تقارير

قراءةٌ في اقتراح مناطقَ آمنة في سوريا

amrika-%e2%80%ab1%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac amrika-%e2%80%ab1%e2%80%ac amrika-%e2%80%ab1%e2%80%ac amrika-%e2%80%ab29077385%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac amrikaدعوةُ ترامب لإقامة مناطقَ آمنة في سوريا تُعيدُ خلطَ الأوراق:

أثارتْ تصريحاتُ الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص إقامةِ مناطقَ آمنة في سوريا لغطاً كبيراً, خاصّةً وأنّهُ يأتي بعدَ أيّامٍ قليلةٍ من مؤتمرٍ عُقد في العاصمة الكازاخية آستانة, جمعَ بين النظام السوري وفصائلِ المعارضةِ, برعاية روسيا وتركيا وإيرانَ.

شكّلَ إعلانُ ترامب عزمهِ إقامةَ مناطق آمنة في سوريا والجوار الجُغرافيّ قنبلةً سياسيّة, دفعَ الكثيرين إلى طرحِ سؤالٍ أساسيّ, هو هل جاء الإعلانُ تعبيراً عن سياسيةٍ داخليةٍ لترامب, للحدّ من قضايا اللجوءِ والهجرة, أم أنّها سياسةٌ أمريكيّةٌ جديدةٌ تجاهَ الأزمة السوريّة؟

رُبّما يستغربُ البعضُ عودةَ الحديث عن إقامةِ مناطقَ آمنةٍ في سوريا بعدَ ستّ سنواتٍ من بدءِ الأزمة, وتغييرِ الوقائعِ على الأرضِ من حيثُ تراجعِ أعداد النازحين أولاً, وتقدّمِ القوّات السوريّة المدعومة بغطاءٍ جوّي روسيّ في مناطقَ عديدةٍ بعدَ استعادتها مدينة حلبَ, وخروج المسلّحين من جبهة النّصرةِ من منطقةِ وادي بردى, وتصاعُد حدّة الصداماتِ بين أكبر فصيلين في المعارضةِ المسلّحة (أحرار الشّام) و(هيئة تحرير الشام) في إدلب؟

ترامب أصدرَ أمراً تنفيذيّاً بهذا الشّأن, أمهلَ فيهِ وزيرَ الخارجيّة ووزيرَ الدّفاع تسعين يوماً لوضعِ خطّةٍ لتوفير مناطقَ آمنةٍ في سوريا وفي دول الجوار التي لجأ إليها السوريّون. وأوضحَ أنّ هذه المناطقَ الآمنةَ تهدفُ إلى إعادة اللاجئين الذين غادروا بلادهَم في ظلّ الحرب التي تعصفُ به منذ سنواتٍ, أو لتوطينهم في بلدٍ آخرَ, الأمرُ الذي فاجأَ رئيسَ النظام السوريّ والشُركاءَ الإقليميين الآخرين, كونهُ صدرَ عن الإدارة الأمريكيّة الجديدة على حين غرّة.

حذرٌ روسيّ, وترحيبٌ تركيّ, وتخوّف النظام السوريّ من إنشاء مناطقَ آمنة في سوريا:

قال وزيرُ الخارجية الروسي لافروف:” إنّ الرئيسَ الأمريكيّ يجبُ أن يكونَ أكثرَ تحديداً بشأنِ اقتراحه بإقامة مناطقَ آمنة في سوريا”, وقال:” إنّ محاولاتِ تنفيذ مثل هذه السياسة في ليبيا كانت مأساويّةً. وأضافَ أنهُ يأملُ أن تبحثَ روسيا القضيّةَ مع وزارة الخارجيّة الأمريكية بمجرّدِ أن تنتهي من وضعِ خُططٍ أكثر تفصيلاً عن المناطق الآمنة”. وقال لافروف: إنه لا يعتقدُ أنّ ترامب يقترحُ إقامةَ مناطق آمنة بنفسِ الطريقة التي نُفذّت في ليبيا عام 2011. وقال أيضاً:” إنّ موسكو ستستوضحُ تفاصيلَ مبادرة واشنطن الخاصة بسوريا”, وهي مستعدّةٌ لدراسة تطبيق هذه الفكرة, شرطَ موافقةِ دمشق عليها!

من طرفهِ حذّرَ النظامُ السوريّ الولاياتِ المتحدةَ من إقامة هذه المناطق دونَ التنسيقِ معه, معتبراً أنّ ذلكَ يُشكّلُ (تهديداً لسيادة الدولة السوريّة). وقال المتحدّث باسم الكرملين: إنّ المسؤولين الأمريكان لم يستشيروا بلادهُ حولَ الأمر, موضّحاً أنهُ قرارٌ مستقلّ اُتّخذَ من قبل ترامب, ولفتَ انتباهَ أمريكا إلى ضرورة التفكير مليّاً بالنتائجِ المُحتملة بُعيد تطبيق هذا القرار.

ويأتي حذرُ روسيا هذا من رؤيةِ بعض الخُبراء أنّ تحرُّكَ ترامب هذا قد يدفعهُ لاتّخاذ قراراتٍ محفوفةٍ بالمخاطر بشأن المدى الذي يمكنُ أن يبلغهُ في حماية اللاجئين, بما في ذلكَ إسقاط طائراتٍ روسية, أو اتّخاذ قراراتٍ بشأن النظام السوريّ, أو الالتزام بنشرِ آلاف الجنود الأمريكيين في المنطقة.

وليد المعلّم اعتبرَ أنّ أيّ محاولة لذلكَ دون التنسيق مع دمشقَ عملٌ غيرُ آمنٍ, ويمكنُ أن تترتّبَ عليه أعمالٌ خطيرة, ودعا, في مؤتمرٍ صحفيّ, جميعَ السوريين الذين غادروا إلى الدول المجاورة العودةَ إلى بلدهم, مؤكّداً استعدادها لاستقبالهم وتأمينُ متطلّبات الحياة الكريمة لهم!

دمشقُ تخشى من تكرار السيناريو الليبيّ, عندما استخدمَ حلفُ الناتو بقيادة أمريكا وتخطيطٍ فرنسيّ بريطانيّ مشترَك, إقامةَ مناطقَ آمنة في مدينة بنغازي, بذريعةِ حماية المدنيين في عام 2011 من مجزرةٍ يعدّ لها نظامُ القذّافيّ, وإغراق البلاد بعد ذلك في فوضىً دمويّةٍ. المناطقُ الآمنةُ, إذا أُقيمتْ, ينظرُ إليها النظامُ على أنها مُقدّمةٌ لتقسيم سوريا إلى جيوبٍ وإماراتٍ, ومناطقَ حُكمٍ ذاتيّ على أسسٍ طائفيّةٍ وعرقيّة, وقد زادتْ مسوّدةُ الدستور الروسيّ, التي جرى توزيعها على المشاركين في مؤتمر آستانة, من شُكوكِ ومخاوفِ السُلطات السوريّة, خاصّةً أنّ بعضَ فقراتها أسقطتِ الهويّةَ العربية عن سوريا.

ومن الجدير بالذّكر أنّ أمريكا فعلتْ ذلكَ مرّتين سابقاً : في العراق1991-1996, حيثُ نظّمتْ (عملية توفير الرّاحة), والتي شملتْ نشرَ 120 ألفٍ من 13 دولة لتأمين ملاذٍ آمنٍ للكُرد في شمال العراق الذين وصلَ عددهم إلى 700 ألف لاجيء, وفي البوسنة 1992- 1995 أثناءَ الحرب الأهليّة في يوغسلافيا.

أمّا تركيا, فقد عقّبتْ خارجيتها على تصريح ترامب, موضّحةً أنها تراقبُ الموضوعَ عن كثبٍ, وقال المتحدّثُ باسم خارجيتها: تركيا اقترحت المنطقة الآمنة منذُ زمنٍ طويل. ويرى خبراءٌ أتراك أنّ أمريكا قد تدعمُ إقامة المناطق الآمنة في سوريا, ولكنْ من غير المحتمل أن تقومَ بإدارتها وحمايتها, وأنهُ إذا ما تمّ إنشاءُ تلكَ المناطق, فإنها ستكونُ من مسؤولية تركيا والأردن, وذلكَ بحمايةٍ من روسيا أو الأمم المتحدة.

العربُ ودورهم في المشروع الأمريكي:

اتّفقَ العاهلُ السعوديّ الملك سلمان والرئيسُ الأمريكي ترامب على دعمِ إقامة مناطقَ آمنة في سوريا. وكان ترامب قد دعا في مناسباتٍ عديدة دولَ الخليج العربية إلى دفعِ أموالٍ مُقابلَ إقامة مناطق آمنة لحماية النازحين السوريين من الصراع المستمرّ منذ نحو ستّ سنوات. وقال البيتُ الأبيضُ في بيانٍ له: إنّ ترامب وعاهلَ السعودية اتّفقا في اتّصالٍ هاتفيّ على إقامة تلكَ المناطقِ, وعلى تعزيزِ الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب. وذكرَ البيانُ أنّ الملكَ وافقَ على (دعمِ مناطقَ آمنة في سوريا, فضلاً عن دعمِ أفكارٍ أخرى, لمساعدةِ كثيرٍ من اللاجئين الذين شرّدتهم الصراعاتُ المستمرةُ.

كما يترقّبُ البيتُ الأبيضُ كذلكَ زيارةَ الملكَ الأردنيّ. إلى ذلكَ قال دبلوماسيّونَ أنّ العاهلَ الأردنيّ الملك عبد الله سيعقدُ محادثاتٍ مع إدارة الرئيس الأمريكيّ في واشنطن. ويدورُ الحديثُ بأنهُ سيتمّ إنشاءَ منطقةٍ آمنةٍ محاذية لحدود سوريا مع إسرائيلَ والأردن, ويعني ذلكَ أنّ نحو7500 جندي أمريكي من القوات الخاصّة الموجودين حاليّاً في الأردنّ سيُنقَلون شمالاً إلى جنوب سوريا, تُرافقها قواتٌ أردنيةٌ خاصّة, إضافةً إلى عناصر المعارضة السوريّة التي تمّ تدريبها على يدِ خُبراءَ أمريكيين في معسكرات الجيش الأردنيّ. وهنا سيتنفّسُ الإسرائيليون الصُعداءَ, بعد التخلّص من خطرِ نشرِ قوّاتٍ إيرانية وقوات من حزب الله على حدود إسرائيل الشماليّة مع سوريا.

إذا ما أقيمت هذه المناطقُ الآمنةُ في سوريا ودول الجوار, فإنهُ يجبُ على أمريكا التنسيقُ مع الشّركاء الإقليميين من أجل الحصولِ على موافقتهم وللعمل على تطويرها. إنّ ترامب قد يتطلّعُ إلى السعودية وقطرَ والإمارات كي تُقدّمَ الدّعمَ الماليّ اللازمَ لإقامة هذه المناطق على حدود الأردنّ وتركيا.

أسئلةٌ كثيرة ما زالتْ مُعلّقةً بخصوص المناطق الآمنة في سوريا:

صحيحٌ أنّ خيارَ ترامب لإنشاء مناطقَ آمنة للاجئين السوريين يُعتبرُ خياراً معقولاً, وذلك لتوفير مساحاتٍ آمنة للملايين من النازحين الذين شرّدتهمُ الحربُ, ولكن هناك أسئلةٌ مطروحةٌ يجبُ التعاملُ معها في الأيام المقبلة بهذا الشّأن. الأسئلةُ تتعلّقُ بالأماكن التي يمكنُ إقامة هذه المناطق الآمنة فيها؟ فلدى الدول المجاورة لسوريا بالفعل أعدادٌ كبيرة من اللاجئين السوريين الذين يُجهدون اقتصاداتها, كما هي الحالُ في الأردن ولبنانَ وتركيا والعراق. وثمّةَ أسئلةٌ أخرى: مَن سيملك السيطرةَ على هذه المناطق المُقترَحة؟ وما مدى نجاح هذه المناطق الآمنة ؟ إنّ نجاحَها يعتمدُ على الضماناتِ الاقتصاديّة والأمنيّة التي قد تكونُ جاذبةً وتجعل اللاجئينَ السوريين يعودونَ من أوروبا إلى هذه المناطق.

ومع الغموضِ الذي يحيطُ بمشروع ترامب, ثمّةَ أسئلةٌ كثيرةٌ بشأن كيفيّة إقامتها؟ وأين ستُقام؟ وهل سيلجأ إلى مجلس الأمن الدوليّ لإصدار هذا القرار بهذا الخصوص, أم سينفذّها من خارج المجلس؟ وماذا عن آليات التعاون مع تركيا والخليج العربيّ؟ وهل سيتمّ تأمين التغطية العسكريّة للحماية من أيّ هجومٍ مُحتملٍ للنظام السوري وحٌلفائه؟ كما أنّ هناك إشكاليةٌ تتعلّقُ بكيفيّة توفيق ترامب في العلاقة الأمريكية بين تركيا ودعم الكُرد في سوريا, إذ ترفضُ أنقرةُ هذا الدّعمَ وتنظرُ إليه بعين الريبة والقلق, كونهُ يؤسّسُ للمشروع الكرديّ في المنطقة؟

وأسئلةٌ أخرى: هل ستدفعُ أمريكا بدول الخليج والدول الأوروبيّة للتعهّد بهذه التكاليف, وذلكَ لأنّ لديهم حصّةٌ أكبر في مستقبل سوريا؟ هل ستكونُ مناطقَ أمريكيّة- روسيّة- تركيّة آمنة في سوريا؟ هل سيتمّ نقل السيطرة العسكرية في سوريا إلى القوى الثلاث, كما سيتمّ رسم حدود هذه المناطق من قبل هذه القوى؟ وهل سيتطلّبُ هذا إخراجَ القوة العسكرية الإيرانية والميلشيات الشيعيّة التابعة لحزب الله من سوريا؟

بانتظار اتّضاح الأمور والتفاصيل والخططِ, فإنّ إعلانَ ترامب يشكّلُ تحوّلاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاهَ الأزمة السورية.

آليّاتُ عمليّة إنشاء مناطق آمنة والاحتمالاتُ المتوقّعة:

ينقسمُ المحلّلون بينَ قائلٍ بوجود اتّفاقٍ مُسبق بين تركيا وروسيا وأمريكا بشأن إقامة هذه المناطق, وأنها لا تتعارضُ مع عمليّة السّلام المطروحة, وبين رأيٍ يعتبرُ أنّ هذه الخطوةَ في حال نُفّذتْ فإنها ستُعيدُ خلطَ الأوراق مُجدّداً على الساحة السورية, وأيضاً على مستوى العلاقة بين تركيا وروسيا التي شهدتْ انتعاشةً في الفترة الأخيرة.

ومعلومٌ أنّ أنقرةَ أوّلُ مَن طرحت فكرةَ إقامة مناطقَ آمنة في سوريا وذلك في عام 2011, وقد أيّدتها دولٌ أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا, فيما رفضت الإدارةُ الأمريكيّةُ مُجاراتها في ذلكَ.

والغالبُ أنهُ لا يُعتقدُ أنّ طرحَ الإدارة الأمريكية لهذه الفكرة هذه الأيام من قبل ترامب, وترحيب تركيا بها, واستعداد موسكو لدراستها بشروط, وموافقة السعودية عليها, تزامناً مع حملةٍ تتحدّثُ عن مرض الرئيس السوريّ, هو من قبيل المُصادفة.

والأرجحُ أنّ أمريكا وروسيا مُتفقتان على إقامة مناطقَ أمريكية وروسيّة وتركية آمنة في سوريا. وطبقاً لنظام هذه المناطق سيتمّ نقل السيطرة العسكرية في سوريا إلى القوى الثلاث, وسيتمّ رسم الحدود من قبل هذه القوى.

الخطّةُ تشملُ إنشاءَ منطقتين تابعتين لأمريكا شرق نهر الفرات إلى الحدود العراقيّة, بما في ذلكَ المناطق الكرديّة, في ما يمثّلُ إعادة إحياء لاتفّاقٍ في عام 2015 بين أوباما وبوتين لتقسيم سوريا إلى مناطقَ نفوذٍ. وتمّ الاتفاقُ حينها على أن تُشرفَ أمريكا على كلّ المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات, بينما تٌعطى السيطرةُ لروسيا على جميع المناطق الواقعة غربَ النهر حتى ساحل البحر المتوسّط. أمّا المنطقةُ الواقعةُ تحت سيطرة تركيا, فسوف تمتدّ لمسافة 650كيلو متر, على طول الحدود السورية التركية, بعُمقٍ يتراوحُ بين 35و50كيلو متر داخلَ الأراضي السورية حتى مدينة الباب, حيثُ تخوضُ القواتُ التركيةُ معاركَ للشهر الثالث على التوالي لاستعادتها من داعش.

الحديثُ إذاً عن المناطق الآمنة ليسَ جديداً, وتحاولُ مرتزقة الدولة التركية إنشاءَ إحداها في مدينتَي الباب وجرابلس في ريف حلبَ, ولكن الجديدَ هو إحياءُ الرئيس الأمريكي ترامب هذه المسألة مُجدداً وفي هذه الفترة بالذّات!

هل للكرد مصلحةٌ في إقامة مناطقَ آمنةٍ بتمويلٍ خليجيّ أم لا؟:

في حال تمّ إنشاءُ المنطقة الآمنة التي تحدّث عنها ترامب, فربّما سيكون ذلكَ من مصلحة الكرد, فهذا سيكونُ عاملاً لحماية مناطقهم, وسيكونون محميين من قبل أمريكا من أيّ هجومٍ من جماعات داعشَ أو الدولة التركية التي تنتظرُ أيّ فرصةٍ للقضاء عليهم.

خالد عيسى, ممثّلُ الإدارة الذاتية في فرنسا قال:” إنّ اقتراحَ الإدارة الذاتية حيالَ المنطقةِ الآمنة هو أن تكون تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية, التي ستتكفّلُ بإعادة اللاجئين إلى المنطقة التي ستديرها. وأضاف أننا نرفضُ أن تكونَ تركيا جزءاً من من هذه المنطقة, لأنّ غايتها من هذا الأمر هو زيادةُ التدخّل بالأراضي السوريّة.

المخاوفُ والقيودُ والدروسُ المُستخلَصةُ من إنشاء المناطق الآمنة:

لا شكّ أنّه يمكنُ اعتبارَ خطوةُ الرئيس ترامب هذهِ أكثرَ نشاطاً من حالة اللا مُبالاة التي اتّبعها الرئيسُ الأمريكي السّابقُ أوباما إزاءَ سوريا, ولا شكّ أنّ إنشاءَ مناطقَ آمنة سيمثّلُ تحوّلاً كبيراً في السياسة الأمريكية, حيثُ كان يعارضُ أوباما الفكرةَ التي ستتطلّبُ التزاماً بالدفاع عن مثل هذه المناطق من هجمات الحكومة السوريّة أو حلفائها, ومن بينهم روسيا, غيرَ أنّ أيّ عمليّةٍ لإنشاء منطقةٍ آمنة في سوريا, تتجاهلُ الدروسَ المُستخلَصة من الماضي, وتغفلُ العناصرَ الأساسيّةَ لعملها, قد تُخاطرُ باحتمالٍ أكبرَ للفشل, ومزيدٍ من المعاناة للمدنيين, فضلاً عن إمكانية توسيع أهداف المُهمّة, مما يؤدّي إلى انتشار الصّراع إلى درجةٍ أكبرَ.

ترامب يرى, فيما يبدو, أنّ المناطقَ الآمنةَ سبيلٌ لوقفِ تدفّق اللاجئين الذين يعتبرهم تهديداً مُحتمَلاً لأمن أمريكا, وأنها خطوةٌ من شأنها أن تحدّ من الأزمة الإنسانية في المنطقة, وتمنعَ التدفّقاتِ الكبيرة للاجئين المُزعزعةَ للاستقرار من اكتساحِ تركيا وأوروبا, غيرَ أنّ خبراءَ عسكريين حذّروا من أن تصبحَ المناطقُ الآمنةُ داخلَ سوريا لعنةً دبلوماسيّةً, تجبرُ إدارةَ ترامب على التعامل مع مجموعةٍ من التوتّرات العرقيّة والسياسية في سوريا. وأنهُ من الممكنِ أن تجتذبَ المنطقةُ الآمنةُ مُتشدّدينَ, إمّا لتنفيذ هجماتٍ- وهو ما قد يُحرجُ أمريكا- أو لاستخدام المنطقةِ مأوىً, يمكن لهم إعادةُ تنظيمِ صفوفهم فيها.

وأخيراً, وبالنظر إلى الخريطة السورية المُعقّدة, نرى أنّ قسماً كبيراً من الشّمال والشرق واقعٌ تحتَ سيطرة الكُرد وحليفهم الأمريكيّ, وقسمٌ آخرَ من الشّمال والشمال الغربيّ تحت سيطرة الفصائل المُسلّحة وتركيا, والقسمُ الثالثُ الذي يتألّف من السّاحل والوسط والعاصمة تحتَ سيطرة النّظام وحلفائه. ولعلّ اللافتَ هنا أنّ هذه الانقساماتِ المناطقيّة توحي بأنّ ثمّةَ تعاطياً كبيراً بين فكرة إقامة مناطقَ آمنة وإقامة إداراتِ حُكمٍ محليّة, كما أوحت مسوّدةُ الدستور التي طرحها الرّوسُ أخيراً.

وبغضّ النّظرِ عن هذا التقاطع, فإنّ ما يجري يوحي بالتأسيس لحُكمٍ لا مركزيّ في سوريا, أكثر منه استراتيجيّة لإقامة مناطقَ آمنة!

إعداد: سليمان محمود

زر الذهاب إلى الأعلى