حوارات

صاحبة “نبضات عنكبوتية”: أبطالي يبحثون عن البهجة*

سميرة سليمان

نجهل طبيعة شعب فلسطين ونتناسى أنهم بشر
حكايات البعض تشكل بادرة أمل لآخرين
قصة وزير الثقافة والإعلام الليبي تشبه أساطير ألف ليلة
“دوجا” عبدالوهاب محمد حكاية وفاء ومحبة ممتدة
 الشاعر “الحساني حسن عبدالله” حلم بالرفاهية فسُجن

“حكايات آسرة تبوح بها كاتبة قررت أن تعمل بالصحافة، في البداية تلقت صدمة مهنية على يد مدربها تسمع وجعها وهي تعترف قائلة: وبرغم أن عملي هو الكتابة، فإني أبداً لم أصل للكتابة التي طمحت فيها يوم أن خطت قدماي لأول مرة القاهرة لألتحق بالجامعة، ووأد الحلم أحد المدربين الذين كانوا يقومون بتدريبنا خلال مرحلة الجامعة على مهارات الكتابة الصحافية، ولم يكن عالمي وقتها يتجاوز أكثر من هذا الذي بث في قلوبنا سموما مفادها أن جريدته الغراء لا يعمل بها من تكون “واسطته” أقل من وزير”.
بهذه الكلمات قدم الناشر – دار سندباد للنشر والتوزيع – كتاب “نبضات عنكبوتية.. حياتي على الإنترنت” للكاتبة الصحافية ولاء عبدالله أبو ستيت، الذي يقع في 96 صفحة.

الكاتبة الصحفية ولاء أحمد عبدالله أبو ستيت عملت محررة ومراسلة لعدد من الصحف المصرية والعربية منذ 2004 وحتى الآن، وشغلت عضوية هيئة تحرير نشرة اتحاد كتاب مصر.
وقد صدر للكاتبة “جبرتي الثقافة الليبية” جمع وإعداد، ولها تحت الطبع: كتاب “حارس بوابة الكبار الأخير” عن الكاتب وديع فلسطين سفير الأدباء، وكتاب “عن عراق الحاضر والماضي” في أدب الرحلة.

الكتاب يضم عشرين حالة تمزج فيهم الكاتبة بين عملها في الصحافة وبين الانترنت الذي كان عاملا رئيسيا لتداول أغلب الحكايات أو حتى ظهورها ومن بين عناوين الكتاب:”وردة من عاصمة الخيام، سوزان طه حسين، وفاء شهاب الدين ، فتاة أحبت أمل دنقل، دوجا عبدالوهاب محمد، وديع فلسطين، موسى حوامدة، من الشعر إلى السجن والعكس، مرشحو الرئاسة الأولى، من تلا إلى أبوظبي، بائع الشعر، من مقصلة الاعدام إلى كرسي الوزارة, المصالحة بين مصر والجزائر ،وغيرها”.

“محيط” حاور الكاتبة التي روت لنا عن الشاعر السجين، والفتاة التي أحبت أمل دنقل، ولماذا آثرت أن يكون الإنترنت موضوع كتابها الأول..إلى نص الحوار:

لماذا اخترتٍ الكتابة عن الإنترنت في باكورة أعمالك؟

الفكرة ليست أن الكتاب عن الانترنت.. أنا فيه أقول” حياتي على الانترنت” والحقيقة أن 80% من حياتي إن لم يكن أكثر كانت في العمل، وكان عملي وبالتالي حياتي مرتبط بالانترنت، الذي منه كنت أعمل وأقدم موادي، وألتقي كثير من الناس، والحكايات، وحتى ما لم يكن الانترنت الأساس فيه، فكان ينتهي به الأمر بالنشر على الانترنت.

فقد قضيت ما يقارب العشر سنوات أعمل في الصحافة، ومنذ نهاية 2007، بدأت العمل في موقع الكتروني فلسطيني، كان نافذتي المختلفة على فلسطين التي بالرغم من أهميتها لكننا نجهل طبيعة شعبها الصامد الطيب، كنا وكنت، نتعامل معه من جانب واحد، نبحث فيهم عن مشاريع الشهداء، وربما ننسى أنهم بشر مثلنا لهم حياة كحياتنا، ومشاعر كالتي في صدورنا، ومن فلسطين، إلى حكايات و شواهد أخرى على هذا الفضاء الالكتروني خرجت منها بحكايات عديدة نشرتها، ثم جاءت أسباب عديدة لتدفعني لأن أجمع عدد من هذه الحكايات الحية لبشر من لحم ودم، في هذا الكتاب “نبضات عنكبوتية”.

ربما أحد هذه الأسباب هو أن أذكر نفسي أولا ومن حولي بأنه مهما تراجعت حالت البشر لانحطاط رهيب، إلا أن الحياة مليئة بنوعيات تحض على البهجة.. هم بشر مثلنا، يعانون، وربما لم يحالفهم الحظ في الحياة ليصلوا إلى مبتغاهم لكنهم في النهاية يسطرون بمسار حياتهم حكاية بها ما يستحق لأن نسمع عنه، وفيها ربما ما لابد علينا أن نوثقه.

والحقيقة قال لي معلمي يوما بأني أتأثر بالحكايات، والمواقف وهو ما يعني إشكالية كبرى خاصة إذا كنت أسعى لكتابة بحثية خالية من النفسانية، ولكن بالرغم من ذلك سرت بهذا المسار رغم ما به من أخطاء البدايات الكثيرة والتي أعترف بها كلها، لكني فيها أقول بأنه وإذا كان المبدع والأديب يسعى لخلق شخوص مبدعة تمس بحالاتها ومواقفها القلوب والعقول، فإن في الحياة بلايين من هؤلاء الذين ربما تكون الحكاية عنهم بادرة أمل لآخرين كما شكلت هذه الحالة عندي.

من ضمن عناوين الكتاب “من مقصلة الإعدام إلى كرسي الوزارة”..ما هي الحكاية؟

“من مقصلة الإعدام إلى كرسي الوزارة” كان عنوان تقرير كتبته عن وزير الثقافة والإعلام الليبي الأسبق “الحبيب الأمين”، وحكايته ليست من أساطير ألف ليلة وليلة، ولا حتى حبكة درامية لأديب حاول استلاب جمهور قراءه.. هي قصة حقيقية جرت في جارتنا “ليبيا” التي عانت وتعاني حتى الآن، وكل سبب معاناتها أن شعبها قرر أن يكون له حضوره الفعلي.

والحبيب الأمين قبل أن يتولى منصبه كوزير للثقافة، في ليبيا ما بعد ثورة 17 فبراير، والتي ما أكثر الأطراف التي لم ترد لها النجاح فقادتها لمستنقع الدم، هو شاعر كان من أحد الدعاة للثورة فبعد أن تابع الجميع ما جرى في تونس من إرهاصات “ربيع عربي”، كتب ليقول :” ما أحوجنا لذلك في بلادي”، وكتب في 14 فبراير 2011 مقالا عنوانه “أجراس على قارعة الصفر” وهو المقال الذي أدى به إلى السجن، لكن لم يكن وحده حيث رافقه مجموعة كبيرة من المبدعين الليبيين، وحكم الأمين بالاعدام في أيام، وارتدى بذلته الحمراء بانتظار تنفيذ الحكم، لكن ما جرى من تغيير ثوري في ليبيا جنبه هو ورفاقه ذلك المصير، وإذا بالثوار يقتحمون سجن بوسليم، ويخرجونه هو ورفاقه.
لا يقف الأمر عند هذا بل أن الحبيب الأمين والذي كان يحكي عن شعره الذي كتبه سابقا بأسماء مستعارة خوفا من بطش النظام به، إذ به يتم اختياره وزيرا للثقافة في بلاده ليكون أحد المؤثرين في المشهد الرسمي الليبي.

1

وماذا عن “دوجا” عبدالوهاب محمد؟

هذه أيضا حكاية الوفاء والمحبة الممتدة، فهي قصة حقيقية لحالة حب ووفاء زوجة الشاعر الراحل عبدالوهاب محمد، السيدة “خديجة النصيري”، قابلتها تزامنا مع الذكرى السادسة عشرة لوفاة الشاعر الراحل في منزلها لأجد حالة وفاء ومحبة منقطعة النظير، لسيدة أخذت على عاتقها أن تستمر في محبتها لرفيق دربها، بل وتعيش حياتها مذكرة به، وبإبداعه.
و”دوجا” هو الاسم الذي كان يفضل الراحل تسميتها به، وتقابلك لمعة جميلة في عينها إذا ما كررته على أسماعها. قابلتها مع الشاعر والمبدع الراحل “بشير عياد”، والذي كان أحد أستاذتي الذين أدين لهم بكثير من الفضل.
وفي الكتاب أترك الحديث للسيدة خديجة لتتحدث عن شاعر فارق قدم حالة شعرية خلدها كثير من الفنانين المصريين والعرب، بدءاً من سيدة الغناء العربي “أم كلثوم”، ومرورا بأصوات كثيرة وصولا بلطيفة، وكاظم الساهر وأصالة، وغيرهم.

”من الشعر إلى السجن والعكس”..ما قصة هذا الشاعر؟

2
عادة ما يجعلك عملك تقترب من حالات انسانية مختلفة، لكن ما لم أتصوره أن ألتقي شاعرا خرج لتوه من السجن ليعود للحياة من جديد بعد أن قضى ما يزيد على عقدين من الزمان لتبدأ حكايته وليعلن إصرارا على البدء من جديد في مسار الشعر.
هذا الشاعر هو الشاعر المصري “الحساني حسن عبدالله”، حكى لي أقرانه الذين عاصروه، ومنهم الراحل “عبدالمنعم عواد يوسف” أنه كان شاعرا فارقا في جيله لكنه حلم باليسر والرفاهية، ولأن الشعراء فقراء.. فإن الشعر لم يكن ليقدم له حالة الغنى التي طمح لها، فتحول إلى اتجاه أودى به إلى السجن، وفي السجن قضى عقوبته وخرج ومن حقه أن يمارس حياته من جديد.
عرفت عنه من خلال الكاتب “عبدالمنعم عبدالعظيم” مدير مركز دراسات الصعيد، ومن كتابته الأولى عنه، ثم إذا به هو أيضا يحادثني بعد سنوات ويرسل لي رقم الرجل بعد خروجه من السجن.
اتصلت بالرجل وكان أجمل ما في الأمر أنه قرأ ما كتبته عنه في سجنه، وأنه وقتها عجب أن يجد من يتذكره ومن يكتب عنه من أجيال جديدة، والتقيته في بيته في نهار رمضاني وأجريت معه حوار متحسسة فيه أن أقدم على ما قد يحرج الشيخ الكبير.

تحدثت في كتابك عن فتاة أحبت أمل دنقل..ما قصتها؟

سيظل أمل دنقل شاعرا فارقا، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنين، وفي ميدان التحرير 2011، عاد الشباب لاكتشاف أمل دنقل مجددا، وأعاد الميدان لصاحب الكعكة الحجرية بهاء مختلف، فأصبح وكأنه حيا، يشارك ثوار مصر في مرحلة مهمة من مراحل حياتهم صناعة المستقبل، ويشدوا من مرقده “لا تصالح”.

وهناك في جانب آخر كانت هذه الفتاة الجامعية التي قرأت عن أمل دنقل ما كتبته الكاتبة “عبلة الرويني” عنه في كتابها “الجنوبي” في طبعته الأولى، التي وجدتها في مكتبة الجامعة، ومنها بدأ خيط المحبة لهذا الشاعر الراحل فبدأت تقتفي أثره شعرا، وتبحث عن كل ما يقربها من حياتها التي انتهت قبل أن تولد هي أصلا.. وصل بها الحال لأن أمل دنقل بدأ يزورها في أحلامها، وحتى يرسل لها رسائل على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، الذي قامت عبره بتدشين صفحة للراحل، مع بعض أقاربه.

جمعتني الصدفة بها منذ ما يزيد على عام لأرى فتاة لا يتجاوز عمرها الـ 20ربيعا تتحدث عن أمل دنقل وكأنها تتحدث عن محبوب بعيد سيأتي وقت ويلتقيا، أو لا داعي أساسا للقاء فهي تستشعره من كل ما كتبه أوما يكتب عنه، من خلال تواصلها مع أسرته التي ظلت تبحث عن طريقه للتواصل بهم حتى استطاعت.
الجميل في الأمر أن هذه الفتاة كبرت الآن وصارت صحفية لكتابتها روح مختلفة جميلة مبهجة.
20170103_014756_9266

من الكتاب نقرأ في المقدمة التى جاءت بعنوان “قبل البداية”

كانت وسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة الافتراضية بمثابة عالم آخر به من المثاليات والجنون ما دفع الكثير منا إلى حالة متناهية من التحرر من حماقات المجتمع، ومن عقده التي كانت تسلط علينا باستمرار نحن معشر النساء اللائي حملن في قلوبهن الكثير من الأوجاع المجتمعية والمشكلات النفسية التي كادت تقضي على كثير منا، وذهبت بالبعض إلى طرق مسدودة.
إذا كان للطبيب النفسي دوره الهام في إصلاح أعطاب النفس الإنسانية وأوجاع الروح، فقد احتل الانترنت هذه المسافة عندي، وصرت أعالج به أوجاع نفسي وآلامها المتجددة. قد يكون عملي في الصحافة ساعدني على الارتباط أكثر بالانترنت، فكنت قبل انشغال مصر بالصحافة الالكترونية أعمل بموقع إخباري فلسطيني، محررة أخبار، أتيقظ على غير العادة في الصباح الباكر لأكون بالموقع، الكائن بأحد أحياء القاهرة في الثامنة، وهو موعد لم ألتزم به أبدا، ليكون بمثابة إشكالية كبرى لدي مع مدير الموقع، الوزير الفلسطيني السابق، والذي كان يزعجه دائما عدم الإلتزام بالمواعيد.
كان أول لقاء لي مع الوزير السابق ضمن حوار سعيت طويلا لتحديد موعده، في العام 2007، و أعجبه إلتزامي بموعد الحوار وقتها، وكذا أسئلتي، التي رأى أنها قوية بالنسبة لـ “فتاة” مثلي تردد من قبل أن يحدد لها موعد المقابلة، اعتقادا منه بضحالة فكرها، فما كان منه إلا أن عرض علي بعدها العمل في الموقع الإخباري الذي يشرف عليه، لأدخل إلى “العالم الفلسطيني” من أوسع أبوابه.

:::::::::::::::::::::::
* عن موقع محيط المصري

زر الذهاب إلى الأعلى