مقالات

في ظاهرة الأحزاب السياسية الكُرديّة

mustefa-abdoمصطفى عبدو

كلّما يُطرحُ سؤالٌ عن الأحزاب السياسية الكردية نجد أنّ مسألةَ الانشقاقات تفرضُ نفسها ، وبالتالي يُطرح سؤال آخر: ما الأسبابُ وراء هذا الكمّ من الانشقاقات ؟

نشأت الأحزاب السياسية في سوريا عامة وفي روج آفا خاصّة منذ البداية وهي محكومة بنزعة «أحادية»، ومع إن أغلبَ هذه الأحزاب تدّعي الديمقراطية فهي لا تستحضر الديمقراطية ، سواء في علاقتها بالآخر المتمثل في التيارات السياسية الأخرى أو في علاقة قياداتها بقواعدها. وانطلاقاً من هذه النزعة، تولّدت خاصيتان أصبحتا ملازمتين للحزب السياسي:

تتجلى الخاصية الأولى في تضايقه من وجود أحزاب سياسية منافسة وسعيه المستمر إلى تجريدها من أي مشروعية .

وتتجسد الخاصية الثانية في تغييبه للديمقراطية الداخلية، مما أفضى إلى تنامي ظاهرة الانشقاقات.

كما إن «الحزب الكردي» لم يقدّم نفسه كمعبّر عن شريحة اجتماعية تتقارب في رؤاها السياسية، بل قدّم نفسه كمُمثل للشعب بأكمله، هذا الواقع جعل الآلة الحزبية الكردية تشتغل منذ البداية معتمدة على مبدأ «الإجماع» الذي كان يرفض كلّ اختلاف.

كان من المفترض أن يحصلَ تحوّل في بنية الأحزاب السياسية الكردية غداة ثورات ربيع الشعوب، سواء على مستوى هياكله أو على مستوى إيديولوجياته، خاصة وأنّ السياقَ العام أصبح محكوماً بشعار بناء الدولة الديمقراطية. غير أنّ شيئاً من هذا لم يحصل، فقد ظلّ الحزبُ السياسي الكردي يعمل في السياق الجديد بنفس البنية والآليات القديمة. وبتعبير آخر، فإن الثقافة الحزبية التي نظمت سلوك القيادات في الفترات الأولى من نشوء الأحزاب مازالت مستمرة حتى يومنا الراهن.

إنّ هيمنةَ الثقافة الحزبية الموروثة جعلت الأحزابَ السياسية الكردية، منذ البداية، تفتقرُ إلى المشروعية «الديمقراطية»، وغياب الديمقراطية الحزبية هو أحد تجليات هذه الثقافة، كما أن البناء التنظيمي للأحزاب يترجم في العمق سيادة ثقافة «إقصائية» تستخدم بشكل سيئ مبدأ المركزية الديمقراطية.

فباسم هذا المبدأ، مورست «مركزية مطلقة» لم تسمح بأي اختلاف، وحُولت الأحزابُ السياسية إلى تنظيمات «مغلقة» تعيد إنتاج سلوكات الولاء والخضوع.

لتحليل واقع الأحزاب الكردية الآن لا بدّ من التطرّق إلى الانشقاقات التي حصلت بينها نتطرق  بعجالة هنا إلى بعض منها دون التوسع فيها أو التطرق إلى غيرها من الأسباب :

انشقاقات تحكّمت فيها، إلى حد بعيد، طموحاتُ بعض الأشخاص إلى الزعامة.

 وانشقاقاتٌ كانت تقف السلطةُ السياسية وراءها .

كما إن أغلب الانشقاقات الحزبية كان وراءها أشخاصٌ عجزوا عن زحزحة النواة الصلبة القيادية من مكانها، وبالتالي سعوا إلى تأسيس أحزاب جديدة.

إن الانشقاقات الحزبية لا يمكن ربطها بخلافات حول الاستراتيجيات السياسية المعتمدة أو طموحات (زعاماتية) فقط، بل كما أسلفنا لعبت  أحيانا السلطاتُ دوراً مركزيا في تعميق الخلافات التي أفضت، في نهاية المطاف، إلى انشقاقات.

نذهب إلى أبعد من ذلك لنقولَ أن هيمنةَ ثقافة حزبية هي المسيطرة على أحزابنا السياسية، وهذا جليٌ من  خلال رفض الاختلاف ومنح كل الأولوية للمشروعية التاريخية، وهذا ما يفسّر سلوكَ الكثير من زعماء الأحزاب حيث بدأ البعضُ يتعاطى مع الحزب كمُلكية خاصة، لا يقبل بأن يحلّ محلّه أيّ شخص آخر لقياداتها. وفي هذا السياق، تتحمّل الطبقةُ السياسية مسؤوليتها في تكريس السلوكيات الانشقاقية.

 وبالعودة إلى القواعد التنظيمية لهذه الأحزاب نجدُ العضو أو الكادر الحزبيّ لا يملك أيّ وجهة نظر أو ربما لا يحقّ له أن  يبدي رأيه، لتبقى كلمة الفصل هي ما ينطق بها أمينه العام.

ختاماً يمكننا القول:

كان من الممكن تفادي العديد من الانشقاقات الحزبية لو احترمت الديمقراطية الداخلية باعتبارها ترسيخاً لمبدأ التداول على المسؤوليات، من جهة، واحتراما للاختلاف، من جهة أخرى، فالعجز عن تدبير الاختلاف هو سببٌ جوهري يكمن وراء انشقاقات حزبية  وكان من الممكن تجنبها.

إلى جانب  ذلك تشكّل شخصنة الحزب عاملا أساسيا في خلق أزمة لدى الأحزاب الكردية، ذلك أنّ مسيرةَ الحزب السياسي تتماهى مع حياة أمينه العام. وبتعبير أوضح، فإن تاريخ الحزب هو تاريخ أمينه العام لدرجة اقترن اسم الحزب مع اسم الأمين العام أو السكرتير، وهذه الشخصنة ساهمت في ترسيخها عاملان: الأول يتمثل في الدور المركزي الممنوح للأمين العام في تسيير دواليب الحزب، والثاني يتجسّد إقراراً لهذا الدور في تغليب المشروعية التاريخية على المشروعية العقلانية.

أفسحُ المجالَ هنا للقارئ ليبدي رأيَه ويحكّم  ضميره.

زر الذهاب إلى الأعلى