تقارير

تركيا ومحاولات التغيير الديموغرافي في مناطق الشهباء

jerablos-%e2%80%ab1%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac jerablos-%e2%80%ab1%e2%80%ac jerablos-%e2%80%ab30060425%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac jerablos-%e2%80%ab30060426%e2%80%ac-%e2%80%ab%e2%80%ac jerablos jerablusعمدت الدولة العثمانية منذ بداية نشأتها وتكوينها إلى تغيير ديمغرافية المناطق والبلدان التي كانت تقوم بغزوها واحتلالها، حيث كانت تقوم بممارسة الاضطهاد والعنف الممنهج ضد السكان الأصليين بغية طردهم، فكانت تقوم بقتل وتهجير سكان تلك المناطق واستبدالهم بسكانٍ من بلدانٍ أخرى وتوطينهم وتجنيسهم، (كون الأتراك في تلك الفترة لم يكن يتحاوز عددهم بضع مئات) فكان ذلك بغرض ازدياد التعداد السكاني التركي من جهة، ومن جهةٍ أخرى السيطرة على تلك البقعة وضمها إلى تركيا التي كانت أطماعها التوسعية في بدايتها، حيث شملت كل من اليونان، العراق، سوريا، وتوسعت فيها كثيراً، وتعتبر قبرص التركية والأسكندرون السورية ما تبقى لها من توسعها، حيث قامت كل من المملكة المتحدة وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى بوضعِ حدودِ تركيا الحالي في اتفاقية سايكس بيكو 1916، ولكن يبدو أن الدولة التركية الحالية بقيادة الطاغية اردوغان مستمرةٌ في تنفيذ أجندات الدولة العثمانية وإعادة أمجادها في احتلال البلاد المجاورة، فبعد بدء الأزمة السورية ومنذ انطلاقتها في العام 2011، والدولة التركية تشارك في هذه الحرب الدائرة في سوريا بشكلٍ أو بآخر ومن خلال مرتزقتها ومسلحيها، الذين أدخلتهم تركيا للأراضي السورية أمام مرأى العالم، وسلَّحَتهم وجَنَّدَتهم لغاياتٍ استعماريةٍ باتت أهدافها واضحةً وجليةً للعيان من خلال احتلالها لمدينة جرابلس، ووضع العلم التركي في دوائرها، والتعليم الاجباري لـ اللغة التركية في مدارسها، والتعامل بالليرة التركية كعملة متداولة، ضاربةً كل العهود والمواثيق الدولية عرض الحائط.

حكومة العدالة والتنمية  كانت تعلن دوماً في تصريحاتها وبياناتها أن الإدارة الذاتية الديمقراطية تسعى للتغيير الديموغرافي في المناطق التي حررتها في الشمال السوري، ولا سيما مدينة تل أبيض ومنبج، على الرغم إن الإدارة الموجودة هناك كانت تضم جميع مكونات الشعب من عربٍ وكردٍ وأرمن. ويتم تدريس اللغات العربية والكردية والسريانية في مدارسها الرسمية، وترفرف أعلام  الإدارة الذاتية فوق مؤسساتها ومبانيها الرسمية، ولكل مكون من مكونات المنطقة الحق في ممارسة طقوسهم الاجتماعية والثقافية والدينية. وبالمقابل لو أمعنّا النظر في ممارسات الدولة التركية في المناطق التي احتلتها في الشمال السُوري، سنجد إن المنطقة الممتدة من جرابلس وحتى مارع تشهد تغييراً ديموغرافياً ممنهجاً تسعى اليها تركيا منذُ أمدٍ بعيد.

حقيقة المخطط الهادف إلى التغيير الديموغرافي في جرابلس ومناطق الشهبا؟

تشير الوقائع التي شهدتها سوريا إلى أن حكومة العدالة والتنمية بقيادة الطاغية أردوغان كانت تملك تصوّراً واضحاً لعملية التغيير الديموغرافي. فقد هَدَفَت إلى تغيير التركيبة الطائفية في مدنٍ بعينها على وجه الخصوص، وتغييرُ هذه النسب على المستوى الوطني، ويمكننا القول بأنها  نجحت فيه إلى حدٍّ كبير.

بشكلٍ عام تتمكّن المجتمعات من تجاوز آثار الحروب مهما طالت مدتها أو اتسعت رقعتها، ما لم يرتبط هذا الأثر بالسكان، سواءً بإجبارهم على الانتقال إلى بلدٍ أو منطقةٍ أخرى وإحلال آخرين مكانهم، أو بتغيير انتماءات الأشخاص كما كان شائعاً في الحروب القديمة. حتى أن بعض المؤرّخين قالوا:” إن الحرب لا تُحقّق نصراً ما لم تتمكّن من تغيير الواقع الديموغرافي على الأرض”، وهذا بالضبط ما يسعى إليه اردوغان في هذه الفترة من عمر الأزمة السورية في مدينة جرابلس والمناطق والقرى والبلدات شمال حلب.

في سوريا يتناقص عدد السكان بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات السابقة ليصل في نهاية 2015 إلى ما يقارب 16 مليوناً بعد أن كان قرابة 23 مليوناً إلى ماقبل العام 2011.

ولكن رغم التناقص الكبير في عدد السكان في سوريا (المناطق التي احتلتها تركيا خاصة) إلا إنه لا يتم نشر أية معلومات من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكذلك أيّة معلومات عن التركيبة الدينية والطائفية للاجئين، برغم أنها تجمع هذه المعلومات من اللاجئين في كل الاستمارات التي يقومون بتعبئتها.

لكن التقديرات تُشير إلى أن الأغلبية الساحقة منهم هم من الكرد والمسيحيين وبعض السنة المعارضين للاحتلال التركيّ الحركة والعثمانيّ الصِبغة.

سياسة التتريك المعاصرة

من خلال قراءتنا للتاريخ سنجد إن ممارسات دولة الاتحاد والترقي تعيد الگرَّة من جديد في جزءٍ من الشمال السوري، التهجير القسري للسكان الأصليين من مناطقهم وقراهم في ريف الباب الشمالي وفي جرابلس، واستيطان المكون التركي عوضاً عنهم، لهوَ من أكبر الأدلة على سياسة التغيير الديموغرافي.

كما إن الأعلام التركية المُرفرفة فوق كافة المراكز والدوائر الحكومية هي من ممارسات سياسة التتريك، والتي تُوِّجَتْ بتدريس اللغة التركية ومنع تدريس اللغة العربية في المناطق من جرابلس حتى مارع، والتي أغلبية سكانها من المكون العربي، والتي خلقت سخطاً وامتعاظاً من الشعب الذي باتَ يُدْرِكُ مدى عمق الهوة الذي سقطوا فيها.

لماذا جرابلس ومناطق الشهبا؟

عمدت الدولة التركية في احتلال مدينة جرابلس والتقدم نحو مدينة الباب ومنبج لغاياتٍ استعماريةٍ قذرة، ليتمكن في بداية الأمر من ضرب المشروع الكردي في سوريا المتمثل في اللامركزية والأمة الديمقراطية والعيش المشترك والتعايش السلمي، الذي كانتا الهدف الأساسي لمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تم الإعلان عنها في روج آفا، ولتتمكن من دعم داعش والفصائل الإسلامية الراديكالية التي تم تدريبهم في معسكرات تركية، وليستمر في دعمهم ضد الكرد وقوات سوريا الديمقراطية التي عزمت على القضاء عليهم من خلال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة الرقة.

وكون هذه المناطق هي صلةُ الوصل بين تركيا وعاصمة داعش المزعومة (الرقة)، والهدف الأساسي والذي شكَّلَ ودعم وأسس داعش من أجله، وصرحت في الكثير من المناسبات بإقامة منطقة عازلة أو منطقة آمنة حسب زعمها هو للحيلولة دون وصل الكانتونات الثلاث مع بعضها (الجزيرة – كوباني – عفرين).

جرابلس وشمال حلب منذ بداية الأزمة السورية إلى يومنا هذا

منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011 سيطرت ما يسمى بالجيش الحر على هذه المدينة الحدودية، وبعدها بفترة قصيرة تدخلت تركيا مادياً وعسكرياً في دعم تلك الفصائل المسلحة لأطماعها التوسعية والاقتصادية، فاستفادت من تلك المدينة ومعبرها الحدودي في تبادلها التجاري مع صنيعتها داعش، فكانت تبتاع النفط الخام بأبخس الأسعار وتكررها في تركيا هذه من جهة، ومن جهةٍ أخرى أُدْخِلَتْ من خلالها جميع مصانع ومعامل حلب التي تمت سرقتها من سوريا وتم بيعها في تركيا، وكذلك الآثار السورية التي كانت لتركيا الدور الأبرز والأهم في بيعها وتهريبها وإيصالها إلى المتاحف الأوربية وايجاد التجار والسماسرة لها.

كما لعب هذا الخط بين  مدينة جرابلس وشمال حلب الدور الكبير في استمرار دعم داعش في سوريا، للتمكن من الاستمرار في أعمالها العدائية وخاصةً ضد الكرد، ولتكون خط الإمداد الوحيد والرئة التي تتنفس منها داعش وتتسلح من خلالها، وتقوم بإدخال  العناصر الوافدة من أوربا والدول العربية والدول الآسيوية وبالعكس إليها.

كيف تم تفريغ تلك المناطق من سكانها الأصليين؟ 

قامت الدولة التركية منذ اللحظة الأولى لاحتلالها لمدينة جرابلس والخط الواصل منها إلى مدينة الباب ومنبج، ومنها إلى عاصمة داعش المزعومة (الرقة) بالقيامِ بأعمالٍ عدائيةٍ بغية طردهم وإفراغ تلك القرى والمناطق من سكانها، فكانت تمارس العنف الجسدي ضد نساءهم، كما كانوا يقومون بقصف تلك المناطق بالمدافع والطائرات بحجة تواجد قوات سوريا الديمقراطية فيها، حتى كادت تلك المناطق تتحول إلى أطلالٍ لا تصح للسكن والعيش، إلى جانب المجازر التي كانت تُرْتَكَب بحق المدنيين في المنطقة جراء القصف المتعمد على المناطق المأهولة، كانت الدافع الأول للتهجير والنزوح من تلك المناطق والقرى والبلدات.

المظاهرات الشعبية ضد محاولات التتريك

إن قسماً كبيراً من سكان مناطق الشهباء قد تعرضوا للهجرة القسرية بعد الاحتلال التركي لمناطقهم، وتوجهت الشريحة الكبرى من السكان نحو مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في منبج وعفرين، لكن قسمٌ من السكان الذي فَضَّلَ البقاء في منزله وأرضه قد تعرض البعض منهم للمجازر كما في قرى جنوب جرابلس، والبقية الباقية التي لربما قد استبشرت خيراً قد تعرضت لسياسة التتريك ومحاولات الإبادة الثقافية والفكرية، مما دفع السكان للقيام بالمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات للتعبير عن رفضهم وسخطهم من هذه السياسة الممارسة بحقهم من قبل الاحتلال العثماني.

إذ أن الشعب السوري عامةً يعتبر من الشعوب المنفتحة والمثقفة، ولذلك فهم على درايةٍ تامةٍ بالسياسة الشوفينية العنصرية المُطَبِّقة بحقهم، وكونهم كانوا في الماضي مروا بتجربةٍ مريرةٍ مع الدولة العثمانية التي حكمت سوريا قرابة 400 عام.

وللمزيد من المعلومات حول هذا الاحتلال وطريقة تعامله مع ابناء المنطقة، والتصرفات والقوانين والأعراف الذي كان يطبقها مرتزقة الاحتلال التركي (داعش) بحق أهالي هذه المناطق، والقهر والظلم الذين تعرضوا له تحت نير سيطرتهم، ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي إجراءَ لقاءٍ مع السيد اسماعيل هلال الرئيس المشترك لمجلس مناطق الشهبا، للاطلاع عن كثب على ممارسات الدولة التركية في مناطق الشهباء وكان الحوار التالي معه:

  • هناك العديدُ من القرى التي تعرض سكانها للهجرة من بيوتهم بعد الاحتلال التركي لقراهم، ما هي ممارسات الدولة التركية في هذا المضمار؟ وهل حاولت تركيا استيطان الترك أو الموالين لهم بدل السكان الأصليين؟
  • تعرض الشعب في هذه المنطقة لأبشع الأساليب حيث أن القرى تعرضت للتهجير القسري الممنهج، ومعظم هذه القرى تقع في جنوب مدينة جرابلس وريف الباب الشمالي، وغالبية هذه القرى هي كردية ويسكنها الكرد بأغلبيةٍ ساحقة، ومن هذه القرى نذكر لكم أسماء بعضها وهي: (تل بطال – شدود – تل جرجي – كعيبة – دوديان – كدريش – قره كوز – تل الشعير – شاورا)

ومنها ما دُمِّرَتْ بالكامل واستوت مع الأرض كـ (دوديان – وقباسين)

– اللغة السائدة في جرابلس والمناطق الخاضعة للسيطرة التركية هي اللغة التركية، وهي وحدها التي تدرس في المدارس، ما هو رد الفعل الشعبي إزاء التدريس باللغة التركية فقط وحذف العربية؟

– بالنسبة للغة التركية تُدَّرَسُ في مدينة جرابلس فقط، وأيضاً لا يلقى قبولاً من السكان وخاصةً العرب والكرد، ولكن هم يحاولون من خلال هذه الممارسات تتريك السكان وخاصة الأطفال وعثمنتهم، وتغيير الثقافة في تلك المدينة واستبدالها بالثقافة التركية العثمانية المناهضة للأقليات وباقي الديانات.

– العملة المتداولة من جرابلس لمارع هي العملة التركية، وكذلك ترفرف الأعلام التركية فوق كافة مراكزها الرسمية، مع إلغاءٍ تامٍ للعملة السورية، ما هو رأي السكان اتجاه هذه الممارسات؟

– العملة المتداولة في جرابلس منذ قدوم الاحتلال التركي هي الليرة التركية، وهي العملة الوحيدة تقريباً المعترفة بها في تلك المدينة، بالإضافة إلى هذا التصرف الذي يخالف الأعراف الدولية وقوانين مجلس الأمن، إلا أن هناك الأعلام التركية التي  ترفرف على مراكز الصحية والبلدية والدوائر المدنية في المدينة، هي مدينة سورية فكيف لدولةٍ جارةٍ أن ترفع علم دولتها على دوائر ومراكز ومشافي دولة أخرى؟ إلا أن السكان يرفضون هذا العمل ويدينونه ويتظاهرون تنديداً بهذه التصرفات كما شهدناها في الأيام القليلة الماضية، ولكن ليس هناك من يعطي الأهمية لتلك التظاهرات، كثيرٌ ممن جلبتهم تركيا إلى تلك المناطق ويوالون تركيا من بعض المرتزقة ممن يدعون أنهم تركمان يقبلون هذا العمل.

– ما هي الممارسات الأخرى التي تقوم بها الدولة لترسيخ التغيير الديموغرافي في المنطقة؟ بعيداً عن أعين الإعلام والرأي العام العالمي؟

– تقوم العناصر الموالية لتركيا (عناصر داعش وغيرها) بالكثير من الممارسات اللا إنسانية من ذبحٍ ورجمٍ وجلدٍ وقطعٍ للأطراف على مرأى ومسمع العالم أجمع وعلى الفضائيات، وهناك أعمالٌ تقوم بها بعيدةً عن الإعلام حيث يتم خطف المدنيين وفرض فدية مادية، ونهب ممتلكاتهم من المواشي والآليات الزراعية وحرق بيوتهم

وهذا ما حدث في ( قباسين ونعمان وشدود وكعيبة).

كلمةٌ أخيرة تقولها لصحيفة الاتحاد الديمقراطي نهاية هذا الحوار الشيق معك.  

في النهاية أشكر بدوري هذه الصحيفة وجميع الإعلاميين العاملين فيها على تحريك وتسليط الضوء على هكذا موضوع حساس يهم الشعب في شمال حلب وشعب سوريا ككل، ولا يسعني إلا أن أشكركم باسمي وباسم كل مكونات منطقة الشهبا،  ونتمنى لكم التوفيق والنجاح.

اعداد: رياض يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى