مقالات

كل الوسائل مشروع

تركيا على موعد مهم في ال 15 من أبريل القادم حيث سيجري في عموم البلاد إستفتاء شعبي على التعديلات الدستورية التي أقرأها البرلمان التركي لتحويل النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي.
و يدعي أردوغان و أنصار حزب العدالة والتنمية AKP أن هذه التعديلات ستحول تركيا من بلد ضعيف و منقسم إلى بلد قوي و مؤثر على غرار الأنظمة الرئاسية في الولايات المتحدة و فرنسا ، و لكن الحقيقة غير ذلك كليا ، لأن أردوغان و حزب العدالة والتنمية لا يفكرون في تطور و ازدهار تركيا بقدر تفكيرهم في مصالحهم السلطوية و الحزبية ، و بالعودة إلى الانتخابات البرلمانية التي حصلت في 7 يونيو عام 2015 حصل حزب العدالة والتنمية على أقل من 19 مليون صوت و رغم أنه كان الحزب الأول بعدد المقاعد في البرلمان إلا أنه لم يقبل بهذه النتيجة ، و نكس بكل وعوده و اتفاقياته ، و وضع شروط تعجيزية أمام المعارضة لإعاقة تشكيل حكومة إئتلافية ، و قضى على مسيرة السلام مع الأكراد  ، و خلقت كسلطة و قوى حاكمة  مختلف الحجج و الاستفزازات لاندلاع المعارك بين الجيش و مقاتلي حزب العمال الكردستاني لخلق حالة من الخوف و الرعب في المجتمع في سبيل كسب مزيدا من الأصوات في الانتخابات المبكرة و التي فرضها أردوغان و سلطة العدالة والتنمية على المجتمع . و فعلا في انتخابات 1 نوفمبر من نفس العام و بعد أن تحولت تركيا إلى ساحة للمعارك و الاشتباكات ، حصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 25 مليون صوت، اي بفارق 5 مليون صوت تقريبا عن انتخابات 7 يونيو ، مما مكنه من تشكيل الحكومة بمفرده .
 طبعا هدف أردوغان لم يكن الحكومة فقط ، بل الهدف هو وضع كافة صلاحيات في يديه باعتباره رئيس الجمهورية ، و لذلك انحسر همه في تحويل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ولو كانت الفاتورة باهظة . فعمل كل ما في وسعه لإبعاد أقرب المقربين منه عن السلطة كرئيس وزراءه داود أوغلو الذي اعتبره أردوغان إحدى معوقات التي تواجهه في سعيه لتوجه إلى النظام الرئاسي ، و عين بدل عنه بن علي يلدرم المطيع لأردوغان . و طبعا لم يكن هذه الخطوة كافية لتحقيق حلمه.
كانت تركيا بحاجة إلى حدث يهز أركان المجتمع  و يخلق حجة لوضع كل السلطات بيد شخص واحد ، فكانت مسرحية الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو عام 2016 ، حيث أعتقد العديد من الناس و حتى الدول ،  أن قوة أردوغان و شعبيته قضوا على الانقلابيين ، و لكن تبين فيما بعد و عبر مختلف الوثائق و الأدلة و الشهادات و الوقائع أنها كانت مسرحية أعدت لها في دوائر الأمنية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. فاتهموا حركة الخدمة و الداعية فتح الله غولن و بعض الضباط في الجيش بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، و لكنهم شنوا حملة اعتقالات شملت كل المكونات و الفئات المعارضة ، و لم يستثنوا أحد . كانت اللوائح و الاسماء جاهزة قبل الانقلاب و أعددت بكل عناية . و تم حجز عشرات الآلاف من عناصر و ضباط الجيش و الدوائر الأمنية و المدنية بما فيها الدوائر التعليمية و الصحية و الدينية والإعلامية و الخدمية . و أعلن حالة الطوارئ و اعتقل كل المعارضيين لسياسات أردوغان و حزب AKP بحجج و إدعاءات لا أساس لها من الصحة .
فحتى الآن لم يقدم السلطة الحاكمة اي دليل مادي ملموس حول حقيقة الانقلاب المزعوم .و لكنها بكل الأحوال كانت حجة لخلق دولة حزب العدالة والتنمية حيث يتم التحكم بكل تفاصيله حياة الناس و في كل الدوائر الحكومية و الأمنية و في الجيش و القضاء و حتى في التعليم و الشؤون الدينية و الإعلام و غيرها ، أي باختصار ما حدث هو  خلق سلطة شمولية يديرها كوادر مرتبطة بحزب العدالة والتنمية و أبعاد كل المعارضيين و وضعهم في المعتقلات و تحت المراقبة . و هكذا  يتهيأ الأجواء من أجل فرض النظام الرئاسي الذي يحلم به أردوغان على المجتمع .
أردوغان و حزب العدالة والتنمية لم يكونوا في يوم من الأيام ملتزمين بالمبادئ و القيم الذين يدعون ليلا و نهارا أنهم مؤمنين بها .فهم يستغلون الدين و القيم الوطنية لتثبيت سلطتهم و دكتاتوريتهم ، فقد قضعوا العلاقات مع إسرائيل من أجل كسب مزيدا من الأصوات في الانتخابات  ،و أعادوا العلاقات معها كذلك من أجل مصالح حزبية و شخصية ، و قدموا كل التنازلات لروسيا في سبيل الحفاظ على هذه السلطة ، و تحالفوا مع حزب الحركة القومية و قدموا اليها كل التنازلات في سبيل وصول أردوغان إلى مبتغاه. و بإسم المصالح الوطنية قامت سلطة العدالة والتنمية بكل ما هو غير متوقع و بررت كل أفعالها بالأكاذيب و حجج الغير حقيقية .فلسنوات رفضت الدخول مع التحالف الدولي لمحاربة داعش بحجة أن التحالف يمتنع عن  محاربة النظام السوري ، و فجأة تغير نظرة العدالة والتنمية و دخلت في المستنقع السوري بحجة محاربة داعش ، رغم أن مختلف التقارير و الأدلة فضحت سلطة العدالة والتنمية في علاقتها مع تنظيم داعش سابقا .
حلم النظام الرئاسي هو إهم غايات أردوغان و في سبيل ذلك مستعد لفعل اي شيء ، و هو قالها بوضوح :”من يعادي النظام الرئاسي فهو في صف الإرهاب ..لأن الإرهابيين هم فقط من يعادون النظام الرئاسي !”. و مع التضيق على الحريات أكثر و اعتقال المزيد من المعارضيين و اللجوء إلى حالة التزوير و التخويف و الرعب فإن حكام العدالة والتنمية و أنصارها يسعون إلى فرض التعديلات الدستورية على المجتمع .و لكن القوى الديمقراطية و المؤمنة بالاخوة و السلام و العيش المشترك في حال توحدهم سيفشلون هذه الخطوة التي تهدف إلى تحويل تركيا إلى بلد ذات نظام شمولي و دكتاتوري خاضع لشخص واحد يتجمع في يديه كل السلطات .

نورالدين عمر 

زر الذهاب إلى الأعلى