان بين غادٍ وعاد؟ وترى البعض يتهامس والبعض الآخر يتجاهر بالحديث ماذا يحدث؟ وكيف؟ ولماذا؟ أهذا وعدكم لنا أيها الرفاق؟ أهذا ما ذكرتموه إن داعش لن يطئ أرض كوباني إلا على جثماننا؟ هفال …. وهفال… أين أنتم؟ مالنا اليوم لا نراكم ولا نسمع صوتكم قوياً جهوراً كفايةً ؟ لما لا تردون علينا؟ لما لا تطمئنونا كعادتكم؟ تراهم لاهثين هنا وهناك منهم من في الجبهات يحمي الخطوط ، ومنهم ينظم الشعب ، ولكنك ترى في وجوههم تعابير تستطيع ان تخبرك ما لم تستطع لسانهم التحدث عنه …

إنها ساعة الصفر… يبدو إن الهول والحدث الكبير سيقع… هنا لاقت الضربة مكانها ما كان يخشى منه سيقع؟ وبدأ الشعب يَعُدُّ العدة و يحضر الحقائب … إنه الرحيل أو الهروب ؟ وترى الناس أكوام وجماعات وأفراد يتهافتون على أبواب العدو بحثاً عن مأمناً من همج العصر الذي لا يدري أحد ما هم بفاعلون بِنَا بعدما فعلوه بنساء وأبناء شنكال؟ ولا تدري أين ومتى وكيف احتشد كل هذا العدد الكبير من السكان ومن الآليات والسيارات والحيوانات والمواشي التي اجتمعت مع مربيها على الحدود، تصدر أصواتً وتنسحب للخلف في حركةٍ صريحةٍ تعبر عن إرادة صاحبها الذي يمسح دموعه متجاهلاً  ما تريد دابته القول، إنها ترفض الخروج من أرضها، كما حال جميع النساء والأطفال والرجال والشيوخ، وتسمع أصوات قلوبهم وبكائهم وحرقتهم ونكرانهم، كل الكلمات والتعابير والجمل في جميع القواميس اللغوية ستقف عاجزةً عن تصوير ذلك الموقف التراجيدي الذي عاشه الشعب الكوبانيّ، وكل شخصٍ من كوباني عندما وطأت قدمهُ أرض تركيا … ومع خطوته الأولى قد علقت حبل مشنقته، لكن ساعة إعدام كل واحد منهم اختلفت، فمنهم من تم إعدامه بالفقر وفي الملاجىء والشوارع، عندما غدو بين لحظة وضحاها وبعبور هذا الخط، لاجئاً ؟؟؟؟!!! ومنهم من أعدم بالانحلال عندما طابت له الحياة في كنف المدنية الرأسمالية والأضواء البراقة، ورويداً رويداً نسي أو تناسى ما هو الوطن وما هي كوباني وماهي حقوقها علينا؟ وما هي واجباتنا اتجاهها؟ وقسمٌ أعدم بحبل عذاب الروح والوجدان والضمير حتى استطاع الاقتداء إلى حلٍ أو عملٍ بسيطٍ لخدمة كوباني من بعيد بعدما عجز عن الانضمام إلى صفوف الدفاع عن كوباني؟ وقسمٌ رجع إلى كوباني، وقسمٌ لم يخرج منها أصلاً وانضموا إلى جبهة الحرب والمقاومة والدفاع عن الأرض والوطن والشرف والذكريات والحياة والثقافة والتاريخ والكرامة، ليكتب لكوباني تاريخٌ جديدٌ من النور والنار وهذا ما سيسرده لنا من كان شاهداً على من جعل جسده ناراً احترقت وأضاءت من جديد ليعود النور رويداً رويداً إلى كوباني.

زر الذهاب إلى الأعلى