ثقافة

جنولوجي (1-2)

zozan-abrahimلقد قام القائد أوجلان وحتى الآن بطرح الكثير من النظريات الفلسفية الجديدة والجسورة بحق القضايا الاجتماعية، كما قام بطرح الكثير من التوجيهات التي فتحت الطريق أمام الثورة الاجتماعية وثورة المرأة، بما فيها نظرية قتل الرجولة، نظرية الانقطاع اللانهائي، وإيديولوجية تحرر المرأة، ليطرح في مرافعاته الأخيرة طرح ( jineoloji ) ويعني باللغة العربية علم المرأة، لقد تم طرح نظرية قتل الرجل في عام 1996 من قبل القائد عبد الله أوجلان كمبدأ أساسي من مبادئ الاشتراكية. حيث أكد حين ذاك على أهمية التوقف على علاقة الرجولة المشيدة مع السلطة، مع العنف، مع العبودية، مع غصب كدح المرأة، مع الاستغلال، حيث إذا ما كانت الاشتراكية هي تحقيق المساواة والحرية لكل إنسان، حينها يجب القيام بقتل الرجولة المشيدة من قبل الجنسية الاجتماعية. أي يجب العمل على تجاوز أسس الرجولة التقليدية والرجعية التي تقوم يومياً بقتل واضطهاد الملايين من النساء، بحيث تحولت الرجولة إلى بلاءٍ على رأسِ البشرية. إن ثقافة الاعتداء التي باتت تهجم المجتمع، المجزرة اليومية التي تعانيها النساء على يد الرجال أخرجت الإنسانية من جوهرها وحطت بالأخلاق إلى الحضيض. إن جشع الحصول على مالٍ أكثر، نساءٍ أكثر، علاقاتٍ جنسيةٍ أكثر، سلطةٌ أكثر من قبلِ الرجل وضعت المجتمع البشري أمام منحدرٍ فظيع. ففي المجتمع الذي يكون نساؤه متخلفات، مضطهدات، مستثمرات من الناحية الجنسية، متعرضات يومياً للعنف والإهانة، مجردات من أبسط الحقوق، هل يمكن الحديث فيه عن جيلٍ حرٍ ورجالٍ أحرار؟ وهذه هي العقدة الكأداء ونقطة السقوط التي تنهش في حقيقة مجتمعاتنا. لذلك يؤكد القائد أوجلان على أهمية البحث والتحقيق في الوضع الذي تعانيه الرجولة في مجتمعاتنا، ويرى بأنه ومن أجل تحقيق حياة اجتماعية معتمدة على المساواة والحرية، هناك حاجة في البداية إلى التخلص من الأسس التي تعتمد عليها الرجولة في الوقت الراهن، وأيضاً يجب وكمبدأ أولي القضاء على هذه الرجولة الهشة والمتعفنة التي تنشأ من قبل المجتمع الجنسوي، ويتم عرضها في الأسواق بأرخص الأشكال. لذلك قتل الرجولة لا يعني القضاء على الرجل جسدياً بل القضاء على ما تم إكسابه للرجولية من خصائص بالية من قبل النظام الرجولي المستبد. إذا لم يتم التخلص والانقطاع من القوالب الذهنية التي تكرس العبودية على المرأة والسلطوية من قبل الرجل، وإذا لم يتم التخلص من جميع الإدمانات بدءاً من الرؤية الدونية اليومية وحتى ما تحت الشعور، ولم يتم تهذيب وتربية الذات وفق أخلاق الحرية، الذي يرفض الخنوع، الطاعة، اللا إرادة، العنف الظلم وغيره. لا يمكن بتاتاً التحدث عن علاقة متحررة بين المرأة والرجل. من الضروري العمل على تحرير الذات من كل آثار الذهنية البالية، وانعكاسها على التصرفات والعلاقات اليومية. وكاستمرارية لاستراتيجية دمقرطة العائلة وفتح الطريق أمام حياة جديدة كان طرح إيديولوجية تحرر المرأة في 8 آذار عام1998. حيث نرى بأن جميع الفلاسفة والأنبياء توقفوا وبشكلٍ دائمٍ على إطاعة المرأة للرجل، وبأن المرأة هي استمرارية.

 الرجل هو المركز والمرأة هي التي تسير في فلكه. الرجل هو الجوهر والمرأة الهالة التي تحيط به، وهي حواء ولدت من أضلاع آدم. بحيث وصل الأمر إلى درجة إن المرأة باتت تؤمن بأنها أقل شأناً من الرجل، لتتحول هذه الرؤية إلى عقيدة مع الزمن. إن مناهضة هذه الآراء يعتبر خروجاً عن الدين ونفاق. لهذه الأسباب تعتبر إيديولوجية تحرر المرأة بداية جديدة من أجل التحقيق في الإيديولوجيات الموجودة. وهذه الإيديولوجية تضع مبادئ الحياة التي ستعمل المرأة على خلقها ونسجها. فتتخلص المرأة من التفكير وفق فكر الرجال، والعمل وفق توجهاتهم.

في الحقيقة هذه الأطروحات كانت بمثابة ثورة فكرية بالنسبة للمجتمع الكردي. حيث تم تحقيق تغيير كبير في النسيج الاجتماعي الكردي، وخاصة بالنسبة للعلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل. ووصول الحركة النسائية الكردستانية إلى هذه الدرجة من النشاط والحيوية، المشاركة الفعالة والإرادية لكل مجالات الثورة، وقيامها بدور الطليعة على مستوى المنطقة والعالم، والوصول إلى درجة تطبيق الرئاسة الثنائية المشتركة في الكثير من الأحزاب والمؤسسات الكردستانية. يعود وبشكلٍ لا يمكنُ لأحدٍ إنكارهُ إلى الصراع والتغيير الذي خلقه القائد أوجلان في المجتمع الكردستاني خلال الفترة الماضية. ولم تتوقف الجهود الفكرية والفلسفية للقائد عبد الله أوجلان بصدد المرأة والعائلة في هذا النطاق، فحسب بل استمر في جهوده هذه في فترة السجن في جزيرة إمرالي أيضاً. حيث قام بالتوقف في مرافعاته الأخيرة بشكلٍ موسعٍ على الحياة الحرة والمساوية وقام بطرح نظرية علم المرأة، ليتمم بذلك ما قام علم الاجتماع الحالي بإهماله وتهميشه حتى وقتنا الراهن. فهناك الكثير من العلوم إلا أن علم المرأة لم تصبح حتى الآن مجالاً علمياً بحد ذاته، حيث يتم التوقف عليها أما بشكل سطحي أو كجزءٍ من الرجل.

مثل كل ما هو محيط بالحياة تم ومنذ آلاف السنين إبعاد المرأة من المجال العلمي، في الوقت الذي كانت النساء أول المبدعات، أول من كشفن الطبيعة، أول من وضعن أسس المجتمع، أول من قمن بثورة الزراعة، أول من وضعن أسس الأخلاق وكن أول الآلهات. نرى بأن المرأة لم تطرد فقط من مجالس الآلهة بل إنها طردت أيضاً من مختبرات العلم البدائية، إن الذي يزور المتاحف يمكن أن يرى وفي أول نظرة بأن النساء هن العالمات الأوائل، حيث جميع تماثيل مجتمع العصر الحجري الحديث والذي يعود تاريخها إلى ما قبل 12 ألف قبل الميلاد هي تماثيل النساء. والسبب لأن المرأة كانت مقدسة، ليست فقط لأنها كانت تخلق وتلد، بل لأنها كانت العماد الذي يُؤسس عليه الكيان أو نواة المجتمع البشري. لأن الحياة مقدسة لذلك كل ما يمنح القوة للحياة يشكل شيئاً مقدساً بالنسبة للمجتمع. ولأن المرأة كانت تعبر عن الهوية الاجتماعية في ذلك الحين، لذلك كانت مقدسة. بعد أن يتم تطور آليات الإنتاج وبعد أن استولى الرجل على القيمة الزائدة وتطورت ثقافة الصيد، نرى بأنه يتم الحط من قيمة المرأة ليتم استيلاء الرجل على كل القيم التي خلقتها المرأة بشكلٍ جشع. ففي الأساطير السومرية وغيرها من أساطير بابل واليونان وغيرها يمكن أن يتم الرؤية وبشكل واضح الصراع بين الآلهات والآلهة. الصراع بين الإلهة “إنانا” والإله “أنكي” على القيم العائدة للمجتمع الطبيعي، وطرد إنانا من مجلس الآلهة كما هو مكتوب في اللوحات السومرية، أيضا قتل الإله “ماردوك” لأمه الإلهة “تامات” في أسطورة بابل أمثلة تاريخية تعبر عن الصراع الذي تم في تلك الفترة. بعد أعوام 2000 قبل الميلاد نرى بأنه يتم طرد النساء ليس من الحياة اليومية فحسب بل من التاريخ أيضاً، بحيث لا يمكن رؤية أي تمثال عائد للمرأة بعد هذه الفترة. بالإضافة إلى ذلك يتم سلب كل الخواص العائدة للمرأة من قبل الرجل ليصل إلى درجة أن تكتب الأساطير اليونانية بأن ابنة الإله “زوس أثينا” قد ولدت من جبهته. فيقوم بذلك جعل خاصية الولادة العائدة لبيولوجية المرأة كخاصية من بيولوجية الرجل. إذ نرى بأن الفيلسوف “أفلاطون” يقوم بتعريف المرأة على إنها لا تملك حق المواطنة ويتم وضعها في صفوف العبيد، أيضاً ليس للمرأة في مدينته الفاضلة مكاناً. هكذا بالنسبة لـ “أرسطو” الذي يعرف المرأة على إنها رجلٌ عائق. ولكن الفيلسوف زرادشت الذي يقدم احتراماً للمرأة ويمجدها، كل من “بوذا وكونفوشيوس” أيضاً يفرضان الطاعة في فلسفتهم الأخلاقية على المرأة. هذا وقد استمرت هذه الرؤية للمرأة في الأديان التوحيدية أيضاً، بدءاً من سيدنا إبراهيم الذي ينكر زوجته سارة حينما يهاجر إلى مصر ويقدمها للفراعنة على إنها أخته، وسيدنا موسى الذي يرى المرأة على إنها ملك للرجل، وبأن الرجل هو المسؤول عن بكارة المرأة، وشخصية الأم مريم التي بقيت دائماً تحت ظل سيدنا عيسى تمكن الاحترام لها ليس لأنها امرأة قوية بل لأنها أم النبي عيسى. نفس الشيء بالنسبة للإسلام الذي يؤكد على إطاعة المرأة لزوجها، وأيضا يشرع من العنف ضد المرأة وحرمان المرأة من الميراث وغيرها من الحقوق الحياتية بشكلٍ متساويٍ مع الرجل. هذا والشيء المثير للدهشة هو أن الأديان التوحيدية حققت اختلافاً وهو قيامها بإقناع النساء بأنه عدم المساواة مع الرجل هو قانون إلهي لا يمكن الوقوف في وجهه، والقيام في وجهه يعني الكفر. أي إن المرأة باتت تقبل بالانحدار الاجتماعي الموجود بين المرأة والرجل على إنه قدرٌ إلهيٌ لا يمكن تغييره قطعياً.

في الحقيقة العلوم أيضاً لم تحرر نفسها من العقلية الذكورية. لقد نظرت بشكلٍ دائمٍ إلى المرأة بشكلٍ ناقص أو تم إهمالها. فنظرية “داروين” التطورية التي تؤكد على أن القوي هو الذي يكسب حق الحياة، وأن القوي يقوم بالقضاء على الضعيف. والعلوم الوضعية التي تؤكد على وجود الشيء والجوهر، وقيام علم النفس وخاصة في شخص “فرويد” يمكن رؤية ذلك واضحاً، حيث يقوم بربط كل العقد النفسية لدى المرأة بالفرق الفيزيولوجي الموجود بين المرأة والرجل، وقيام علم البيولوجيا على تفسير الفرق بين حجم دماغ المرأة والرجل على أنه نقص. كلها تؤكد على أن العلم عملَ وبشكلٍ دائم على تغذية الذهنية التسلطية لدى الرجل. فالمرأة هي ضعيفة لذلك هي لا تستحق الحياة، المرأة هي شيء والرجل هو الجوهر، لذلك الرجل هو الأصل، المرأة تملك عضواً تناسلياً خاملاً وهذا ما يؤدي إلى عقدة الضعف لدى المرأة. إذاً عبودية المرأة فطرية ولا حاجة للنضال. حجم دماغ المرأة أقل من الرجل حينها الرجل أذكى من المرأة. كل هذه النظريات ليست معصومة، بل كلها ديماغوجيات تخدم سلطة الرجل وترسخ العبودية لدى المرأة.

 من هنا نرى بأنه الايديولوجيات الذكورية ومن أجل ترسخ المجتمع الجنسوي استخدمت كل من الأساطير، الدين، الفلسفة والعلم. لأننا نعلم جيداً بأنه إذا ما كانت الحقيقة ساطعة حينها سيظهر من تبحث فيها، تعمل على الكشف عنها وتطلب تطبيقها لكي تبقى المرأة عبدة لجهلها نرى بأن جميع الرجال على مر التاريخ وباتفاق فظيع قد عملوا على قلب الحقائق، تزويرها، تكذيبها وإخفائها…….. يتبع

إعداد: زوزان إبراهيم

زر الذهاب إلى الأعلى