ثقافة

عن الأماكن المقدسة في كردستان “معبد لالش”

SONY DSC
SONY DSC

aizidxan-%e2%80%ab1%e2%80%ac aizidxan-%e2%80%ab1%e2%80%acيعتبر معبد لالش واحداً من أهم المواقع الاثرية والمقدسة لدى الكرد عامة والكرد الايزيدين خاصة، يقع المعبد في  منطقة شنكال  في باشوري كردستان، حيث يقع في واديٍ جبلي تحيط به الجبال من جهاته الثلاث فمن جهة الجنوب جبل مشتي، ومن جهة الشمال جبل ارفات، ومن جهة الغرب جبل حزرتي، يبلغ ارتفاع هذه الجبال حوالي (3000 م) عن مستوى سطح البحر، ويبعد المعبد عن مدينة دهوك حوالي (53 كم ).

كثرت الآراء حول تسمية لالش، وهذه الآراء لم تستند إلى أدلة علمية، وتاريخية بسبب عدم وجود دراسات، وتنقيبات أثرية علمية عن معبد لالش لمعرفة تاريخه، ومعنى أسمه، والفترة التي يعود إليها.

 يقول بير خدر سليمان، أن أسم  معبد لالش يرجع إلى أسم قريةٍ تقع بالقرب من مكان المعبد في سهل نينوى ، بينما يفسر البعض إن كلمة لالش  مكونة من مقطعين الأول ( لال ) بمعنـى ( ابـكم ) والمقطع الثانـي (لش) بمعنـى ( اصم)، فيكون المعنى (الصامت ،المكان الهادئ)، وذلك لكون المكان مقدس فكل من يدخل عليـه إن لا يتكلم بل يدعي ربه، ويصلي بصمت .

ويشير أخرون إلى إن معنى لالش  مكون من مقطعين الأول (لا) بمعنى (عند)، والمقطع الثاني ( لش) بمعنى (الجسم)، وبذلك يكون المعنى عند وجود الجسم أو قرب الجسم او عند وجود الهيكل “هيكل شيخ آدي”.

ويقول الكاتب أحمدي فان كلمة لالش مكونة من مقطعين الاول (أيل) السامي، والمقطع الثاني ( أيش ) الفينيقي، وبهذا يكون الاسم قد جاء من اسـم الاله(ئاشا) إله الأرض عند الآريين .

 والرأي الأقرب إلى الحقيقة هو إن تسمية لالش جاءت من ( لاكش) الكوتية والتي تعني( النور،الحياة)، وهنا تعد مدينة لاكش السومرية من أقد المدن بعد مدينة أوروك وأور وتسميتها قريبة من تسمية المعبد، ومن التسميات الأخرى لهذا المعبد، والأماكن المحيطة به (mergeh ) والتي جاءت من ( ميهر )، والتي تعني الشمس، و( كه ) التي تعني موطن، ومكان، وبهذا تكون المعنى موطن الشمسانيين.

وحسب ما جاء في النصوص الدينية الايزيدية، فان تسمية لالش تعني خميرة الأرض حيث كانت الأرض في البداية في حالتها السائلة بعد ان انزل الله فيها لالش.

الوصف العام:

يعد معبد لالش من أقدس الأماكن عند الايزيديين الذي تقام فيه الطقوس الدينية، والاعياد ، والحج، ويعتبر مكاناً لحل المشاكل الكبيرة التي تحدث بين الناس.

لا يوجد حتى الأن ابحاث دقيقة حول تاريخ المعبد، ذلك لعدم اجراء دراسات، وتنقيبات اثرية علمية في معبد لالش.

 هناك أراء وكتابات كثيرة حول تاريخ المعبد لكنها فيها الكثير من الغلط والخطأ.

الرأي الأكثر قبولاً هو إن معبد لالش معبداً ميثرائياً وذلك من خلال اسلوب البناء وغرفة جرار الزيت، والنار التي تشعل بكثرة في المعبد، بالإضافة إلى الرأي الذي يقول ان المعبد كان في الاصل زرادشتياً.

يقول أحد الكتاب، إن الكهوف المحفورة في حجارة الجبل هي المعبد الأساس، وأنه كان موجوداً في القرن الأول قبل الميلاد، وبعد إن ازداد عدد السكان أصبح المعبد صغيراً مما دفعهم إلى بناء مبانٍ فوق الكهوف.

لكن جميع هذه الأراء تعتبر مجرد نظريات إلى أن تبرهن من خلال التنقيبات الأثرية، والدراسات التي قد تحدث في المستقبل.

المعبد مبنيٌ من الحجارة، والجبس، والحجارة ذات احجامٍ متفاوتة فمنها الصغير، والمتوسط، والكبير، وارضية المعبد مبلطة بالحجارة المرصوفة،

 وعند دخول المرء إلى الجبل تضيق مساحة السماء، فيرى نفسه في مكان مختلف، حيث يخيم الصمت على المكان، وشموخ رؤوس قباب المصلحين وأولياء الايزيدية،

 أقسام المعبد

مكان الملائكة

معبد لالش أول موقع استقر فيه الملائكة وهو بمثابة خميرة الكون، ذلك حسب الميثولوجيا الايزيدية ونصوصهم الدينية المقدسة المدونة باللغة الكردية حيث يشير أحد النصوص الدينية إليه (وجعل من لالش الاساس).

التجوال في اروقة وازقة المعبد الداخلية يأخذنا إلى أعماق التاريخ ويحكي عراقة هذا الجبل وكم من مراحل وعصور قد مرت عليه.

أغلب الرحالة والكتاب الذين كتبوا تاريخ هذا المعبد قدموا الكثير من التفسيرات عن أصله واساسه، فنجد الباحث الاثاري عبد الرقيب يوسف يصف المعبد بأنه اقدم موقع قائم في كردستان حيث يرجع تاريخه إلى الالف الثاني قبل الميلاد، وهو امتداد للتراث والديانة الميثرائية التي كانت قائمة ومنتشرة في كردستان.. ويستند الباحث في هذا القول الى وجود العديد من رموز الديانة الميثرائية فيه كما ان هذا القول يؤكده بعض الباحثين الايزيديين إذ يعدون الديانة الايزيدية امتدادا للديانة الميثرائية كونها تتكون من اعراق وتقاليد دينية شبيهة بما كانت موجودة في الديانة الميثرائية.

إلى يمين الطريق وعند مدخل الوادي المؤدي إلى المعبد يوجد ممر مائي (pıra enzel) الذي يعبر عليه كل شخص ايزيدي ينهي مراسيم زيارته للمعبد،وعند مدخل المبعد الرئيس المبني من حجارة مربعة الشكل وبمقاسات متقاربة يرتفع جدار إلى أكثر من أربعة أمتار وبوابة كبيرة مصنوعة من خشب الزان وإلى الجانب الأيمن من باب المعبد الرئيس، حيث مدخل المعبد تعلو صورة الحية السوداء والتي لها مكانتها في الميثولوجيا القديمة لميزبوتاميا، ويقدسها الايزيديون معتقدين بأنها أنقذت البشرية عندما لفت نفسها في الثقب الذي اصاب سفينة نوح عندما اصطدمت بصخرة إثناء الطوفان.. ولهذا السبب نرى إن للحية السوداء في الموروث الديني الايزيدي مكانة كبيرة فهي موجودة في أغلب معابدهم الصغيرة الأخرى ومزاراتهم المختلفة.

أمام باب المعبد ينبسط أيوانٍ واسع بأرضية مفتوحة تم رصفها بالحجر الحلان وبمقاسات واحدة، وإلى اليمين موقع أو ( دكة – بابا شيخ – الزعيم الروحي الديني للأيزيدية حيث يجلس عنده في الأعياد التي تقام في لالش وهو يستقبل زائريه) ثم إلى اليسار مقام بابا جاويش الذي يقوم بمقام الإرشاد الديني في المعبد.

مدخل وأيوان المعبد تتوسطه سبعة أعمدة مبنية من الحجر الجبلي وبارتفاع خمسة امتار حيث يمثل كل عمود، واحدا من الملائكة السبعة، في تسلسل القداسة للملائكة في الديانة الايزيدية، وليس بعيداً عن المدخل تقع بركة ماء تسمى (بركة ناسر دين – احد اولياء الايزيدية) وحول كل عمود يمكن للزائر أن يشد قطعة قماش ويفك عقدة اخرى، دلالة على أن تفتح واحدة من العقد لأخرين يتمنون ذلك.

على جانبي المدخل تتوزع مواقع عدة (قناديل) تشعل كل أربعاء من أيام الأسبوع (وهو اليوم المقدس لدى الايزيدية) ثم قبر الشيخ ئادي كما يعرفه الايزيدية (الشيخ عدي بن مسافر الهكاري الكوردي المصلح الديني الرئيس للايزيدية وهو الذي وضع العديد من المقررات الجديدة في الديانة الايزيدية ثم تتشعب الزوايا وعين الماء الذي يصب في مجرى رئيس داخل كهف عميق ينزل إليه الشخص لسبع درجات بنحو مترين.

وإلى الجانب الأعلى يقع أقدم موقع في المعبد يعرف بـ(خانا ده نا – خل الدنان) حيث كان الزيت المستخدم في اشعال القناديل يحفظ فيه، ولايزال بعض من هذه القناديل موجوداً ويعود تاريخه لاكثر من ثلاثمائة سنة بحسب القائمين على العبد.

علامات ورموز قديمة

معبد لالش طراز فني نادر في العمارة والبناء، يمتزج فيه الفنون الشرقية القديمة  خاصة المرتبط بالتراث الكردي من حيث البناء الواسع، فضلاً عن وجود بقايا علامات ورموز قديمة جداً تعود للقرون الأولى قبل الميلاد وهي مرسومة على الجدار الخارجي ويمكن ملاحظتها (عين الشمس، الحلقة المفتوحة، علامات أخرى لا يمكن ملاحظتها إلا بالتمعن فيها جيداً).

وإلى ذلك تنتشر على جانبي الوادي الجبلي قباب ومزارات عديدة لأولياء الايزيدية ولكل واحدة حجمها الخاص من البناء مع شكل موحد فبعضها مخرطوية تضم أثني عشر مفصلاً دلالة على عدد أشهر السنة في حين تستند أخرى إلى قاعدة مربعة دلالة على الجهات الأربع، وهي تتجه نحو الشمس لما لها من مكانة مقدسة في الديانة الايزيدية، كما تنتشر في الأطراف المساطب والمواقع التي يجلس عليها الزائرون، متوزعة بين كل زاوية وخطوة باتجاه القناديل.

يقول بابا جاويش الذي يعمل في المعبد بمهمة الارشاد الديني والأشراف عليه، إن هناك أكثر من 365 موقعاً يتم فيه اشعال (القناديل – çira) مساء كل يوم أربعاء.

ويوجد في لالش ست قباب كبيرة أبرزها قبة مزار شيخ عادي، شيخ شمس، شيخو بكر وكانيا سبي، وأكثر من أربعين موقعاً ومقاماً مقدسا لأوليائنا العظام، ولكل واحد موقعه ومقامه لدى الايزيدية”، ويصف بابا جاويش المكان بأنه( لامثيل له في المعمورة حيث تشعر النفس فيه بالاطمئنان والرهبة لأنه مقدس في كل شيء)

وفي ليلة الثلاثاء والأربعاء بداية كل سنة جديدة يتحول المعبد إلى شعلة من الضياء حيث يتم إشعال قناديل بعدد أيام السنة دلالة على استقبال الايزيدية للسنة الجديدة بالنور”.

عين الماء المقدسة

إلى الجانب الأخر من الوادي الجبلي الذي يمتد لأكثر من خمسمائة متر في ارتفاع باتجاه الغرب حيث مدخله الذي يبدأ من الشرق نرى موقع (كانيا سبي) الذي يعد اقدس موقع في المعبد وهي بركة ماء صاف تنزل في حوض عبر مدخل بوابة العين وعلى اليمين منها موقع السادن الذي يشرف عليها، وهنا يتوجب على كل شخص ايزيدي أن يرش الماء عليه في هذا المكان خاصة الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد، وهذا الأمر بمثابة التعميد الموجود لدى المسيحية.

قبة الشيخ شمس

 الشيخ شمس من الأولياء الرئيسين للديانة الايزيدية، القبة ترتفع إلى السماء لأكثر من عشرة أمتار وتحتها مرقد صغير وكهف يقال عنه انه كهف(صخري جن).

تنتشر على جانبي الوادي الجبلي اشجار البلوط و الزيتون والتوت التي يرجع عمر بعضها إلى مئات السنين فضلا عن اشجار الحبة الخضرة كلها تمتزج في الربيع بالوانها الزاهية لتعطي للزائر لوحة فنية نادرة.

يقول الكاتب داوود ختاري الذي عد ببلوغرافيا عن معبد لالش إن وصف الباحثين للمعبد كان شيئا مثيرا، لأن كل واحد منهم كان يركز على شكل أو جانب أو موقع منه.

وفي كتابه “معبد لالش” الصادر باللغة الكردية يشير الكتاب والاعلامي الايزيدي حسو هورامي إلى إن معبد لالش كان معبدا دينيا للايزيدية قبل مجيء الشيخ عدي بن مسافر الهكاري إليه لأن فيه مواقع لشخصيات تاريخية تعود لأزمنة قديمة لها مكانة في الموروث الديني الايزيدي.

وعن أبرز الكهوف الموجودة في لالش إلى ثمانية أبرزها كهف (مير براهيم،جنا، جلخانى، هسن جناري  ئومرخالا).

 وكل هذه الاسماء تعود لتاريخ قديم للايزيدية قبل أكثرمن ألفي سنة.

زر الذهاب إلى الأعلى