ثقافة

حركة الترجمة ودورها في النهضة الثقافية

wergerandin-%e2%80%ab1%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac wergerandin-%e2%80%ab1%e2%80%ac wergerandin-%e2%80%ab29536137%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac منذ فجر التاريخ وتعاقب الحضارات في الانهيار والظهور من جديد، و اكتشاف الكتابة كأعظم انجاز للإنسانية وللفكر الإنساني، تراكمت التجارب والنتاجات الفكرية والثقافية للشعوب وكوّنت هذه التجارب والتراكمات الثقافية القاعدة الأساسية لمعظم الثقافات البشرية المختلفة والمتنوعة دون تمييز أو تغليب ثقافةٍ على أخرى, وتناقلت المنجزات الإنسانية بين الشعوب عن طريق الكتابة بلغات تلك الشعوب ،إلا أن محاولاتِ بعض  المتسلطين والمستبدين سلبَ ونهبَ هذه الثقافات وجعل الموروث الثقافي الإنساني محصوراً بلغتهم أو بكيانهم فقط ومحاولتهم طمس وانصهار الثقافات الأخرى وأحياناً الوصل إلى حد إبادتها.

 من هنا نستطيع القول بأنه لا أحد, مهما بلغت قوته وجبروته أن يدوم بسلطته هذا، إن تناقل الخبرات والتجارب والثقافات عبر ترجمتها كان لها دوراً في النهوض بالإنسانية عامة.

فعبر التاريخ لعبت الترجمة دوراً مهماً في نقل المعارف والثقافات بين الشعوب وتبادلها، ولاشك أن شعباً مثل شعبنا الكردي والذي عانى الكثير وأصبح ضحية سياسات بعض المستبدين، واليوم وبعد نضالٍ مرير ها هو الشعب الكردي  ينهض من بين الأنقاض ويبدأ بثورته وعلى كافة المستويات ولعل الحاجة إلى إعادة إحياء ثقافته ولغته من أهم جوانب هذه الثورة خاصة في روج آفا.

حول هذا الموضوع ودور وأهمية الترجمة في النهضة الثقافية واللغوية قمنا بزيارة مشروع  Projeya hinarê ya çandê للترجمة والثقافة والتقينا بـ عبدو شيخو أحد الأعضاء المؤسسين لهذا المشروع وأعددنا الحوار التالي:

 في البداية حبذا لو تعرفنا بك، وتسلط لنا الضوء على  مشروعكم هذا؟

 افتتاح دار للترجمة الثقافية ليس وليد اللحظة, هذا المشروع بدأ بفكرة بذلنا فيها الكثير من الجهد والبحث

في المقدمة أُدعى عبدو شيخو عضو مشروع hinarê الثقافي، في نهاية العام المنصرم 2016 تم افتتاح هذا المشروع الثقافي في مدينة قامشلو ، بطبيعة الحال كان هناك تحضيرات مسبقة قبل الافتتاح. بذلنا الكثير من الجهد في سبيل انجاز هكذا مشروع ، مشروع افتتاح دار للترجمة الثقافية ليس وليد اللحظة, هذا المشروع بدأ بفكرة بذلنا فيها الكثير من الجهد والبحث قبل عامين تقريباً إلى أن تبلورت هذه الفكرة في إطار مشروعٍ ثقافي يختص في مجال الترجمة والبحث الثقافي بشكلٍ عام،  مشروعنا هذا مستقل, قام به مجموعة من الأشخاص, وأنا واحد من هذه المجموعة التي ضمت كل من زهراب قادو، ومالفا علي، بالطبع  أبواب هذا المشروع مفتوحٌة للجميع ولأي عملٍ يخدم الثقافة والبحث الثقافي ، لأن المشروع لا يقتصر أو يرتبط بجهة معينة، مشروعنا هذا مشروع لكل أبناء شعبنا ونستقبل كل النتاجات الثقافية، طبعاً هدف مشروعنا، هو إرداف القاعدة الثقافية الكردية بنتاجات ثقافية متعددة في مجال اللغة والأدب والثقافة بشكل عام .

بالنسبة للجانب الأبرز في هذا المشروع هو جانب الترجمة فله الاهتمام الأكبر، وأغلب جهودنا ترتكز في هذا المجال

هناك عدة أقسام يتضمنه المشروع ، القسم الأساسي هو قسم الترجمة إلى اللغة الكردية، وقسم الفلكلور الكردي وقسم الأبحاث والأرشفة، وقسم النشر العام, حيث نقوم بنشر معظم النتاجات الثقافية بعد أن ننهي ترجمتها إلى اللغة الكردية.

بالنسبة للجانب الأبرز في هذا المشروع وهو جانب الترجمة فله الاهتمام الأكبر، وأغلب جهودنا ترتكز في هذا المجال, طبعاً هذا لا يعني بأننا لا نهتم بالجوانب أو الاقسام الأخرى من المشروع، ونظراً لعدم وجود مراكز خاصة للترجمة في روج آفا، ولمدى أهمية الترجمة في عصرنا الحالي ولإغناء اللغة الكردية والثقافة الكردية بشكل عام، كان لابد من مشروع ثقافي يهتم بترجمة النتاجات والكتب التاريخية والأدبية وغيرها من المطبوعات المكتوبة باللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية والعربية ، وترجمتها إلى اللغة الكردية، فتطور حركة الترجمة حتماً سيكون له تأثير واضح في تقدم اللغة الكردية بشكل خاص, وذلك نظراً لما تعرض له الشعب الكردي من ظلم واستبداد على يد الأنظمة الحاكمة وكانت حملة الاستبداد والإبادة هذه تستهدف بالدرجة الأولى اللغة الكردية والتي كانت في طور الاضمحلال.

 لو عدنا بالتاريخ إلى عصورٍ سابقة نرى أن بعض الأمم والشعوب قد اتخذت من الترجمة عن الأمم الأخرى وسيلة للتطور والنهضة

الأوربيين على سبيل المثال اتخذوا من ترجمة الكتب والمؤلفات الشرقية بشكل عام وسيلة لبناء النهضة الأوربية، وكانت لحركة الترجمة دور كبير في تقدم وتطور أوروبا في كافة الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية والعلمية، وكون الشرق الأوسط كان منبع الحضارات القديمة لذا كانت تكتنز بمورثٍ ثقافي كبير .

كذلك اعتمد العرب أيضاً على الترجمة, حيث قاموا بترجمة الكثير من المؤلفات التاريخية والسياسية والثقافية والمكتوبة بلغات أصحاب هذه المؤلفات إلى اللغة العربية, فخلال العهود الإسلامية العباسية والأموية كانت هناك مكاتب وأدوار خاصة بالترجمة, وقد كانت هناك مدارس خاصة للترجمة، الكثير من المترجمين كانوا ذو أصولٍ كردية ولعبوا دوراً هاماً في تطوير الثقافة وحركة الترجمة إلى العربية وألفوا الكثير من الكتب المتعلقة بالأدب والتاريخ والعلوم بشكلٍ عام في تلك الفترة باللغة العربية نظراً لأن اللغة العربية كانت اللغة السائدة في تلك الفترة.

لذا فأهمية الترجمة تأتي من هذا المنطلق وهو الاستفادة من تجارب هذه الأمم وفي كافة المجالات والتي كانت وفي وقتٍ ما تستفيد من التجارب والنتاجات الثقافية والعلمية التي كانت تذخر بها حضارات ميزوبوتاميا.

كذلك فإن العديد من الرحالة والباحثين والمؤرخين والمؤلفين  الأجانب الذين زاروا المنطقة خلال فترات ومراحل تاريخية عدة وحتى في وقتنا الحاضر، وخلال هذه الثورة قد ألفوا الكثير من الكتب عن تاريخ وجغرافية وثقافة هذه المنطقة بشكل عام، لكن معظم هذه المؤلفات التي كتبوها كانت بلغاتهم ، فعلى سبيل المثال خلال فترة سيطرة فرنسا على المنطقة ، كُتبتْ العديد من المؤلفات باللغة الفرنسية ومن قبل الفرنسين أنفسهم عن المنطقة بشكل عام, لذا من المهم ترجمة هذه المؤلفات والوثائق والتي لها أهمية كبيرة في معرفة الأحداث والوقائع في المنطقة بشكلٍ عام خلال تلك المرحلة.

إن ترجمة كتب ومؤلفات الباحثين والكتّاب الأجانب إلى اللغة الكردية لا يعني أن الثقافة الكردية بشكلٍ عام غير غنية بنتاجاتها ، لكن لما لحركة الترجمة من أهمية لأحياء الثقافة والحركة الثقافية بشكلٍ عام، وتُعتبر الترجمة كما تحدثنا عنها في البداية ضرورية في هذا المجال للدور الكبير في إثراء هذه الثقافة، ولاريب في الاستفادة من التجارب المتقدمة للآخرين وفي كافة المجالات، لا بل إن الترجمة من أي لغة إلى اللغة الكردية تعتبر تقدماً وتطوراً في مجال تدعيم اللغة الكردية أيضاً.

لهذا شهدنا وعلى سبيل المثال كيف أن اللغة العربية تطورت وتقدمت وأصبحت تواكب مقتضيات المرحلة المعاصرة، ففي العصر الإسلامي كان المترجم يُكافَأ بمقدار من الذهب تُقدّر بمدى العمل الذي قام بترجمته إلى اللغة العربية.

لذا من الضروري إحياء الثقافة الكردية التي هُمّشت وتعرضت للصهر والسلب والنهب بشكلٍ ممنهج من قبل الآخرين، وذلك لطمر هذه الثقافة الموغلة في التاريخ والتي تعتبر من أقدم الثقافات في المنطقة عموماً ، لذا فإن أي عمل أو مشروع في هذا المضمار الثقافي يجب أن يكون بهذا القدر من الأهمية التاريخية، ودور حركة الترجمة تأتي من هذه الأهمية.

المشروع وكما ذكرت في البداية انبثق من جهود ذاتية دون مساعدة من أحد، وقد ساهم كل أعضاء هذا المشروع في انجازه

إن حركة إعادة إحياء الثقافة الكردية إلى واقعها ومسارها الحقيقي يبدأ بتعلم وبتدريس اللغة الكردية في المراكز والمدارس والجامعات والمعاهد وفي أي مكان ، وهذا يساعد على الانبعاث من جديد.

هذا المشروع, وكما ذكرت في البداية, انبثق من جهود ذاتية دون مساعدة من أحد، وقد ساهم كل أعضاء هذا المشروع في انجازه، ونحن بدورنا طلبنا الدعم والمساندة من الجهات والمؤسسات الكردية في روج آفا وفي الخارج، ومن المنظمات الأممية ، بالطبع نقبل الدعم والمساندة من أي جهة تثمن هذا المشروع وتقدر أهميته، لكن دون أن تفرض وتملي تلك الجهة شروطاً تؤثّر على مشروعنا ، نعم نقبل المساندة والدعم ونحن بحاجة إلى ذلك كون مشروعنا مشروع ٌ يقع في خدمة الثقافة, والهدف منه هو إثراء وإحياء ثقافة ولغة شعبنا، ونستقبل كل من يقدم جهداً في هذا المجال، لكن بدون شروطٍ تجحف بحق هذا المشروع.

العمل تطوعي في المشروع ، حتى أن دورات اللغة الكردية هنا في داخل المركز تطوعية ، ولكن مع الأسف حتى اللحظة لم تقدّم أي جهة الدعم اللازم والمرجو، ربما لأننا لا نقبل الدعم المشروط.

لنا رؤية واستراتيجية في مجال الترجمة وتطوير هذا المشروع في المستقبل والمراحل القادمة, وذلك من خلال فتح دورات للغة الكردية خاصة في مجال الترجمة الأكاديمية, وذلك لبناء كادرٍ يمتلك مهارات وقدرات لغوية في هذا المجال، طبعاً ليس هناك اهتمام بهذا المجال في روج آفا وخارجها وربما يعود السبب إلى أن المرحلة الراهنة مرحلة تبرز فيها الجوانب السياسية والعسكرية، كذلك فإن الإدارة الذاتية في روج آفا لها اهتمام كبير بمجال الثقافة والأدب، لكنها لم تولي الاهتمام بهذا الجانب، إضافة إلى أن هناك العديد من مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية الكردية لكنها ليست صرفة باللغة الكردية ، هنا أرى من الضروري أن تكون هناك مراكز للأبحاث باللغة الكردية والإنكليزية لما لها من أهمية على المستوى الخارجي الدولي.

حبات الرمان تشير إلى مدى ترابط أقسام هذا المشروع ببعضها.

هذه التسمية للمشروع hinarê  وهي تعني باللغة العربية الُرمّان، جاءت لما للرمان من معنى في الثقافة والفلكلور الكردي ككناية وتشبيهات، هذا المشروع الفتي الذي نقوم به يشبه ثمرة الرمان في صفاتها وقيمتها بيننا كشعب كردي ، وحبّات الرمان تشير إلى مدى ترابط أقسام هذا المشروع ببعضها .

بالنسبة للنتاجات الأدبية التي قمنا بترجمتها خلال هذه الفترة القصيرة من عمر المشروع، كتاب hezkiriya xwedê للكاتب ابراهيم سيدو ايدوغان وهي مجموعة قصصية، أيضاً  قمنا بترجمة رواية berf عن الفرنسية للكاتب ماكسينس فرنينان، وهناك ست نتاجات أخرى في قيد التحضير والترجمة ستنشر في وقت قريب، اثنان منهما عن الفنان الراحل محمد شيخو تضم مجموعة من الأعمال الفنية “الاغاني والنوط والموسيقية ” للفنان الراحل، كذلك قمنا بترجمة كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي إلى اللغة الكردية ، وكتاب aram my name is aram لـ وليم سارويان عن اللغة الانكليزية وكتاب ملحمة جلجامش لفراس السواح ترجم كعمل مسرحي، وكتاب عن منطقة كوجرات كتبه الشهيد حسين جاويش.

هذه النتاجات حالياً نعمل على انجازها ، وخلال الفترة القادمة سيكون لنا اهتمام كبير بالفلكلور الكردي في روج آفا، وسيكون لنا نشاطات متعددة في هذا المجال.

في الختام مشروعنا نابعٌ من الضرورة التاريخية, واستجابةً للحاجة الملحّة لإعادة إحياء الثقافة الكردية, خاصة أن المنطقة تمُّر بمرحلة جديدة للشعب الكردي الدور الأبرز فيها،  ونحن نعيش ثورة حقيقية وعلى كافة الميادين.

 بدورنا نشجع  ونقيم أي عملٍ يقع في المضمار الثقافي والأدبي واللغوي، وإلى جانب ما يقدمه شعبنا من شهداء في سبيل الدفاع عن هويته ووجوده ، يجب أن تُرفدَ هذه البطولات بثورة ثقافية عارمة، تكون قاعدة لنهضة ثقافية شاملة.

دلبرين فارس

زر الذهاب إلى الأعلى