دراسات

تحريران؛ يلزمان الموصل

sehanok-dibo2سيهانوك ديبو –

من تكون داعش؟

آباء داعش وأمهاتها؟

لأن داعش لم تُخلق من الفراغ، بل وجدت لنفسها حاضنة اجتماعية و سياسية تأخذ بها ويؤخذ منها وقد ظهرت هذه الحاضنة في تموجدات كثيرة أهمها فعل الحشد البشري في مصفوفات الفكر الديني المتطرف وشقيِّن من تحولاته الكمية الكبيرة وثانيها الكيفية الناتئة والمسلوبة سلبية إلى وجود جغرافي أكثر وضوحا. وبخاصة بعد أحداث الموصل المتسارعة و على مرأى الجميع (أعدائها- خصومها؛ أعدائها وخصومها الافتراضيين)، ولكن؛ ورغم ذلك؛ فإنها تُسار بقرار؛ يشترك في هذا القرار مجموعة من الجهات الإقليمية والدولية يصل بعضها إلى درجة معاداة هذا التنظيم؛ نعم يعادون التنظيم ولكنهم يساهمون في صناعته أيضا، من مبدأ إدارة الأزمة وتقليص دوائر الخطر من الجهة النافذة إليها الأخطر؛ شأن المستبد المحليِّ وزُمر استبداده؛ شأن المستبد الإقليمي وزُمر استبداده القوميّة والدينية والقومية الطائفية، شأن المستبد العالمي وتصديره المستمر للمشاكل وللأزمات الداخلية؛ حينما يَعْمَد على سَوقِ شعوبها بمنطق الذكاء التحليلي لعديد من الأسباب: داخلي من أجل تبرير الاستبداد وعلى مختلف مشاربه وانطلاقاته؛ استبداد تلك المصادر بمصائر شعوبها، وخارجي من أجل صناعة الأزمة والمشاركة فيها حتى تحقيق أجنداتها. وأيضاً وعلى المنحى الإقليمي؛ إيران متورطة وكذلك تركيا والنظام الذي أفرغ العديد من سجونه الملآى ب (الإرهابيين) يوما؛ وقلده في ذلك المالكي أيضاً؛ والجميع (مُنَسِّقون) أشداء مع الأنظمة العالمية التي يتوقها جمع هذه الحشود وزجهم في مكان واحد.

ومصادر القرار في صنع قرار الدولة متعددة يعود هذا التعدد إلى وجود مسبق للدولة نفسها قد تكون ذاتها هي (أركانات الدولة) في صنع داعش أكثر وقد تصل أحيانا أخرى إلى التحارب والتناقض بين مراكز القرارات نفسها، النظام وتركيا مثالا، والأخيرة التي حشدت جموعا كبيرة في أراضيها ودفعتها طيلة أربعة سنوات بشكل مستمر لقتال شعب روج آفا- شمال سوريا وبكل مكوناته، ها هو يتنصل من “لعبته” ويدرجها بجرة قلم براغماتي بأنها إرهابية ..مارقة…آبقة.

دراسة واقعة داعش وليست الظاهرة بشكل علمي وعملي يحيلنا بأن داعش نفسها اعتمدت على ثلاثة ركائز أساسية –استفادت بدورها مِنْ مَنْ استفادوا منها- في عموم المناطق التي احتلتها أو تم تسلميها أياه.

الركيزة الأولى: هي المرونة وتتمثل وفقهم بقراءة الواقع والاستفادة من تجارب الحرب الأهلية في لبنان، ومن دروس بن لادن ومن تجربة التمدد في أفغانستان وباكستان، حتى يضمن لها البقاء قوية على أنها طرف من أطراف الصراع، وخاصة بعد التهام فصائل ما كان يُسمى بالجيش الحر وانضوائها – مرغمة أو طواعية- تحت الكنف (القوي)، ومن ثم اعتبار هذه الجماعات المسلحة في كنف القاعدة وتنظيم الدولة من القوى الموجودة على الأرض السورية.

الركيزة الثانية: التي اعتمدتها الدولة هي الدور الوظيفي؛ أي إلهام كافة الفئات العمرية وخاصة فئة الشباب بما يسمى بالدور الوظيفي لتنظيم داعش؛ وتحديده بأنه الحل بعد ظهور أكثر من ألفي جماعة مسلحة في سوريا لوحدها وبحسب القائمة الأردنية التي لم تنشر حتى اللحظة وقد تم اعدادها وفق قرارات اجتماع فيينا في نهاية تشرين الأول 2015، الدور الوظيفي المزمع لعبه من قبل الدولة، ستكون حاسمة في معركة الشام.

الركيزة الثالثة: استمرارية الصراع وموائمة الظروف المحيطة للحدث الداخلي، وهي مأخوذة عن الفكر القاعدي في أفغانستان، ويطبق التنظيم نفس التطبيقات المتعلقة بهذه الركيزة في سوريا، ولا تهم الدولة اعتماد أية سياسة حتى الوصول إلى هذه الغاية، فكلما استمر الصراع واستطاعت الدولة أن تُبقي على قواعدها وتتمدد إلى مناطق أخرى، و(تتنازل) عن مناطق مقابل مناطق جديدة، تعود بنجاح فرص البقاء وترسيخ فكرة الخلافة على طرفي الحدود السورية والعراقية.

أعتقد هنا أن هذه الركائز مأخوذة من الفكرة التي تعود لمبدأ معروف وقد تم ذكرها من قبل ابن خلدون في مقدمته؛ وهي أن مرحلة بناء الدولة والحروب التي تنشأ بسبب ذلك تجعل الكلمة الأولى لأصحاب “السيف” وأي استقرار يحدث لاحقا تنتقل معه الكلمة إلى أصحاب “القلم”. والقلم بالنسبة لداعش هي تأسيس الخلافة والاعداد لها عالميا.

ضمن هذا التصور؛ ووفقاً لسياسة الإرهاب العنفية هذه؛ وبناء على هذه الاستراتيجية المدمرة للأصول وللحيثيات، ظهرت هذه الواقعة ولم تهمها ما هو الشكل الذي تظهر فيه: فنراها أحيانا مستأجرة، وأحيانا مستباحة، وأحياناً موجودة. وفي هذه الصيغة تقدَّم التنظيم جغرافياً لبضع من الوقت وقدمّت (الدولة/ داعش) نفسها كجسد بلا رأس. وأعتقد أن هذه الاستراتيجية قد تحولت إلى تكتيك في فنائها/ أو اختفائها حتى العودة مجدداً حين يلزم. وبالرغم من بعض المكاسب التي ظهرت بأنها من فعل الجماعة، إلّا أنها في الحقيقة قد تحققت هذه المكاسب الآنية بفضل أعداء الجماعة وأشد خصومها.

 مقتطفات من الدراسة التي كتبتها في 26 حزيران 2014 أي بعد حوالي أسبوعين من احتلال داعش للموصل http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=421080.

تحرير الموصل الأول والثاني

من المرجح بأن تنتهي معركة تحرير الموصل من داعش قبل الثامن من تشرين الثاني المقبل؛ يوم انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد. كما أنه من المرجح أيضاً أن يستمر التحرير الثاني أي المتعلق بالشأن الذي سيبدو فيه الموصل ما بعد داعش إلى أربع سنوات قادمة من الآن. تبدو الموصل محطة من محطات التغيير في عموم الشرق الأوسط ومفصلاً يتم الارتكاز عليه حين تدوير الخرائط الجديدة التي تحل بشكل تراكمي متدرج في الشرق الأوسط.

لا يمكن لأحد أن يجاهر اليوم بأنه ضد عملية/ عمليات تحرير الموصل بمن فيهم تركيا التي تمثل اليوم كما سابقها منذ مئة عام منصرمة استراتيجية داعش ويبدو بأن هذه الاستراتيجية ليست سوى تكتيكات متناقضة ستسكن حينما تجد تركيا نفسها قد تقلصّت جغرافياً بعد تمدد جغرافي محتمل لها. وبمن فيهم جزأين من داعش الذي يتحول اليوم بدوره إلى ثلاثة أجزاء؛ قادة داعش ومقاتليه الذين وصلوا أو سيصلون بطريقة أو بأخرى وفي فترة وجيزة إلى الرقة ودير الزور ومناطق أخرى يلزم داعش أن يكون فيه موجوداً أو أن يتماهوا مع رمل الصحراء كما السابق حتى يتم استنطاقهم مرة أخرى حين اللزوم. أمّا جزأيه الآخرين (العشائري الحاضن لداعش طيلة أكثر من سنتين وما قبله كمتلقفين لفكر أبو مصعب الزراوي) و(العامّة المواصِلة؛ أهل موصل العوام الذين لم يجدوا سوى المبايعة لداعش أو التبييع له غرض عدم الهجرة أو القتل أو التنكيل) فإنهما أي هذين الجزأين يبدوان منذ لحظة (الصفر) في هيئة المُنْفَكِّ من داعش.

وبحسب حَمَلَةِ أغلب الأجندات المرفوعة والمُرفرِفة على (غالبية) بنادق المحررين فإما أن تحترق الموصل لكثرة الطباخين -بعد حرقها بالأساس من قبل داعش- أو يتم الاحتكام إلى مستقبل التاريخ؛ وهذا يلزمه كما أشرنا إلى أربعة أعوام أو مثلها.

لماذا تحترق المدن؟

الإنسان السياسي السويِّ الذي ابتدأ كقاطف ثمار ثم كصيّاد ثم كمزارع؛ كان لا بد له أن يتوقف عند ذلك وإنْ فاق الأمر قدرته كان لا بد له أن يُبْقي تلك المرحلة مركزية، وقد كان له أن يفعل ذلك أي لا يسمح أن تتحول تلك المجتمعات/ الكِلّانات إلى مدن؛ إنما؛ أعداد هائلة من القرى حواضن المجتمع السياسي الأخلاقي. أمّا هدف الدولة يصبح، على الصعيد العام، حكم المدينة المبنية بحيث يتَّجه جميع مواطنيها نحو الفضيلة؛ فإنها مقولة لم تلامس واقع الفضيلة والهدف إليه، ويحق النظر إليه اليوم بالكثير من التشكيك حتى لو كان قائل ذلك هو سقراط. لأن كينونة المدن وسلطوية الدولة التي ابتدأت من المدينة هي نفسها منْ تُجْهِرَ على حرقها؛ أكثر من تسعة آلاف مدينة تم حرقها عبر هذا التاريخ الدموي من نيرون إلى هولاكو إلى تيمور لنك إلى هتلر إلى صدام إلى الهتلر الحديث/ أردوغان وجميع من يشبهونهم. أمّا الأخير فيظهر كقاتل ويبغي من تحرير مدينة الموصل حرقاً لها؛ ظناً منه وهراءً به أنّ بإمكانه حرق مشروع الحل الديمقراطي للشرق الأوسط بكل قضاياه الواجبة حلها ومن ضمنها القضية الكردية سواء في في إيران وفي كلاً من العراق وسوريا وبالتالي إلى عُقِر خلافته/ الدولة العثمانية.

 ولأن الذي صار قد صار، ولكي لا نبدو بمظهر الرَّفَضةِ المطلقين، وكي تبدو الأمور بدون استعصاء فإن تنظيم المجتمع وتحويله إلى مئات من المؤسسات وآلاف الكومينات سيقطع الطريق أمام أي احتراق يُضمره قُطاع الطرق ومعرقلي الحلول كما حال أردوغان الذي تحول اليوم من داعشي قبل تحرير الموصل إلى عثماني داعشي بعد تحرير الموصل بكل ما ينجم عنها من متغيّرات لقواعد اللعبة السياسية التي ستستقر على رأيٍّ في نهاية الأمر بعد أن تختفي أسماء لجغرافيات تم استحداثها قبل مئة عام منذ هذه اللحظات دون ورغماً عن الشعوب.

بعيداً عن تفسير المؤامرة الذي نعيش اليوم في أصيله، لكن من الخطيئة أن يتم تفسير الأزمة في الشرق الأوسط على أنها حرب بين الشيعة والسنة، وأن يتم تفسيرها على أنها حرب بين القوميات، وأن حق تقرير مصير الشعوب في الشرق الأوسط يهدد أمن واستقرار شعوباً معينة. أو يتم تفسير التاريخ من النقطة الخطأ في اللحظة الخطأ؛ كما حال العثماني قبل خمسمائة عام والذي يظهر اليوم متشبثاً بالموصل طمعاً منه بالتوسع منعاً للتغيير القادم أو محاولة منه بأن سيُفشِّل مشروع الإدارات الذاتية الديمقراطية لروج آفا- شمال سوريا؛ مجرد كان له موطئ قدم في تحرير الموصل ولو عن طريق المشاركة من سمائها. ومصير هذه المحاولة كما حال السنوات الخمس ستكون الفشل.

مسألة التحرير الأوليّ لمدينة الموصل باتت مسألة وقت؛ خاصة بعد تجاوز الاختناقات التي حدثت حيال كيفية البدء والتي تعود بدورها إلى تركيا كمعرقل أساسي ومسؤول أساس عن هذه الاختناقات بالتشارك مع بعض من الأنظمة الإقليمية الاستبدادية التي تشبهها. لكن مسألة الموصل الأساسية متعلقة بالتحرير الثاني أي ما بعد المرحلة الداعشية وهذا هو السؤال. ربما الأنظمة الاستبدادية التي ساهمت في تشكيل داعش أو التي كانت المسؤولة الحاسمة عن انتصارات داعش بالأساس؛ فستبدو هذه الأنظمة مُجانِبة لبعضها في مواجهة بعضها الآخر بمفاد المزيد من القضم تجاه شعوبها.

تبدو شعوب الشرق الأوسط؛ وبالأخص شعب سوريا بكل مكوناته بعيون متوسِّعة وتتوسع أكثر بسبب المرور الكثير على الذي يحدث أمامه من مشاهد وتموجات: نظام استبدادي؛ معارضات في أغلبها دون برامج ورؤى تلامس الحل؛ تنظيمات إرهابية كما داعش والنصرة/ فتح الشام؛ أجندات إقليمية ومنفذيها من غالبية الأطراف؛ أجندة ما ورائية دولتية. من المؤكد بأن العيون الواسعة رأت وترى كل ذلك ورأت أيضاً ما يحدث في الجزء المهم من الوطن السوري/ روج آفا- شمال سوريا ومشروع الحل المتمثل بالفيدرالية الديمقراطية؛ بالرغم من التعب البادي عليه جميع السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى