ثقافة

جنولوجي (2-2)

zozan-abrahimفي الوقت الذي حاول علم الاجتماع التطرق للمشاكل الاجتماعية، إلا أن تطرقه لقضية المرأة كانت وما تزال متجزأة على ذاتها، وعاجزةً عن التعريف الشامل لما تعانيه المرأة من معاناة. هذا ولم يقم علماء الاجتماع وحتى الآن بوضعِ توجيهٍ قويٍ من أجل الوصول إلى الحل. حيث لم يتخلص علم الاجتماع من معالجة هذه القضية برؤية جنسوية. فالنظرة الوضعية السطحية والضيقة مازالت سائدة. فإما أن يتم ربط المشكلة بمشكلة الفقر، أو التخلف أو العنف أو أو…. دون أن يتم البحث في جميع مجالاتها بما فيها الإيديولوجية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، النفسية، الاجتماعية، الأخلاقية وغيرها من الجوانب.

 مما يؤدي إلى أن لا يتم التعريف التام بالمرأة، لذلك الحلول التي يطرحها علم الاجتماع الحالي تكون مثل حبوب الأسبرين لمرضى السرطان، فيؤدي إلى تسكينِ مؤقت. في حين يتأزم وضع المريض يومياً وبشكلٍ أكثر. لذلك في الحقيقة طرح( jineoloji ) أي علم المرأة بقدر ما هو نقدٌ لما يعيشه علم الاجتماع الراهن من ضيق، فإنه سيشكل جوهر سيسيولوجيا الحرية أي علم الاجتماع المتحرر. هذا وسيلعب دوراً كبيراً في الكشف عن الكثير من الحقائق التي عملت الذهنية الرجولية والمجتمع الجنسوي على إخفائها. بالرغم من أن علم المرأة يعتبر نظرية جديدة، ولم يتم البعض وضع إطارٍ لماهية القضايا التي سيبحث فيها، إلا أن هذا لا يعتبر عائقاً أمام إبداء الرأي والمناقشة على المجالات التي سيقوم هذا العلم بالتوقف عليه. نتيجة المناقشات التي أجريت في أكاديميات المرأة تم الوصول إلى بعض النظريات. وأرى بأنه العمل على تعميق هذه النظريات وتوسيعها، سيكون له تأثيراً إيجابياً من أجل الوصول إلى الشمولية المطلوبة. فالنظريات الأساسية هي أن علم المرأة سيتوقف في البداية على علم التاريخ. لأنه ومن أجل أن تعرف المرأة أين، متى وكيف أضاعت مكانتها في المجتمع ولأول مرة في التاريخ، عليها أن تكشف النقاب عن التاريخ المكتوب، وأن تعمل على كتابة التاريخ من جديد، لأن التاريخ الموجود بقدر ما ينكر دور المرأة يقوم بوضع الكثير من الرؤى المشوهة والكاذبة بحق التاريخ البشري، ليتم بذلك إخفاء الحقيقة حيث يتم البدء بالتاريخ من عهد السومريين أي قبل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، في حين يتم إنكار تاريخ المجتمع الطبيعي والذي كان يتمحور حول المرأة لمدة 12 ألف سنة قبل الميلاد. أيضاً من المحاور الأساسية التي سيتوقف عليها علم المرأة هو التوقف على علم المعرفة وعلم الوجود وعلم البيولوجيا وعلم السكان.

 إننا وحتى الآن نقوم برؤية وتحليل المسائل برؤية وتحليل حفنة من رجال العلم التابعين وبشكلٍ فظيع لسلطات الدول، ويسيرون وفق إمرة المؤسسات العسكرية. في الوقت الذي كان العلم في خدمة المجتمع نرى بأنه يخدم الآن سياسات الاستثمار والاستعمار. فقد تم إخراج كل شيء من جوهره في الوقت الذي يجب أن يعمل العلم على الترقية بحياة الإنسان وتحريره، نرى بأنه جميع الاختراعات تستخدم في البداية من أجل الحرب، من أجل الاستخبارات ومن أجل الربح الأكثر. لذلك ما نتعرف عليه يكون مشوهاً وكذباً على الأغلب، لأنه يتم تمريره في البداية من مصفاة البنتاغون، الناتو، والأكاديميات التابعة للقوى المهيمنة، بحيث يتم منع كل شيء يعمل على تهديده كنظام. والهدف هو خلق مجتمعات مسلوبة الإرادة وتابعة للنظام الرأسمالي. ولأن أمراً كهذا يمر من عبودية المرأة، لذلك يكون المعلومات بحق وجود المرأة وماهيتها مجبولاً بالكثير من المعارف الخاطئة، ليمنع المرأة من معرفة قوتها وحقيقتها. ولكي لا تتمكن المرأة من الخروج عما تم الرسم لها من دور يحقق الربح الأكثر للنظام الذكوري والذي تمثله الحداثة الرأسمالية في الوقت الراهن. نرى بأنه يومياً يقوم الرجال بمناقشة بدن المرأة بما فيها عملية الإجهاض، وكم طفل يجب أن تلده النساء، أيضاً يتم وضع قوانين يومية بحق النساء دون أن يتم أخذ آراءهن بحق حياتهن وأبدانهن. ففي الفترة الأخيرة تم منع الإجهاض في تركية وتشجيع ولادة 3 أطفال على الأقل من قبل حكومة أردوغان بالرغم من معارضة جميع الحركات النسوية. بالطبع ودون المبالاة بآراء النساء تم إخراج القانون بحق الإجهاض. لأن الدولة التركية بحاجة إلى جيش وإلى أيدي عاملة رخيصة. لا يهم حكومة اردوغان رأي النساء ولا أبدانهن، المهم هو كيف تقوم الحكومة بممارسة سلطتها وتقويتها. من هنا نرى بأنه من أجل أن يحقق ذلك يقوم في البداية بفرض سلطته على النساء. لأن وضع بدن النساء تحت حمايته يعني وضع كل المجتمع تحت حاكميته. الشيء المثير للدهشة هو أن الأطباء الأتراك والتابعون لحزب أردوغان كانوا يظهرون على الشاشات من أجل الدعاية لهذه الهراء وتأييدها طبياً دون أن يشعروا بالخجل. أيضاً كان الوزراء يصرحون يومياً بأنه ولو تم الاعتداء على امرأة ما، فعليها أن تولد وستقوم الدولة بأخذ الطفل بعد الولادة. لذلك يعتبر تحرير العلم من أيدي هؤلاء شرطاً أساسياً من أجل تمكن النساء من إعادة حق التصرف بحق حياتهن وبدنهن دون أن يتحكم الرجل فيها. لأنه بقدر ما تتعرف المرأة على خاصياتها ستكسب الثقة بذاتها بشكل أكثر، وستكسب قوة التحرر بشكل أكثر. فعلم المرأة هو البحث في الحركات الفامينية وما تعانيه من مشاكل وكيفية تجاوزها. بالطبع قامت الحركات الفامينية وخاصة في القرنين الأخيرين بالكشف عن الكثير من القضايا التي تعانيها المرأة، وقامت بتشهير هذه السياسات بشكل واضح للعيان. هذا وقد ضحت الكثير من النساء بأرواحهن من أجل تغيير الأدوار الاجتماعية التي منحت لكل من المرأة والرجل على أساس تسلط الرجل على المرأة. إذا ما يتحول قضية المرأة في هذا القرن إلى قضية أساسية، يعود إلى جهود الملايين من النساء وإلى الحركات الفامينية التي ناضلت ضد الذهنية الاستبدادية للنظام الذكوري بتحليل كل هذه النواقص والأخطاء، وأيضاً وضع التوجيه المطلوب من أجل تجاوزها سيؤدي إلى خلق البديل بالنسبة للحركة الفامينية الراهنة. وسيفتح الطريق أمام الانسداد والركود التي تعيشه الحركة النسوية بشكلٍ عام. بالرغم من إن المرأة قامت بخلق أول مؤسسة اقتصادية في التاريخ وذلك بتطويرها للزراعة وتدجين الحيوانات واختراعها للآلات. إلا إننا نرى اليوم بأنها تشكل 70 % من نسبة الفقراء في العالم. وتعتبر المرأة أكثر المستثمرات من قبل النظام الرأسمالي، لأن النساء يعتبرن أرخص أيدي عاملة وتشكلن أكثر نسبة من البطالة في العالم.

هذا وقد حوَّلَ النظام الرأسمالي المرأة إلى مادة سلعية، يتم استخدامها بأبخس الأشكال من أجل الدعاية. بحيث لا يعرض أي إنتاج للسوق دون أن يتم استخدام المرأة كمادة دعائية من أجل تسويقها وبيعها بشكل أكثر وكسبِ ربحٍ أكثر. لا يتم فتح فرص العمل للنساء، كل ما تقوم به النساء يكون قليل القيمة أو حتى منعدم القيمة. في حين كل ما يقوم به الرجل أياً كان فهو ذو قيمة لا توصف. هناكَ إجحافٌ كبيرٌ بحق المرأة، ففي الوقت الذي لا يقوم رجال الأعمال بأي جهد، يكسبون الملايين ويتم إطلاق اسم رجال العمل والاقتصاد عليهم. تقوم النساء بالعمل ليل نهار، يتم النظر إليهن على إنهن متطفلات ومستهلكات. من هذا نرى بأنه من الساحات التي يجب تحريرها من قبل علم المرأة من الذهنية الجنسوية هو مجال علم الاقتصاد. أول مدرسة يقوم الإنسان بأخذ تدريبه فيها هي مدرسة الأم. نتيجة استيلاء الذهنية الجنسوية على علم التربية أيضاً، نرى ومع الأسف الشديد بأن المجتمع وعن طريق مؤسسات التربية يعمل يومياً على حقن هذه القوالب العقلية للأجيال، فيتم تسميم العقول والأذهان بشيفرات العبودية واللا مساواة. فبدءاً من دور الحضانة وحتى الجامعات يقومون بترسيخ تربية جنسوية في الأذهان، وهو إن الرجل قوي والمرأة ضعيفة. ففي المناهج المدرسية الرجل يكون قائداً، معلماً، طبيباً، بطلاً، عالماً. في حين المرأة أما أن تكون ممرضة، أو تكوي ملابس الأب، أو تطبخ في المطبخ. هذه التربية تنتج يومياً الملايين من الشابات والشباب المتسممين بالعقلية اللاديمقراطية واللا تحررية. لذلك يعتبر إنشاء نظام تربوي معتمد على أخلاق الحرية، من المهام الأساسية التي يجب أن يهتم بها علم المرأة.

ومن هنا إن كل ما هو مرتبطٌ بالحياة والكون فهو بنفس الوقت مجالُ اهتمامِ علمِ المرأة. لذلك عندما نقول علم المرأة لا يعني هذا بأن هذا العلم سيقوم بالبحث عما هو معني بالمرأة فقط، بل بقدر ما يتم الكشف عن حقيقة المرأة سيتم التعريف الصحيح للرجل أيضاً. لأنه في الحقيقة بقدر ما أفرغت المرأة من محتواها، بنفس القدر ابتعد الرجل عن جوهره كإنسان. فعلم المرأة سيساهم في وقف هذه الدوامة ووضعها في مجراها السليم. لأن كل من ثنائيات الروح والمادة، المادية والميتافيزيقيا كلها طُرُقٌ وأساليبٌ تشرعن من استعباد المرأة والإنسان، ففي البداية تم إعلان المرأة كمادة لا تملك الروح أو أنه شيء، بعدها تم تطبيق نفس القانون على الطبقة الفقيرة، بعدها على الطبيعة واليوم على الرجل أيضاً ليتم إطالة هذه السلسلة إلى الـ ما لا نهاية. هذه البراديغما هي التي فتحت الطريق أمام تحكم الرجل بالمرأة لأنها مادة، لأنها شيء، لأنها جماد، لأنها ميتة. لأن المادة وحسب هذه البراديغما شيء ميت لا تملك الإرادة وبالطبع التحكم فيها يعتبر أمراً طبيعياً. لذلك يتم اليوم ووفقاً لهذا المفهوم الكوني لدى النظام الرأسمالي الذي يشكل ذروة النظام الذكوري، تطبيق أفظع التجارب على الطبيعة بدءاً من التجارب النووية وحتى الكثير من المداخلات الأخرى، لأن الطبيعة بالنسبة لهم جماد ويمكن التصرف بها كيفما يشاؤون. والقنبلة الذرية التي تهدد العالم اليوم هو نتيجة لما يعانيه العلم من انحراف، ويعبر عن مدى تحوله إلى آلة بيد الرأسماليين وأصحاب السلطة.

لقد تحول العلم في الوقت الراهن إلى مصيدة بالنسبة للإنسانية وإلى ثورة مضادة. لذلك العمل على تطويرِ علمٍ بديل، يخدم المجتمع، منقطعاً عن السلطة والربح، معتمداً على أخلاق الحرية، يحمل أهمية حياتية ليس بالنسبة للمرأة فقط بل إنه حاجة ماسة من أجل الرجل ومن أجل البشرية جمعاء.

 الجنولوجيا على قناعة تامة بأن ديناميكية كفاح المرأة العالمي والمحلي يؤثران على بعضها البعض، كما أنه من الفخر انضمام نساء العالم إلى كفاح حركة حرية المرأة الكردستانية وتعتبره غنى لنساء كردستان. بالإضافة إلى أن الجنولوجيا ترى أن جميع المقاومات داخل النظام لها قيمة كبيرة. نستطيع خلق ولادة جديدة لعالمٍ جديدٍ خاصٍ بالمرأة التي تمثل محور الحياة وذلك عبر كل مستويات التاريخ الاجتماعي. ليس هناك حظ لوجود أي نظرية أو منظومة فكرية لا تحتوي على حرية المرأة أو لا تمنحها الكرامة. نحن نواجه عالماً عرف حرية المرأة من خلال مقاومة المرأة. ولأننا لم نكسب المعركة بعد فنحن نخوض حرباً شعواء لا هوادة فيها مع السلطة الذكورية. ولكي ننتصر فيها علينا أن نخلص أنفسنا من براثن الرأسمالية التي حولت المرأة إلى متاع وكذلك يجب تخليص المرأة من الرجعية الإقطاعية والدينية. إن الشرط الأساسي في نجاحنا هو أن نتخلى عن أخلاقيات ومحبة وثقافة الزواج من الرجل المتسلط. ومن أجل إكمال النصف الآخر المتبقي من الواجبات وإنجاحه علينا أن نشارك التنظيم مع الحركات الفامينية وحركات تحرر المرأة. “تم كسب مطالب الشعب الكريمة من خلال حماسة والانتفاضة العظيمة للمرأة” (القائد آبو) ولأجل كل هذا فنحن نطالب بالجنولوجيا. وستكون الجنولوجيا (علم المرأة) هو العلم الذي يمثل انبعاث معارف الآلهة- الأم في يومنا الراهن. وهذا العلم سيتطور كما يقول القائد عبد الله أوجلان “إن معارف الشرق الأوسط هي عبارة عن معارف الإلهة – الأم التي تم تجديدها” ولابد من تحليل كل العلوم الخاصة بالمرأة وجميع الأحداث الخاصة بالمرأة والمشكلات المتعقلة بالمرأة والرجل ومفاهيم الحرية والمساواة، وكذلك الأنوثة والرجولة ومفهوم الجنسوية الفظ والتقليدي. وبتعريف كل من الرجل والمرأة بوجودهما الإنساني وبحريتهما. يقول القائد عبد الله أوجلان:” حركة المرأة هي حركة القرن الـ 21. وثورة المرأة هو موضوع القرن الـ 21. إذا أرادت البشرية من الآن فصاعداً أن تخطو خطوة مهمة فعليها أن تهتم بشكلٍ عميقٍ بالمرأة”.

إعداد: زوزان إبراهيم

زر الذهاب إلى الأعلى