تقارير

حال أسرة روج آفا ومشكلاتها

mhmed-salih-muslim penabir-1

A migrant's family creeps under a barbed fence near the village of Roszke, at the Hungarian-Serbian border on August 27, 2015. As Hungary scrambles to ramp up defences on its border with Serbia, refugees continued to surge into the country in record numbers, police figures confirmed. AFP PHOTO / CSABA SEGESVARI        (Photo credit should read CSABA SEGESVARI/AFP/Getty Images)

penabir-3 penabir salih-abasتحقيق: سيدار رمو

كلُّ فردٍ منّا ينتمي إلى أسرة تحتضنه وتقوم على أموره في الصغر، تعلمه وتزرع في لبه عاداتها وثقافاتها المتوارثة، وترسخ فيه الأخلاق والقيم وتوجهه إن سار في غير المسار المراد، حيث يأتي انتماء الفرد للأسرة فعلاً طبيعياً أمام مجتمعية الإنسان وعلاقاته مع الوسط المحيط به، التي لا غنى له عن وسطه الاجتماعي والأسري، وإن كان الاستغناء حتى صار هذا الفرد منبوذاً أو محكوماً عليه بالإبعاد.

وما دام الإنسان يتشارك ووسطه في الحياة التي هي بمنأى عن الإسراف الزائد في التفصيل والشرح باعتبارنا ككل وكفرد ننتمي إلى وسطٍ أسريٍ واجتماعيٍ متشابك، فأن لكل فرد واجبات يمليها عليه واقعه ووجوده ضمن بيئته، وحقوقٌ عليهِ الحصول عليها وممارستها ليتابع سيرورة حياته.

 وفي المجتمع الشرق أوسطي جميعنا وبدون أي استثناء متعلمون على ثقافة الاتكال على مَن هم أقوى منا، ودائماً ننتظر الإشفاق علينا من الغير القوي، وبهذا توجهنا بعيداً عن تاريخنا الذي ينبذ ثقافة الاتكال، ولكي نعود إلى مسارنا التاريخي لابد من تحسين أوضاعنا، وفي تحقيقنا هذا سوف نتطرق إلى جملةٍ من المشكلات التي تعانيها أسرتنا في روج آفا. إلى هذا وإيماناً منّا في صحيفة الاتحاد الديمقراطي أعددنا هذا التحقيق آملين في إيصال صوت شعبنا إلى من هم أيضاً أبناء شعبنا ولكنهم أخذوا على عاتقهم إدارة الشعب وخدمتهم ولكم هذه العينة من الآراء:

علينا ألا ننسى النازحين وما يعانونه

وفاء نازحة من حمص في مخيم روبار بمقاطعة عفرين:

تسرد الأم وفاء قصة معاناتها اليومية في تأمين قوت المعيشة لطفلتيها التي توفت شقيقتهم الثالثة في قصفٍ بالبراميل المتفجرة في مدينة حمص، والتي تركتها الأم لكونها بقيت تحت الأنقاض ولإنقاذ أرواح الطفلتين الآخرتين. مازالت وفاء العلي الحمصية تتحسر وتبكي على فتاتها ” شهد ” التي خسرتها في القصف، وتقول “بنتي راحت، وهلق عندي بنتين ” علياء وسيلفا ” كيف بدي عيشون”، الأب توفى آثر مرضٍ عُضال في بدايات الأزمة السورية. وتعمل وفاء في المنزل، تخيط خيوط الصوف الملونة، وتعمل على تعليم أطفالها من أجل تأمين مستقبلٍ أجمل لهم، أقله أجمل من مستقبل وفاء وفق قولها. تقول عن الصعوبات التي تواجههم كعائلة يتيمة في مقاطعة عفرين بأنهم يفتقرون إلى مُعيل، بالإضافة لقلة الدخل اليومي والذي يبلغ في حده الأقصى 1000 ليرة سورية أي ما يعادل دولارين أمريكيين. تشير وفاء إلى أنها كانت تتلقى بعض المساعدات من بعض الجمعيات، ولكنها تقول بأنه ومنذ 3 شهور لم تتلقى أي مساعدة من أي منظمة كانت، وتنوه في سياق حديثها إلى حاجة أطفالها لبعض المستلزمات الشتوية مع قرب الشتاء. وتتحدث الأم الحمصية النازحة لمقاطعة عفرين بأن الهجمات التي يقوم بها جيش الاحتلال التركي على أهالي المقاطعة لها تأثيرٌ كبيرٌ على الحياة المدنية في المقاطعة، والتي تعج بالنازحين وتشدد على أن تركيا تطالب الاتحاد الأوروبي والعالم بالأموال والمساعدة من أجل النازحين، وتحتل أراضي سوريا من أجل مناطق آمنة للنازحين، وفي نفس الوقت هي تهاجم عوائل النازحين في مقاطعة عفرين.

وتعيش عائلة وفاء في منزلٍ يبلغ أجرته 15 ألف ليرة سورية شهرياً، بالإضافة لدفع فواتير المياه والكهرباء ومصاريف دراسة طفلتيها.

نحن الآن بأشد الحاجة إلى الصراحة المطلقة

صالح عباس – رب أسرة تقطن مدينة قامشلو:

الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمعات أياً كانت، وهي الدعامة الأولى لبنائه ومن بين هذه المجتمعات المجتمع الكردي، ففي ظل الأوضاع الراهنة والعصيبة التي يعيشها الشرق الأوسط ومن بينها الكرد، والمعروف عن المجتمع الكردي بأنه من المجتمعات المحافظة والمحبة للأسرة وأواصرها، وبحسب التعريف المتداول للأسرة بأنها الخلية الأولى في المجتمع، وهي مؤلفة من أبٍ وأمٍ ومن الأولاد وبالطبع نتيجة العيش ستخلق مشاكل وصعوبات غالباً ما تعاني منها أكثر الأسر الكردية سواء كانت مشاكل اقتصادية أو اجتماعية أم من ناحية الأولاد والأهل والأقارب، فهذه تُعتبر من أكثر المشاكل الشائعة بين المجتمع وخاصةً تلك التي تنشب بين الكنة والحماية تؤدي في أغلب الأحيان إلى الانفصال، كما وهناك مشاكل بين الرجل والمرأة، مما يخلق الشرخ الدائم بينهما لعدم تطابق الآراء والأفكار في هذ الحالة تخسر الأسرة كثيراً، وإن لم تجد لها حلول ترضي الطرفين فيضيع الأطفال بين الأرجل (دعوسة بين الرجلين)، وإحدى أهم المشاكل التي تعاني منها الأسرة الكردية ولادة طفل عاق مما يجر الأسرة إلى الشجار، حيث تلوم الأم وتضع المسؤولية على عاتقه بأنه أفسد وفي نفس الوقت الأب يلوم الأم بأن دلالها الزائد أوصل إلى هذه النتيجة الضارة؛ وهناك الكثير الكثير من المشاكل من العقلية السلطوية للرجل إلى المرأة الموظفة والعاملة، إلى شيء آخر أريد أن اتطرق إليه وخاصة موجودة في المجتمع الشرقي، وبما أننا جزءٌ من هذا المجتمع تعيشه أغلب الأسر ألا وهي إنجاب الزوجة للبنات وكأنها هي المسؤولة الوحيدة في اختيار مولودها، فتبدأ من هنا المشاكل والتجريح واستخدام الألفاظ غير اللائقة من عائلة الزوجين، ويلفت ويشد الانتباه في الوقت الراهن بروج آفا ظاهرة تفكك الأسرة وتشتتها بسبب الهجرة والسفر، مما أدى إلى تفكيك الروابط والعواطف الأسرية، وبالنتيجة هذه الأسباب كلها يجب معالجتها بالحوار والطرق السلمية والمصارحة التامة بين الزوجين، بحيث لا يخفي أحدهما شيء عن الآخر حتى ولو كان غير ضروري في اعتقاده، ونحن في هذه الأوقات الصعبة والظروف الراهنة بأشد الحاجة إلى الصراحة المطلقة في جميع المجالات لا على الصعيد الأسري فقط.

في كوباني أصبحنا نحن العائدون إليها أسرة كبيرة

صالح محمد مسلم الملقب بأبو كالي مواطنٌ من مقاطعة كوباني:

وضع كوباني يختلف عن المقاطعات الأخرى لاسيما بعد وقائع الحرب التي عاشتها كوباني، وما خلّفت هذه الحرب من خرابٍ ودمارٍ. وفيما يتعلق بالاقتصاد فأنه في كوباني تقوم على عدة موارد أهمها الزراعة التي تناقصت في عدة أعوام ماضية لتناقص كمية هطول الأمطار. وموارد أخرى هي الثروة الحيوانية وأشجار الزيتون، كما أن الاقتصاد بات يعتمد في الفترة الأخيرة على الأموال الآتية من المهجر.

ما تعيشه منطقتنا اليوم يمكن اعتباره ظرفاً استثنائياً، وفيه تظهر صعوبة المرحلة من خلال زيادة الأسعار بفعل الحصار مقابل ثبات الراتب الشهري الذي لا يتكافئ مع المصاريف الكثيرة للأولاد، وقلة فرص العمل الأمر الذي يحفز الشباب من حينٍ إلى آخر على الهجرة، كما أن تقلص مبادرة التجار في شراء السلع أو بناء المشاريع لفكرهم أن بإقدامهم على شيء كهذا لن يجنوا سوى خسارتهم لأموالهم، أضف إلى ذلك احتكار التجار بعض السلع مما يؤدي الارتفاع الهائل في الأسعار فيزيد الطين بلة.

لكي ندفع اقتصادنا إلى النهوض لابد من القضاء أولاً على الاحتكار الذي يزيل معه الفساد، ثانياً توفير فرص العمل للشباب، ثالثاً تقديم التسهيلات من الجمارك وغيرها للتجار ليحفزهم على فتح مجال المنافسة وبالتالي التقليل من ارتفاع الأسعار الجنوني، رابعاً افتتاح المصانع والمعامل بشكل أكبر وجذب الشركات الأجنبية للعمل في مناطقنا، خامساً تفعيل غرفة التجارة وبذلك أعتقد بأننا سنبني اقتصاداً متيناً لنتغلب به على الظروف القاهرة.

من الناحية الاجتماعية يمكننا القول أنه في أعقاب الحرب التي جرت في كوباني تفككت العائلة وتشتت، بعض أبناء الأسرة عادوا إلى كوباني فور تحريرها وآخرون فضّلوا البقاء في مدن باكور التي التجأوا إليها وقتما ازدادت ضراوة الحرب، وقسمٌ ثالثٌ اتجه نحو أوروبا والمهجر، فعلى سبيل المثال أنا الأخ الوحيد من بين أخوتي الذين عادوا ليكملوا حياتهم في كوباني، في الوقت الذي تشتت فيه أخوتي ما بين تركيا والمهجر من أميركا وأوروبا.

لكن هنا في كوباني أصبحنا نحن العائدون إليها أسرة كبيرة، علاقة الجار بالجار تحسنت بشكلٍ أكبر مقارنةً بأيام ما قبل الحرب نتشارك أفراحنا وأتراحنا، نفرح ونحزن معاً، إلى هذا فأن كل مواطن من كوباني يعتبر جاره أخاه، وأكثر العبارات التي تتردد على ألسنة أهالي كوباني هي: “أخي الذي هو من لحمي ودمي ضعفت علاقتي به بينما جاري الذي يتقاسم معي لحظتي ويشاركني همي وغمي ويفرح معي في فرحي، هذا الجار يعتبر أخي لا الأخ البعيد”.

فالعلاقات الاجتماعية في كوباني لازالت قائمة لكن العلاقات بين الأخوة قد ضعفت وأرجو ألا تضعف هذه الأخيرة بشكل أكبر.

حال أسرتنا المهاجرة

يشكو الكثير من الآباء من ضياع أبنائهم وتعرضهم لموجة الانخراط في ثقافة المجهر وتعريض ثقافتهم الأصلية للذوبان والصهر، فيقول الأب لصاحبه في روج آفا أو لأحد أقربائه شاكياً همومه:” بأن ابنه لم يعد ابنه فقد أصبح ملكاً لألمانيا أو فرنسا أو سويسرا أو السويد أو.. أو على اختلاف البلد الذي هجروا إليه، يحب ثقافة وعادات هذه البلدان، بينما يتنكر لهويته وعاداته التي تربى عليها. بينما الابن يستمتع بحياته هناك ويدعو رفقائه ممن هم في الوطن على اللحاق به وتبني حياة كالتي يعيشها هو، وفي الحقيقة ما هو إلا مسخر لطاقاته في خدمة هؤلاء الأجانب أو يقبع في قاع المخيمات ويقتل في نفسه مواهبه وقدراته. أما المرأة والتي هي الأم في حالات كثيرة سمعنا عنها أنها تترك الزوج كونها حصلت على ذرةٍ من الحرية المصطنعة. التي تفرض بالقوانين بينما الحرية الحقيقية تتأتى من حياة ندية تبنيها مع شريك حياتها فيتخطيان بذلك مشقة الحياة وصعوباتها.

من وقائع مجتمعنا

في الفترة التي حكم البعث سوريا فرض على الكرد كما باقي شعوب وطننا سوريا سياسة تقشفية بامتياز تم خلالها تغيير منحى تفكير السوري والكردي خصوصاً إلى كيفية حصوله على لقمة عيش أولاده اليومية، وكيفية تحقيق اكتفاء ذاتي في ظل وجود راتب ﻻ يتعدى حدوده إيفاء الحاجات لتوفيره والتي تعني بالعامية (ما بيبقى من الراتب شي لنصمدو فوق بعض) إلى جانب الاحتكار السياسي الذي مارسه البعث ضدنا أدى إلى ظهور دور الشراكة الاستغلالية القمعية في مجتمعنا بنحو أكثر وضوحاً من أي مجتمعٍ آخر، ومن كانت بداية الهشاشة التي أصابتنا وخلخلت علاقاتنا.

لكي نرتقي:

لكي نرتقي الضرورة تحتم علينا باعتبارنا فرد ضمن أسرة ومجتمع أن (نقدم لنحصل على) نقدم ماذا؟ لنحصل على ماذا؟ هذان السؤالان المهمشان يحتويان حياتنا ويضمنون سيرورتها، وإن كانت الصيغة بالإيجاب فأننا فعلاً سنتحول إلى الرقي بعيداً عن الإذلال، وإن كانت الصيغة بالسلب فأننا نتوجه إلى ما هو أبعد من الإذلال، لأننا سنحقق الفشل الذريع على مستوى الفرد والذي بدوره سيصدّره إلى أسرته والتي هي جزءٌ مكمل للمجتمع.

ولكي نرتقي فإن عينةً من مواطني روج آفا يتوجهون بالطلب إلى الجهة القائمة على شؤون روج آفا، والتي هي الإدارة الذاتية الديمقراطية بتنمية الاقتصاد بشكل أفضل، مما يتيح لإدارتهم تطوير حياتهم التي لم تعد ملكهم وحدهم، إنما ملك للمرحلة العصيبة التي نمر بها وملك للنموذج الذي يعيشون في ظله، وقد قدم هؤلاء المواطنين عدة مقترحات يمكن الاستفادة منها وتطبيقها على الأرض.

 كما أن مواطنون آخرون لم تتح لنا الفرصة لوضع آرائهم ضمن تقريرنا هذا، قد طالبوا الترسيخ بشكلٍ أكبر وتقديم التسهيلات والدعم للتعاونيات التي بدأت منذ أكثر من عام تلوح في أفقنا الاقتصادي. هذا على الصعيد الاقتصادي.

أما على الصعيد الاجتماعي – وهو الأهم – فأننا بحاجةٍ إلى عقدِ المزيد من العلاقات الاجتماعية وتقويتها لاسيما أننا تعرضنا جميعاً لفقدان الأحبة أو الافتراق عنهم كي نسد الفراغ الحاصل في علاقاتنا الهشة، ولا ننسى الناحية المعنوية التي تبقي الإنسان صامداً، فعلينا تغذيتها وأن ندعم أنفسنا لنكون أقوياء في مواجهة موجة الدمار والضياع التي تتعرض سوريا. لهذا يجب علينا أن نبدأ من أنفسنا لكي نحصد الازدهار ولكي نرتقي..

زر الذهاب إلى الأعلى