مقالات

تركيا تتجه نحو الهاوية في زمن الصقيع السياسي والاجتماعي والاقتصادي

في الايام القليلة الماضية هبطت قيمة الليرة التركية الى ادنى مستوياتها واصبح الدولار الواحد يعادل تقريبا 3,74 ليرة تركية واليورو الواحد اصبح يعادل تقريبا 4 ليرات تركيا وهناك اخبار واردة تبين بأن تركيا ستبيع جنسيتها للاجانب مقابل دفع اموال او مقابل شراء عقارات بمبالغ مالية باهظة وهذا يعني الكثير من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية السياسية هناك صقيع وجمود حاد وضغط رهيب على البرلمانيين لقبول تحويل النظام السياسي الى نظام رئاسي وحدثت صدامات دامية البارحة في البرلمان التركي بين حزب أردوغان وحزب ال ج ه ڀ الذي يؤكد مع حزب ال ه د ڀ بأن النظام الرئاسي سيحوّل أردوغان الى حاكم مطلق لتركيا وهذه اشارات واضحة على بداية دخول تركيا الى الهاوية الاقتصادية والسياسية.

يهرب الاغنياء الاتراك والكورد من تركيا الى امريكا ومختلف دول العالم ويقطعون بطاقة الذهاب فقط للعيش في وطن آخر يرتاحون فيه، والهاربون بشكال خاص هم من العلمانيين الديموقراطيين وخاصة من تظاهروا ضد أردوغان في عام 2013 م وكانوا يحلمون بتركيا أخرى ويبدو انه كان حلما انتهى في المدى القريب على الاقل.

يهرب أصحاب الفن والمواهب والفنانون والمصممون واصحاب الشهادات الجامعية الاذكياء من تركيا وخاصة مَن يتكلمون ويتقنون اللغات الاجنبية بطلاقة والسبب الرئيسي هو الخوف من أردوغان والخوف من تحوّل المجتمع التركي الى مجتمع اسلامي بامتياز والخوف من العمليات الارهابية في كل مكان ومن ارهاب اردوغان ضد كل من ينتقده وهذا الخوف هو السبب الرئيسي من عدم قيام المظاهرات في المدن التركية وخاصة في استنبول، لقد تلاشت الطاقة التي كانت تشعل المظاهرات ومَن تبقى من النخبة المذكورة باتوا يفقدون زملائهم السابقون الهاربون نحو البلدان الاخرى ولا يوجد هناك احصائية رسمية للاكاديميين الذين غادروا تركيا ولكن نظرة بسيطة الى وسائل التواصل الاجتماعي يبين كيف ان الامر جدي بهذا الصدد.

بدأت النخبة الاكاديمية تغادر تركيا منذ سنتين وبشكل خاص ازداد عدد المغادرين منذ الانقلاب المزعوم في الصيف الماضي بوتيرة سريعة.

استانبول لم تعد استنبول التي كانت قبل عشرة سنين وخاصة من الناحية الاجتماعية نتيجة للتضييق على الحريات العامة والشخصية، فالمضايقات بدأت منذ الصيف ضد النساء وخاصة في استنبول بحيث تم رمي بعضهن من الباصات ووسائل النقل من اللواتي لباسهن لا يليق باللباس الاسلامي، ويتم سب بعضهن نهارا جهارا وخاصة مَن يلبسن سراويل قصيرة ومَن يدخنن في الساحات والحدائق العامة بل ويتم ضرب النساء من قبل مجموعات اسلامية على غرار جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدن السعودية، وهذه المجموعات تهدد ايضا النساء اللواتي لا يلبسن الحجاب ويهددون الشباب الذين يشربون الكحول وهناك تهديد للمطاعم التي تقدم المشروبات الروحية وتهديد لاصحاب الخمارات ودكاكين المشروبات الروحية.

مع حدوث كل تلك المضايقات وغيرها وأيضا العمليات ( الارهابية ) التي تمت خلال ال 12 شهرا الماضية (والتي اُحصيت بستة عمليات) جعلت الشابات والشباب التركي لا يخرجون بشكل عام من بيوتهم خلال العطل وعطلات نهاية الاسبوع.

بالاضافة الى ذلك تم الغاء كثير من الحفلات الموسيقية والفعاليات المسرحية والحفلات الاخرى خلال الاشهر الماضية خوفا من التهديدات والعمليات الارهابية وتم اغلاق عشرات من الدكاكين التي كانت تُفتح خلال عطلات نهاية الاسبوع نتيجة الخوف والتهديد.

تقول بعض الاحصائيات بأنه هناك تراجع للسياحة في استنبول بنسبة 80% ، وفي كل يوم يتم اغلاق عدد من الدكاكين بسبب الافلاس نتيجة لذلك، وتم اغلاق عدد كبير من الفنادق وخاصة في ضاحية السلطان أحمد، وتم اغلاق كثير من دكاكين السجاد والمجوهرات بما فيها دكاكين الذهب والفضة بل وحتى دكاكين بيع مستلزمات الشاي والقهوة من كاسات وفناجين وغيرها، وتم اغلاق كثير من دكاكين صرافة العملات نتيجة لانخفاض عدد السياح وهبوط قيمة الليرة التركية.

وبات المستثمرون في تركيا يفكرون بشكل جدي للشطب على مشاريعهم وانهاء عقودهم بالسرعة الممكنة لسحب اموالهم نحو دولة آمنة فالرأسمال كما يقولون جبان ولا يتحمل آلام عدم الامان.

وأخيرا لا بد من القول بان تركيا تقوم الآن عن طريق البرلمان بتغيير 18 مادة في الدستور وسيتم تحقيق ذلك خلال الاسبوعين القادمين بحيث سيتم مناقشة كل مادة على حدة والتصويت عليها وبالطبع سيكون التصويت لصالح اردوغان نتيجة لتحالف حزب ال م ه ڀ معه ومع حزب ال أ ك ڀ وبعد الموافقة على المواد المذكورة سيتم التصويت على حزمة تلك المواد وبالطبع سيكون التصويت لصالح أردوغان، وبعد ستين يوما من التصويت على الحزمة كاملة سيتم اللجوء الى استفتاء الشعب على تلك الحزمة وبعدها سيكون الطريق مفتوحا لاردوغان للتحول الى النظام الرئاسي، وسيضع أردوغان كل السلطات بيده بشكل مطلق وسيتم الغاء منصب رئيس الحكومة وسيعين اردوغان بنفسه نائب او اكثر للرئيس وسيتم تعيين الوزراء بنفسه.

كل هذه العوامل الذاتية الداخلية بالاضافة الى العوامل الخارجية وخاصة القضية الكوردية ومشاكل تركيا مع كثير من الدول ستأخذ تركيا  نحو الهاوية وتضعها  في زمن الصقيع السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي ستؤدي بالنهاية الى تفتيت الدولة التركية ودخولها في فوضى عارمة وتقسيمها وحصول الكورد على حقوقهم وحلمهم بكوردستان مستقة.

سيف دين عرفات

زر الذهاب إلى الأعلى