الأخبارمانشيت

في تركيا, مشهدٌ للتضامنِ مع كُتّابٍ خلفَ القُضبان

penلأول مرّة خلال عقدين من الزمن تصبح تركيا من جديد أكبرَ زنزانةٍ للكُتّاب والناشرين في العالم. بعثةُ A PEN  الدولية حاولت القيامَ بزيارة السجن الذي أُودع فيه معظمهم.

Joanne Ledoom – Ackerman )مشارك)

تركيا، استنبول, 3 فبراير/شباط, 2017ــ كان الثلج يهطلُ خارجَ سجن سيلفري، ونحن نشقّ الطريقَ الذي تحدّهُ أسيجةٌ عاليةٌ من الأسلاك الشائكة. كان وفدٌ رفيعٌ من الـ PEN الدولية من أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط، قد وصل إلى تركيا للتضامن مع ما يفوق 150 ناشراً وكاتباً تركياً مسجونين الآن. أُلقي بالعدد الأكبر منهم خلفَ أسوار سيلفري.

لأول مرّة خلالَ عقدين من الزمن تصبحُ تركيا من جديد أكبرَ زنزانة للُكتّاب والناشرين. تم التضييقُ على الجمعيات الأهلية أكثرَ فأكثر في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أتى إلى الحكم في عام 2002.

 قامت الحكومةُ في الأشهر الستة الماضية بإغلاقِ ما يزيدِ على 170 وكالة أنباء. وفقد ثلثُ أعضاء النظام القضائي ــ من القُضاة ووكلاء النيابة ــ وظائفَهم، أو زُجّ بهم في السجون. تمّ طردُ رؤساءَ الجامعات، وأضطّر آلافُ الأكاديميين إلى تقديم الاستقالة. وتم إعفاءُ ما يزيد على 140 ألف موظف مدني وعسكري، وثلثُهم الآن هُم رهن الاعتقال. ومنذ محاولة الانقلاب في شهر يوليو/ تموز الماضي وتركيا تعيشُ إعلان حالة الطوارئ. هؤلاء الذين عارضوا الحكومة تمّ تصنيفهم واتهامهم كـ “إرهابيين” أو “داعمين للمنظمات الإرهابية”. حملةُ القمع تلك كانت جاريةً من قبل صعود المحاولة الانقلابية.

في سيلفري، حُجزت بعثتُنا  في موقفِ سياراتٍ بعيد. وكان مسؤولي السجن قد تم إخطارهم عن وصول البعثة، لكن رجال الجندرمة الذين صُدموا بنا كانوا غير مُحَضَّرين كما بدا عليهم. في آخر الأمر، أعادونا إلى شاحناتنا الصغيرة ثم طوقوها واعترضوا سبيلنا بسيارات الشرطة حيث جمعوا جوازات سفرنا. استقل حافلتَنا دركيٌ شاب يحمل بندقيةً مُعيقاً خروجنا لمدة ساعة تقريباً, رغم أنه بدا غير متأكدٍ مما يُفترض به أن يفعل سوى أن يمنعنا من التقاط الصور. وفي الختام اصطحبوا البعثةَ بعيداً عن السجن، وكانت تضمّ ثلاثةَ رؤساء حاليين من الـ PEN الدولية وآخر سابق، بمن فيهم الرئيس الحالي لـ لجنة جائزة نوبل للآداب.

 لم يدرِ أيّ تبادل للحديث مع مسؤولي السجن, ولم تُجرَ أية مقابلات مع الكتّاب خلف القضبان. أوقفت الشرطةُ الحافلات مجدداً خارج محيط المكان، وجمّعوا مرة أخرى جوازاتِ سفرنا. وبعد حوالي ساعتين عادت بنا حافلتينا الصغيرتين البيضاوين إلى استنبول.

في وقتٍ سابقٍ وفي العاصمة التركية أنقرة، ألتقى وفدٌ أصغر من PEN مع وزير الثقافة ومسؤولين آخرين في الحكومة، للاحتجاج والتعبير عن مدى قلقهم الشديد إزاءَ القيود المفروضة على حرية التعبير، وسجن الكتّاب والناشرين في تركيا. واستفسرت PEN عن شرعية الاستفتاء على الدستور الذي اقترحه الرئيس أردوغان للاقتراع في ربيع هذا العام. سوف يوسّع الاستفتاءُ من سلطات الرئاسة ويمنح أردوغان القدرة على تعليق البرلمان, فضلاً عن الصلاحيات والإجراءات القانونية الواجبة، “مصادرةُ الحريات والحقوق الفردية” من خلال مرسوم تشريعي، ويمكن أن يسمحَ له بالبقاء في منصبه حتى عام 2029.  ورغم أن PEN تُشجّعُ على صناعة الأدب وتُدافع عن حرية التعبير، ولا تتبنّى مواقفَ سياسية، فقد طعنت في شرعية استفتاءٍ يجري أثناء حالة الطوارئ في الوقت الذي يتمّ فيه إسكاتُ أصوات المعارضة.

بعد أن عادت بعثتنا من السجن إلى أستنبول، ألتقينا بالكاتبة التي تم إطلاقُ سراحها مؤخّراً، أسيل أردوغان (لا صلة للاسم بالرئيس)، والعالمة اللغوية “نجميا الباي” وآخرين من بينهم زوجين من الكتّاب قتلا أو مازالا في السجن.

“ليس أزواجُنا من هُم في السجن، بل هي الصحافة”,  تقول زوجةُ أحدهم. “الصحافة هي شرطٌ أساسيٌ بالنسبة لأي بلد حتى يكون فيه حرية التعبير, إن لم يكن عندنا صحافة حرّة فلا اعتبارَ لنا. لا تستخدموا كلمتي “صحفي” و “إرهابي” معاً. من المُحزن  جداً رؤيةُ ذلك.

وأشار العديد من الكتّاب إلى أنه غالباً لا تكون هناك اتهاماتٌ عند احتجاز  الأفراد. يتم إيقافهم دون أية تهمة لأن النيابة العامة لا تجد أيّ شيءٍ تتهمهم به.

جهدٌ آخر

في شهر آب وبعد 25 عاماً أُغلقت صحيفة أوزغر غوندم تماماً, وهي إحدى الصحف التي كان لها جمهورٌ كبيرٌ من القُرّاء الكُرد، لكن الصحيفةَ الجديدة ديموكراسي تألقت من خلال كادرها وقُرّائِها.

 في الجزء العلوي من مبنىً مؤلفٍ من أربعة طوابق يعمل الكتّاب المصورون والناشرون كي تصدرَ جريدةٌ يومية عندها 30 ألف قارئ. ويعمل فريق التصميم والتخطيط في مكانٍ آخر, كما يعمل خارجها أيضاً بعضُ الكتّاب وأعضاءٌ آخرين في الجريدة، بإيمانٍ منهم بأنه كلّما زادت اللامركزية في العمل  كانت فرصةُ البقاء أكبر.

“الحكومة تريد أن تُلغي الحركةَ ــ اللغة الكردية، والأخبار التي ننشرها. يريدون دولةً أحادية، دينٌ واحد، لغةٌ وحيدة”, يقول أحدُ المُحرّرين. “ليس الكرد فقط هم المستهدفون؛ صحفنا أيضاً مُستهدفة. نحنُ نوافقُ على علمٍ واحد، لكننا لا نريدُ أن يُفرضَ علينا دينٌ واحد ولغةٌ واحدة”.

وقد حاربت الحكومةُ التركية الكردَ الانفصاليين لعقودٍ من الزمن. وكان وقفُ إطلاق النار بين 2013 ــ 2015 قد زادَ من احتمالاتِ التوصّلِّ إلى سلامٍ دائمٍ وإلى السماح  للثقافة واللغة الكردية ليتم الاعترافُ بهما كجزء من الهوية التركية. فشل التقاربُ, من ناحية ثانية، بعد الفوز الذي حققه  حزبُ الشعوب الديمقراطي الكردي بالدرجة الأولى في يونيو/حزيران 2015, فقد نال ما يكفي من الأصوات ليضمنَ مقاعدَ في البرلمان، ويُحَرِّمَ أردوغان وحزب العدالة والتنمية من أغلبيتها البرلمانية, ومن الأغلبية المطلقة التي كان يسعى إليها من أجل تغييراته الدستورية. وتجددت الأعمال القتالية بعد ذلك بفترةٍ وجيزة. وجرت انتخاباتٌ جديدةٌ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015, وفاز حزب العدالة والتنمية  بالأغلبية.

من وراءِ طاولةٍ خاليةٍ في غرفةٍ بسيطةٍ بجدرانٍ صفراءَ باهتة تحدّث رئيس تحرير صحيفة Demokrasi الأشيبَ بهدوء. لقد أقرّ بأن شرطة الدولة قد تصلُ في أيّ لحظة وتُقصيه، لكن ثمةَ آخرون سيشغلون مكانَه. “لقد تلقينا الدعمَ من 100 صحفيٍ تطوّعوا لرئاسة تحرير أوزغور غوندم. سبعةٌ وثلاثون منهم الآن يخضعون للاستجواب. لكن ليس عندنا مشكلة في التجديد.

حين غادرنا مكتب ديموكراسي، وقف رئيس التحرير مع مصّوره في أعلى الدرج في ظلّ بابٍ نصفِ مفتوح، والإضاءة من خلفهم. “شكراً على التضامن!” قال لنا.

عندما أفقنا كانت الشمسُ تغربُ. واكتظّت الأزقة اللولبية بالناس، حيث أخذت الأضواءُ ترتعش في المتاجر والشقق التي كانت تستعدّ للغداء، وأما الثلج فقد واصلَ هطولهُ.

زارت جونان ليدوم ــ اكرمان تركيا كعضوٍ في بعثة  PEN الدولية, وهي نائبةُ الرئيس. والآنسة ليدوم هي أيضاً صحفيةٌ سابقة في المنيتور.

The Christian Science Monitor

ترجمة وتحرير: مكتب إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى