حوارات

جتو: سوريا للسوريين والتاريخ لن يعيد نفسه في سوريا بعد الآن

haci-ceto1الوضع السياسي العام في روج آفا وسوريا, والرؤية المستقبلية للأوضاع العامة.

والاحتلال التركي لجرابلس في هذا التوقيت, السبب والغاية من هذا الاحتلال,

هذه النقاط الهامة وبعض النقاط الأخرى كانت مجال حوارنا الصريح والشفاف مع حاجي جتو عضو إدارة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD حيث استهل حديثه بالقول:” سوف نبدأ بالحقيقة التالية والتي باتت واضحةً جداً للمراقب والمتابع للوضع العام في سوريا بشكلٍ خاص, ومنطقة الشرق الأوسط مروراً بموازين القوة المهيمنة العالمية في سياقه العام.

القوة المهيمنة العالمية تعيش في أزمة بنوية حادة جداً، وهذا ما يتطلب منها بإعادة النظر في كيفية إدارتها للأزمة, وشكل الترميم ونوعية الاجراءت الاصلاحية المتبعة بأساسات تلك البنى”.

وتابع جتو حديثه بأن هذه الحقيقة ظهرت من خلال مخاضات ونتائج تلك السياسات المُطبِقة على المجتمعات من خلال رؤيتها المبنية أساساً على الحداثة الرأسمالية، والصناعوية  وتصيرها من خلال مفاهيم  وأولهة الدولة والدولة القوموية والاسلاموفوبيا كأنها معتقد ألهي لا بديل عنه.

وإن انعكاس هذه الحقيقة المصيرة على الطبيعة الاجتماعية وخاصةً في القرنين التاسع عشر والعشرين اظهرت فواجع الفوضى من خلال الكوارث والمآسي والحروب والإبادة والمجازر وصهر الثقافات والحريات لا حدود له على مر العصور؛ وبأسماء زيفت حقيقتها وجُرِّدَتْ تماماً من معانيها ومضامينها الطبيعية والحقيقية وسياقها التاريخي.

وكنتيجة لما بدأ به قال:” إذاً ما نراه ونعيشه اليوم من ثورات هي النتيجة الحتمية, الحقيقة التي انتجتها تلك السياسات أي عصيان المجتمعات.

ولكن بسبب تلك السياسات التي مُرِسَتْ على المجتمعات فترة طويلة بأبشع الأشكال, ونلاحظ أنهم أصبحوا يجردون الثورات من مضمونها وحقيقتها أيضاً، حتى أصبحت هذه الثورات اكثر فأكثر اقرب من أن تكون  ثورة مصيرة كثورة  فوضوية بكل ما تحمل الكلمة من معنى”.

وفي نفس السياق تابع جتو حديثه بالقول:” واقع الثورات المعاشة من تونس إلى مصر واليمن وليبيا مروراً بسوريا تؤكد هذه الحقيقة أو الرؤية، من خلال مبدأ ومقولة:” أما نحن أو الفوضى والدمار القتل والإبادة والصهر والتهجير”.

وعن الثورة السورية تابع جتو هذه هي  الحقيقة للثورة السورية أيضاً، وبعد عدة أيام من انطلاقتها عملوا على تشويه حقيقة الثورة واستداروا بها راكبين على أمواجها نحو تلك الذهنيات والمفاهيم المصيرة والمصطنعة, مستفيدين من تراكم تلك  الصراعات الطائفية والمذهبية والدينية والاثنية الممزوجة بالحداثة المزيفة، والنتيجة دمارٌ شاملٌ  في كل مكان دمارٌ للإرث الإنساني والحضارة، خرابٌ إلى أبعد حدود، هجرة لم يرى مثيلاتها  في التاريخ, وباتت المخيمات مراكز لإنتاج الفظاعات وللأخلاقيات وسوقٌ للرق في العصر الحديث ..!

أما المرأة كانت أول المستهدفين وتعاني أكبر الويلات في الانكار والإبادة  والاستعباد ..!

وكل ما استطاعوا أن ينتجوه هي أسطورة داعش, بهِ بدأوا يُصَّفونَ الحسابات فيما بينهم أو كل من يقف في وجه متطلعاتهم ومصالحهم.

النظام الدكتاتور المهلك أهلك شعبه، والمعارضة الدموية الكومبرادورية  بيد الدول الاقليمية الأثنين في صراعٍ على السلطة وعلى انقاض الدمار الكامل في سوريا، لا حلول ولا مشاريع حلول آنية مستقبلية قريبة في سوريا, وهذا كان واضحاً جداً خلال خمس سنوات من عمر الثورة.

وعن الوضع السوري والتطورات الدولية على الساحة قال جتو:” الصراع سوف يستمر، والفظاعات أيضاً سوف تستمر.

أما سلاسل جنيف والشرعية الدولية والمجموعة المسماة بالدول الصديقة للشعب السوري ماهي إلا أدوات وإبر دكلونية مسكنة لإدارة الأزمة بالأزمة.

أما من ناحية أخرى وفي روج آفا, فالصورة والمشهد مغاير تماماً لتك الحقائق. أستطيع أن اسميها الثورة العصرانية للحداثة الديمقراطية”.

وبخصوص الثورة في روج آفا أفاد جتو بالقول:” هي ثورةٌ بامتياز، وأول ثورة اخلاقية سياسية مجتمعية حقيقية خلال القرنين الماضيين من أيام الثورة الفرنسية حتى اليوم، وحتى فاقتها أيضاً في المضمون والجوهر ونتائجه الواقعية والعملية.

سر الانتصارت والمكتسبات والأستمرارية في التطور بثورة روج آفا تكمن في انتهاجه لفلسفة الأمة الديمقراطية. للسيد والقائد عبد لله اوجلان.

أما أساسيات مبدئه السياسي فتكمن في الذهنوية الثالوثية / تنظيم المجتمع وإدارة نفسه بنفسه مؤسساتياً – انشاء قوات حماية ذاتية جوهرية – فلسفة الخط السياسي الديمقراطي الثالث، أساسه الأخوة والعيش المشترك, والتي ادهشت الجميع العدو قبل الصديق بنتائجه.

هذه الثالوثية لم تأتي عبطاً بل له امتداه وأرثه التاريخي, وبه وضع اللبنة البنيوية لأساس طرح مشروع الحل الديمقراطي ممثلاً بالفيدرالية في روج آفا – شمال سوريا، وسوريا بشكل عام وحتى بالمنطقة كاملاً من خلال اطروحة الكونفدرالية الديمقراطية.

أما على الساحة السياسية الكردية فلم يكن حال الأحزاب والحركات السياسية في روج آفا أحسن من حال المعارضة السورية من اقصى يمينه إلى اقصى يساره مروراً بالأحزاب الحداثوية الممزوجة بالنيوليبرالية وحتى الاشتراكية. والأصح لم تستطع تلك الأحزاب أن تخرج من قمقم أو القوقعة السلحفاتية. بقيت تدور في دوامات الفكر والمصطلحات والمفاهيم المتراكمة من زيف الحداثة الرأسمالية وهيلكيته التنظيمية الكلاسكية الممزوجة بألوهية الدولة القوموية وقواعدها الثابتة المنتجة للنخبة البيروقراطية؛

ومازالوا يعيشون بنفس النسق وتلك الدوامة محاولين فقط الاستمراية في الوقوف والعداوة لكافة المشاريع الديمقراطية على الساحة الكردستانية. وما بقايا الأنكسي إلا نسخةٌ من تلك الحقيقة التاريخية للنخبة الكومبرادورية والتي لم تجلب إلا الويلات للشعب الكردي.

النتيجة أن كل ما يدور في سوريا لا يتجاوز كونه صراعٌ مذهبي, والطائفي أساسه التصارع على السلطة والهيمنة على المجتمع السوري.

أفلست المعارضة تماماً حتى أصبحت هي بذاتها الأزمة نفسها، مشكلة أزمة داخل أزمات.

ليس بإمكانها فعل أي شيء غير الظهور على القنوات الإعلامية لتزيد أكثر فأكثر من الطينة بله. حالهم كحال  الكومبرادوريين تاريخياً، ولن يكون لهم أي دور المستقبل الحل السوري، إلا من خلال المشروع والرؤية التركية القطرية السعودية ممثل بالاسلام الراديكالي ..!

أما النظام فما يزال يتوهم من خلال الروس وإيران وحزب الله بأنه ما زال قوياً وباستطاعته فعل ما يريد. أساساً لم يبقى شيء اسمه الجمهورية العربية السورية أو الدولة أو النظام, وهي حقيقةٌ بات الجميع يدركه. وما تبقى من ذلك الوهم لا يتجاوز مضمونه ابعد من المحافظة على المصالح الروسية والايرانية في سوريا من جانب, والجانب الآخر المحافظة على العلويين ككيان مستقبلي في سوريا الجديدة أو سوريا المفيدة, ومصير الأسد وحاشيته مرهونٌ أيضاً بذاك الكيان. واتضح هذه الحقيقة أولاً في أحداث ومعارك قامشلوا وبالأخص في الحسكة, والرعاية الروسية للاتفاق فيما بين الإدارة الذاتية والنظام في قاعدة حميميم الروسية.

ثانياً: ما يجري في حلب وريف دمشق وإفراغ داريا تماماً والمعضمية ومناطق أخرى مثل حمص وحماه خيرُ دليلٍ عل التمسك الروسي والايراني بما  يسمى السورية المفيدة مسقبلاً”.

وعن موضوع المعارضة والحل وقابلية النظام للقبول بحلول نهائية قال جتو:” ثنائية المعارضة والنظام ورؤيتهم للحل بات الجميع يدركها تماماً. لذلك ومع مرور الزمن يتضح أكثر فأكثر حقيقة وصوابية الخط الثالث ورؤيته الآنية المعاشة بتجربة روج آفا بمقاطعاته الثلاثة في ظل الادارات الذاتية الديمقراطية ومشرعه الآني والمستقبلي العام لحل المسألة السورية من خلال فدرالية سوريا. وبناء دولة فيدرالية ديمقراطية على أساس الجغرافية وليس على الأساس الأثني أو الطائفي فقط.

والملفت أيضاً الصدى الذي حققته على الصعيد العالمي من خلال المقاومات التاريخية في سريه كانيه وكوباني وتل أبيض ومركزه الاستراتيجي مدينة منبج، ضد أبشع وأخطر فكر سلفي إرهابي ممثلاً بأسطورتهم داعش.

والمكتسبات الدبلوماسية والعلاقات مع أغلبية الدول الاوبية والعالمية متوجة بافتتاح أكثر من عشرة ممثليات لها. وأيضاً التحالف الاستراتيجي مع قوات التحالف الدولي وعلى رأسها امريكا للحرب على داعش والمنظمات الإرهابية في سوريا”.

وعن النقطة الساخنة على الساحة السورية والكردية المتمثلة في احتلال تركيا لجرابلس والسياسة التي تنتهجها تحدث لنا جتو قائلاً:”  بدأت الاستدارة الاردوغانية نحو تطبيع العلاقات مع اسرائيل وروسيا وايران والنظام السوري.

لتغيير مشهد الصراع في الساحة السورية حتى أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل، باحتلال تركيا لمدينة جرابلس اوقعت نفسها في المستنقع السوري.

باعتقادي من اعطى الضوء الأخضر للاحتلال التركي لجرابلس وللمسرحية الهزلية جداً، ارادوا هلاك اردوغان والتخلص منه بأقل العواقب محتملة لهم.

سوريا اصبحت مسرح لحرب عالمية ثالثة بامتياز، سوريا لم ولن تعود كمان كانت.

ومفتاح الحل ومن يمتلكه، سوف يكون بيد من يمتلك الأرض ويمتلك معه مشروع عصري حضاري وديمقراطي، على ما تسمى سورية المفيدة ..!

سياسياً سوريا المفيدة  قُسِّمَتْ إلى قسمين واضحين تماماً ما بين الروس والامريكان ممثلاً بمناطق النظام روسياً ومناطق الإدارة الذاتية امريكياً، وهي أول الخطوط الحمراء الامريكية والروسية. ولن تستطيع لا تركيا ولا أي دولة اقليمية أن تتحاوزها..!

وهذا خيرُ دليلٍ على صدقية حزب الاتحاد الديمقراطي ممثلاً في مجلس سوريا الديمقراطي ومحور الخط الديمقراطي السياسي الثالث ومشرعه الفيدرالي للحل السوري.

ومتابعة لموضوع الاحتلال التركي لمدينة جرابلس والذي أخذ حيزاً كبيراً من التطورات و رَدّات الأفعال عليه ومن حيث التوقيت, السبب, الغاية أكمل جتو حديثه بالقول:” حقيقة التوقيت للاحتلال التركي لجرابلس له مدلولٌ تاريخيٌ مهمٌ جداً, ومنه نستطيع أن نستخلص حقيقة ذهنية العدالة والتنمية في رسم سياساته الآنية والمستقبلية، حيث وبذاك التاريخ وقبل 500 عام وبمعركة مرح دابق الشهيرة كان ما سمي بالفتح الأعظم بقيادة السلطان سليم الأول لبلاد الشام ولبنان وفلسطين ووصولا إلى القاهرة. وأكثر المدلولات تكمن في استثمار اردوغان للميراث الامبراطوري للدولة العثمانية المُسْتَعْمِرة بجذورها الإسلامية خلال 400 عام، وحتى الآن ما تزال لولاية حلب والموصل ضريبة في ميزانية الدولة التركية. أما السببين الأساسيين في انتصاره بتلك المعركة على المماليك كان:

أولاً – الخيانة ممثلاً في خيانة خاير بك، والانسحاب بجيشه اثناء المعركة.

وثانياً – كان الجيش العثماني يمتلك أسلحة متطورة حسب ذاك الوقت من مدافع وبنادق, أما المماليك فكانوا يحاربون بشكلٍ تقليديٍ بالسيوف والرماح.

من هذين السببين نستطيع أن نستنتج حقيقة الاحتلال التركي لجرابلس, لو لم يكن ما سمي بالجيش الحر وخيانتهم لوطنهم وارتزاقهم، والصلات المباشرة مع داعش  اولاً.

و ثانياً – اظهار جبروت قوته العسكرية كثاني أكبر قوة في الناتو، والأهم ضوءهم الأخضر. وتنازلاته لروسيا من خلال صفقة مشبوهة وبقبولٍ ايرانيٍ وسوري ضمنياً.

إذاً لولا هذين السببين لما استطاعت تركيا أن تتجرأ على احتلال مدينة جرابلس، مع العلم كانت تحاول بكافة السبل والأشكال وخلال خمس سنوات للتدخل بحجة بناء منطقة آمنة وعازلة مع حظر للطائرات.

أما السبب الأساسي للاحتلال كان البعبع الكردي بمكتسباته ومقاوماته التاريخية وتمدده الواسع على الجغرافية السورية, وبدعمٍ من التحالف الدولي ضد الإرهاب ومن خلال مشروعه الديمقراطي كحل لا بديل عنه لفدرلة سوريا. مقابل عدم امتلاك المعارضة والنظام لمشروع حل غير التمسك بالسلطة.

وكان هذا التدخل واضحاً ومتوقعاً إلى حدٍ كبير، من خلال قراءة مشهد الثورة بالخمس السنوات الماضية.

تركيا أرادت أن تكون سوريا دولة منهارة إلى ابعد حد لتبني على انقاضها امجادها ومشارعيها ومصالحها  المستقبلية، وعلى ذلك الأساس بنت استراتيجيتها السياسية خلال خمس سنوات عن طريق إنشائها لمعارضة هزيلة كوميرادورية، وفصائل إسلامية متشددة راديكالية, ودعم وتنسيق كامل ومباشر لداعش، ولكن كان العائق الوحيد أمام سياساتها ومشاريعها في سوريا هو مشروع الحل لدمقرطة سوريا ممثلاً بحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM وكافة أطياف وابناء تلك المناطق ومجلس سوربا الديمقراطية وقواته ممثلاً بوحدات الحماية الشعبية، وقوات سوريا الديمقراطي والمجالس العسكرية  بروج آفا – شمالي سوريا.

وبعد خمس سنوات أفلست تماماً في سياساتها الخارجية بشكلٍ عام وفي سوريا بشكلٍ خاص، وكنتيجة طبيعية لتلك السياسات دخلت في دوامة أزمةٍ داخلية كارثية جداً. وبدأ بسياسة الانكماش على ذاته بشكلٍ مرهب ودكتاتوري, وبأشكالٍ أفظع مما يفعله النظام السوري. من خلال البدء بحرب شعواء ذات بعد إبادوي وبطابع عثماني على المدن الكردية وسياسييه.

وعلى الصحافة والإعلام  بكافة مجالاته حيث بات اردوغان هو ذاته الإعلام بحد ذاته. ونتيجةً لكل ذلك جاء الانقلاب الفاشل وكان بمثابة رسالة عزرائيلية لاقتراب موته المحتوم.

هنا بدأت الاستدارة الكاملة لأردوغان لـ لملمة ما يستطيع لملمته من خيباته، على الأقل لتأجيل قدر ما يستطيع من موعد فنائه من خلال تمسكه بالقشة الاسرائيلية وشعرة الدب الروسي. والتودد إلى نظام الملاليي والسوري. ليهدد بهم الاوربيين وامريكا, ليظهر نفسه للعالم  بمظهر المتمسك بمظهره السلطاني المتغطرس.

والنتيجة: كل ما يحدث في الداخل التركي هي مسألة مصيرية للغاية بالنسبة لبقاء الدولة التركية ككيان متماسك، وأما دخوله إلى المستنقع السوري ليس  إلا بداية النهاية لتلك القشة والشعرة والتودد. وأساساً سوف يكونون هم سبب غرقه المباشر.

الكل يلعب نفس اللعبة على الكل على المسرح السوري.

ومهما فعلت تركيا لن تستطيع الاستمرار في تلك اللعبة والمسرحية مع داعش والمعارضة والنظام في آن واحد”.

وفي ختام الحوار مع حاجي جتو عضو إدارة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD قال:” سوريا للسوريين والتاريخ لن يعيد نفسه في سوريا بعد الآن. ابناء وبنات سوريا هم الآن من يرسمون مصيرهم بأيديهم، وهم وهن من يرسمون ويدافعون عن القيم الإنسانية جمعاء”.

فيدرالية روج آفا – شمال سوريا هي المستقبل الجديد ..!

اعداد الحوار: رياض يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى