تقارير

بانوراما الآستانة

asitanaهل (الآستانة) محطّةٌ اجباريةٌ للتوافق الروسي-التركي:

مؤتمرُ الآستانة الذي انعقدَ في الثالث والعشرين من كانون الثاني, هو نتيجةُ عجزِ المجتمع الدوليّ المُتقاعسِ عن إيجاد أيّ حلٍ للصراع السوريّ المُستمرّ منذ ستةِ أعوام. فعهدُ الرئيسِ الأمريكي أوباما كانَ مليئاً بالمطبّاتِ السياسيّة التي أغرقتْ واستنزفتْ جميعَ الأطراف المُنخرطة بشكلٍ مباشرٍ أو بالوكالة في الميدان السوريّ, ما يُرجّحُ لنا أنّ آستانةَ قد تأتي حاجةً ضروريّة لعزلِ المصالحِ المُتضاربة بين اللاعبين, وفي مقدّمتهم روسيا-إيران-وتركيا.

كما أنّ المناخَ السياسيّ للملفّ السوريّ تغيّرَ, بعدَ التقارب التركي الروسيّ, الذي حقّقَ مرونةً ديناميكيّةً في إنهاءِ ملفّ حلبَ الشرقيّة, وتحقيق تقدّم دبلوماسيّ للبلدين في إيجادِ ثُنائيةٍ مُشتركةٍ تمضي قُدماً لتحقيق المصالح المشتركة.

مؤتمرُ آستانة فُرصةٌ جيّدةٌ لِلَجمِ وتحجيمِ الجماعاتِ العسكريّة الإسلاميّة, وإنهاءِ دورها تدريجيّاً, كي تُصبحَ بعدَ ذلكَ مؤسساتٍ مدنيّة تُدارُ من قبلِ تركيا وروسيا مُناصفةً. المطلوبُ في آستانة معرفةُ مَن هي الجهاتُ العسكريّة القادرةُ على الدخول في شراكةٍ مع النظامِ, وهو المطلوبُ روسيّاً, حتى تأتي الإدارةُ الأمريكية الجديدةُ, وفقَ تفاهمٍ غيرِ مُعلَنٍ بينَ الطرفين.

آستانة مؤتمرُ تشليح ما تبقّى من العسكريين المحسوبين على المُعارضة, وتحجيمهم وإيجاد بدائل عن الباصات الخضراء, لأنّ إدلبَ ستكونُ الهدفَ التالي لإنهاءِ الإرهاب العسكريّ الإسلامي في سوريا, وذلكَ بتوافقٍ روسيٍ أمريكيٍ وتركيّ.

سياسيّاً لن تكونَ هناكَ أيّة مُناقشاتٍ جديّة للحلّ في سوريا, وكُرديّاً اختارتْ رئاسةُ إقليم كردستان العراق الشخصيّات الكرديّة السوريّة للحضور الشكليّ, بعدَ طلبِ تركيا من الإقليم ترشيح مَن تراهم مناسبين لهذا المؤتمر.

الآستانة لقاءُ الضّعفاء على حساب الدّم السوريّ:

روسيا تُحاولُ الاستقواءَ, لتحسينِ مواقعها, أكثرَ مِن كونها تهدفُ إلى وضعِ المسألة السوريّة على مسارِ الحلّ, وبالتالي الاعتقادُ بأنه لن يكونَ هناكَ أيّ تطوّرٍ على صعيدِ الوضع السوريّ في هذا اللقاء. روسيا التي تمزّقتْ بالحرب في سوريا, تحاولُ الإمساكَ بهذا اللقاء كورقةِ قوّةٍ تجذبُ إليها اهتمامَ أمريكا وأوروبا , لإعادةِ الاعتبارِ إليها كلاعبٍ دوليّ كبير, وعلى أملِ بدءِ محادثاتٍ جادّةٍ معها حولَ أوضاعها, وخاصةً مشكلة أوكرانيا.

تركيا, التي خذلَتها أوروبا وأمريكا, وتركتاها وحيدةً في مواجهة إيرانَ وروسيا, ووضعُها الداخليّ يتجّهُ إلى الهشاشةِ, وتراجُعِ ليرتها, وازدياد نفوذ الأكراد في منطقةِ الشريط الحدوديّ في سوريا, وازدياد الهجمات الإرهابيّة على أراضيها , تريد أن يرجعَ إليها دورُها المؤثّرُ, ويجنّبها مزيداً من الخسائر, عبرَ الاستقواء بالأطراف الإقليميّة تجاهَ الغرب وأمريكا.

النّظامُ أيضاً محتاجٌ إلى اللقاء, ليبقى ضمنَ اللعبة, ويحفظَ موطيء قدمٍ, تحسّباً لما هو مُقبلٌ, فهو لا يعرفُ  بالضّبط أين تتجّهُ بهِ المقاديرُ, ومَن سيُمسكُ بدفّةِ سفينتهِ في النهايةِ روسيا أم إيران.

المعارضةُ كذلكَ, وفي ظلّ التراجع السلبيّ لها, والتشتّت والفرقة بين الفصائل العسكريّة المُحتكمة لطبيعة سياساتٍ غربية, باتت ضعيفةً, و مضطرّةً للذهاب إلى مؤتمرٍ حُجبَت عنهم أجنداتهُ وجدولُ أعماله ومدتّه الزمنيّة وماهيته, ولم يُعرَف منهُ إلاّ الموافقةُ على الذّهاب من غيرِ شروطٍ مُسبقة, ليظلّ السؤالُ: إلى أيّ آستانةٍ هُم ذاهبون؟ ولتبقى الكثيرُ من الأسئلة مُعلّقةً: هل يمكنُ لإيرانَ وروسيا وتركيا, مع اختلافِ مصالح كل منها في سوريا, أن تكونَ جزءاً من الحلّ؟ ومَن سيرعى هذا الحلّ ويضمنهُ؟

لقاءُ آستانة هو لقاءُ الضّعفاءِ الذينَ لا يملكون الآنَ سوى الاستقواء بلقائهم غير المبنيّ على أسسٍ متينةٍ, ما يرجّحُ أن يكونَ حوارَ طُرشانٍ, وللأسف ذلكَ كلّهُ تقطيعٌ للوقتِ على حساب دم السوريين ومُعاناتهم, وعلى حساب تدمير سوريا.

بأيّ صفةٍ يحضرُ المجلسُ الوطني الكرديّ في المؤتمر!:

الوفدُ الكرديّ الذي حضرَ في الآستانة مؤلّفٌ من إبراهيم برو وعبد الحكيم بشّار, وهما عضوان فيما يُسمّى الائتلاف الوطني السوري, الذي تدعمهُ تركيا, علماً أنّ الاسمين لا يحتكمان على قوّةٍ مُسلّحةٍ داخل الأراضي السوريّة, وليس لها باعٌ في العمل العسكريّ, وهذا ما أثارَ الكثير من اللغط في الشارعِ السوريّ عامةً والكرديّ خاصةً, لما في ذلكَ من تعارضٍ مع منطلقات المؤتمر, فما نعرفهُ أن المؤتمر سيشاركُ فيه أولئك الذين يحملون السلاحَ في وجه بعضهم البعض, وهي مُقتصرةٌ على الأطراف التي تدعمها تركيا , والأطراف المدعومة من روسيا, للتوصّل إلى اتفاقٍ حولَ مشاركة القادة الميدانيين في العملية السياسيّة المُعطّلة والتي أساسها جنيف, وأنها ستشمل الفصائلَ العسكريّة التي وقّعت فيما سبق على اتفاقيّة وقف اطلاق النار, والتي ستبحثُ تثبيتَ وقفِ النار والخُروقات. وما نعرفهُ أيضاً أنّ المجلسَ الكرديّ أنكرَ في أكثر من مناسبةٍ علاقتَهُ المباشرة بأيّ من أطراف النزاع المُسلّحة. وعليه, فلماذا تُوّجه دعوةٌ لجهةٍ كرديّة لا ثقلَ لها أو وجود على أرض الواقع؟

إنّ حضورَ المجلسَ الكرديّ يُظهرُ لنا نقطتين:1-إنّ المجلسَ أصبحَ جناحاً عسكرياً ضمن الائتلاف الإخواني العنصريّ.2-سوف يكون للمجلس حضورٌ فعليّ في عمليّة القتل والتدمير في المناطق الجديدة التي سوف يحدّدها إداريي الآستانة المَخفيين, ليستمرّ تهجير وترحيل الشعب السوريّ.

وإذا ما عرفنا أنّ كل اجتماعات الفصائل المُسلّحة قد عُقدتْ تحت رعاية هاكان فيدان في أنقرة لاستخراج قائمة التمثيل النهائيّ لوفد المعارضة ,نفهمُ سببَ حضور هذين الشخصين, ونصلُ لنتيجةٍ  مفادُها أنه لا يوجدُ تمثيلٌ للشعب الكرديّ في مؤتمر الآستانة, ولا يمكنُ اعتبارَ حضور شخوصٍ كُرد موالين لهذا الطرف أو ذاكَ من أطراف الصراع المسلّح أنهُ تمثيلٌ كرديّ, وإنّ استحضار شخصين من ذوي الأصول الكرديّة كمُلحقَين , دونَ أن يُسمحَ لهما بالجلوس على المنصّة الرسميّة ضمن الوفود, وعدم السّماحَ لهما بالكلام في الجلسات الرسميّة, جاءَ فقط ضمن المُخطّط الهادف لوضعِ وحدات حماية الشّعب وقوات سوريا الديمقراطيّة على قائمة الإرهاب. والمُحزنُ أنهما فشلا في ذلكَ.

على كلّ مواطنٍ كرديٍّ شريفٍ بعد اليوم أن يتساءلَ: ما الذي يفعلهُ برو وبشّار في آستانة؟ وكيفَ قبِلا أن يكونا(عضوَين مُلحقين)تابعَين ,ذليلين في وفدٍ يقودهُ ويترأسهُ إرهابيّ من وزن (علّوش), أليسوا مُجرّدَ شاهدَي زورٍ على قيَم الكُردِ وقضيّتهم! أليسَ في وجودهما ضررٌ على القضيتين الوطنيّة السوريّة والكرديّة! أليسَت الدّعوةُ إلى إدراج حزب الاتحاد الديمقراطيّ ووحدات حماية الشعب والمرأة إجراءٌ خيانيّ قامَ به ممثّلا المجلس الوطني الكردي في آستانا!

مُحادثاتُ الآستانة تذكرةٌ إلى جنيف:

إنّ الهدفَ من اجتماع آستانة هو أن يكونَ مُكمّلاً لعمليّة جنيف, وليسَ بديلاً لها. ففي ضوءِ التطوّرات المُتسارعة, ومع الانعطافةِ السياسيّة التركيّة باتجاهِ تطبيع العلاقات مع روسيا منذ آب الماضي, وتزايد الافتراق بين الأجندتين الروسيّة والإيرانيّة, وتوّلي رئيسٌ جديد إدارةَ البيت الأبيض, وحال الإرهاق التي تعيشها فصائلُ المعارضة العسكريّة, لا سيّما مع ارتهانها للدعم الخارجيّ, والتي تمخّضت عن خسارة مناطق سيطرتها بحلبَ, يبدو أن الوضعَ باتَ أكثر قابليّةً لتمرير نوعٍ من التسوية للصراع السوريّ. بيدَ أنّ الإعدادَ لإخراج هذه الخطوة لا يشي باحتمال النجاحِ, لأسبابٍ عديدة, أولّها مشكلةُ التمثيل, وثانيها إنّ أيّاً من الطرفين الضامنيَن(روسيا الضامنة للنظام, وتركيا الضامنة للمعارضة)لا يستطيعُ فرضَ أجندتهِ تماماً على الأطراف المعنيّة, فروسيا تواجهُ عُقدةَ هيمنةِ إيرانَ على النظام السوريّ, ولها قواتٌ عسكريّةٌ على الأرض السوريّة , ومن جهةِ تركيا, فرغم نفوذها الكبير على الفصائل التي تعمل في الشأن السوريّ, فهو لا يكفي لفرض التسوية التي تتفّق عليها مع روسيا , فثمّةَ قوىً أخرى لها رأيها أيضاً فيما يخصّ مستقبلَ سوريا, كما أنّ هناك موقفُ الولايات المتّحدة الأمريكيّة من التسوية المُفترضَة.

الأمرُ يحتاجُ إلى مُداخلاتٍ أخرى:1-تبنّيه مِن قبَل أمريكا, التي تمتلكُ وحدَها إمكانيّة الضّغط على مُعظم الأطراف, والاستثمار السياسيّ في الاتّفاق وتحويلهُ إلى تسويةٍ دائمةٍ, بحُكمِ نفوذها. 2-ما سيختبرُ قوّةَ هذا الاتّفاق-في الأيام القادمة-هو ربما الدّعوةُ التي وجّهها المبعوثُ الدوليّ دي مستورا لاستئناف المفاوضات في جنيف(الثامن من شباط القادم),لكنّ الناحيةَ الأهمّ هنا ,هي أنّ أي حلٍ انتقاليّ أو دائمٍ في سوريا ينبغي أن يُمهّدَ لتسويةٍ سياسيّةٍ نهائيّة.

ربّما ستكونُ آستانة عاملاً مُساعداً في بلورةِ نوعٍ من التوافق بين المعارضة والنظام, ومُمهّدةً لاجتماع جنيف4, ولكن يبقى من الضروريّ حضورُ ممثلين عن حركة المجتمع الديمقراطيّ وقوات سوريا الديمقراطيّة للتوصّل إلى تصوّر حلٍ شاملٍ للأزمة السورية, وذلكَ بسبب طبيعة المشروع الديمقراطيّ الذي تتبنّاهُ حركةُ المجتمع الديمقراطيّ والمُتمثّلِ بفيدراليّة شمال سوريا, وكونُ هذا المشروع لا يقعُ في المنطقة الرماديّة بين النظام والمعارضة, لكنّهُ يُمثّلُ الطرفَ الثالثَ في الصراع السوري, ويمتلكُ قدراتٍ ديناميكيّة تتيحُ له فرصةَ النجاح وإقناع جميع الأطراف الدوليّة والإقليمية والمحليّة بأنّ الحلّ الوحيدَ للأزمةِ السوريّة هو سوريا الفيدراليّة(الاتّحاديّة).

لماذا لم تُدعى(وحدات حماية الشّعب)للآستانة؟:

واضحٌ من الدعواتِ التي وجّهها القائمون على المفاوضات السورية في آستانة حجمَ التجاهلِ الذي أبداهُ الروسُ لأكبرِ المُكوّنات الكردية المُسلّحة(وحدات حماية الشّعب), وتمثيلها السياسيّ(حزب الاتّحاد الديمقراطي),نزولاً عند الطلب التركيّ, الذي يتبدّى شرطاً لاستمرارِ العلاقة التركيّة- الروسية, وذلكَ حينَ لم يوجّه القائمون على العمليّة التفاوضية الدعوةَ إلى الفصيل الكرديّ الوحيد والوازن على الأرض السورية, وتوسعتها(قسد), في مُقابل ذلكَ, وفيما يُشبهُ عمليّة تجهيز ديكور عمل مسرحيّ, مرّرَ الأتراكُ أسماءِ سياسيين كرد مُنضوين في المجلس الوطني الكردي, والذي يحظى بدعم إقليم كردستان العراق, ولعلّ غيابَ أمريكا عن مفاوضات آستانة ساهمَ في منح الأتراكِ فرصةً أكبرَ لحجب هذه القوّة عن الحضور, وبالتالي إخراجهِ من الألعاب التفاوضيّة والمؤتمرات, ومن ثمّ إلزامه بقبول ما سيتمّ الاتفّاق عليه بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المسألة السورية. لقد تمّ استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطيّ(pyd)ووحدات حماية الشّعب عن الحضور, نزولاً عند الرغبة التركيّة التي تملكُ أكبرَ شبكة تحالفات مع المعارضة المُسلّحة, الأمر الذي يُسهّلُ جلبَ المُعارضة المسلّحة المُتصلّبة إلى طاولات التفاوض. وعليهِ, كانت تركيا حاضرةً في كل التفاصيل التي حالت دون حضور هذا الطرف الكرديّ الوازنِ على الأرض, علماً أنهم قوّة فاعلةٌ على الأرض, تملكُ جغرافية واسعة وقوة عسكرية رادعة وقيادات سياسية مُدركة لخطورة المرحلة, وعلاوةً على ذلكَ تملكُ مشروعاً سياسياً لحلّ الأزمة السورية, وحضورها يشكّلُ قوةَ دفعٍ للسلام وانهاء الأزمة في سوريا. إنّ مؤتمراً لا يشملُ القوى الفاعلة على الأرض سيكونُ بالطبع ناقصاً, وبالتالي لن يكونَ مساعداً على الحلّ العادلِ للصراع في سوريا.

الـ (PYD)و(قسد) الحاضرُ الغائب في آستانة:

منذُ بداية الصراع الدائر في سوريا كان موقفُ القوى الفاعلة في روج آفاي كردستان دائماً مُتوّجهاً نحوَ حلٍّ وطنيّ, بإشراكِ عموم القوى السورية الوطنيّة, وكانت تلكَ القوى تؤكّدُ على الدوام على أنهُ لا حلّ يمكنُ أن يبصرَ النور إلاّ أن يكون وطنيّاً بامتيازٍ ونابعاً من الإرادة السورية, ومبني على حاجةِ وطموح الشّعب السوريّ, ولم يكن هذا الموقفُ آنيّاً وإنما موقفٌ ثابتٌ بقيتْ القوى الديمقراطية في روج آفا تؤكّد دورهُ في كلّ حينٍ, وهي رؤيةٌ استراتيجيّةٌ للحلّ أكثر ما هو رأي أو شرط.

قواتُ سوريا الديمقراطيّة أثبتت نوعيّتها وكفاءتها في مُكافحة الإرهاب, إنها تُديرُ ما يتجاوزُ30 بالمئة من عموم الجغرافيا السورية, ومن الناحية السياسيّة فهي تشملُ مُكوّنات الشمال السوريّ, ونابعةٌ من إرادة المجتمع وتُمثّلُ أهدافهُ, وإنّ لها مؤسّساتٌ سياسيّة تُمثّلها كمجلس سوريا الديمقراطيّ والإدارة الذاتيّة . إنها مشاريعُ حلٍّ مُترجمةٌ على أرض الواقعِ, وتطرحُ من خلال عرض الفيدرالية رؤيةً شاملةً للحلّ الديمقراطي في عموم سوريا والمنطقة, وهو ردٌّ قويٌ على ادّعاءات تقسيم سوريا.

إنّ جهودها هي التي تَجني ثمارَها في الخفاء وعلى هوامش آستانة, وجاءت مفاجآتُ آستانة في لحظاتها الأخيرةِ دليلاً على قوّة الغائب الحاضر. نعم, وما دعوةُ الكُرد إلى جنيف, ومسوّدةُ دستور سوريا الجديدة, وخُطّةُ ترامب لإنشاء مناطقَ آمنةٍ في شمال سوريا إلاّ نتائجُ تنمو على الأرض بعدَ رشِّ البذار الجيّد, وإرواء الأرض بالدّم الطاهر.

نعم, دعت وزارةُ الخارجية الروسية الرئيسةَ المشتركةَ للحزب آسيا عبد الله, ورئيس مجلس الإدارة الذاتية في كوباني أنور مسلم, وممثّل الإدارة الذاتية في فرنسا خالد عيسى لحضور اجتماعٍ في العاصمة موسكو, وسيكون حاضراً أعضاءُ منصّة القاهرة(جمال سليمان)ومنصّة الرياض(رياض حجاب)وممثلين من تيّار المواطنة, وحسن عبد العظيم وأحمد الجربا ورندة قسّيس وقدري جميل وغيرهم, وذلك استعداداً للحوار المُرتقبِ في اجتماع المعارضة السورية السياسية في شهر شباط لحلّ الأزمة السورية في جنيف, وبحضور وفد النظام السوريّ , برعايةٍ دوليّة, تحت سقف الأمم المُتّحدة.

نعم, ومسوّدة الدستور التي اعتمدت الجمهوريّة السوريّة واللغةَ الكرديّة والإدارات الذاتيّة, والتي سُلّمت نسخةٌ منها في ختام المحادثات إلى النظام السوري والمعارضة على السّواء. مسوّدةُ الدستور التي أعدّها بعضُ الخبراء الروس ليست بجديدة, إنّما تعودُ إلى العام الفائت, وتمّ تغييرُ بعض المُصطلحات بكلماتٍ أخرى دونَ المساس بالجوهرِ. إنّها تنسجمُ إلى حدٍّ كبيرٍ, في غالبيتها, مع روحيّة وفكر الإدارة الذّاتية الديمقراطيّة. ربّما ما وردَ في هذا المشروع لا يكفينا ولا يلبّي طموحاتنا, لكنه نتيجة جهودٍ ونقاشاتٍ قديمةٍ وكانَ آخرها في قاعدة حميميم مع الروس. وإنّ فيه بنوداً تُحقّقُ تطلّعات الشّعب السوريّ في كثيرٍ من النواحي, وخاصّةً في علمانية الدولة ودمقرطة المجتمع.

نعم, وتقولُ ورقةٌ أخرى(توجّهُ وزارةُ الخارجيّة بالتعاون مع وزارة الدفاع في غضون تسعين يوم بوضع خطّةٍ لتوفير مناطقَ آمنة في سوريا وفي المنطقة المُحيطة) وهذا مؤشّرٌ على انحرافٍ كبيرٍ عن نهج أوباما المُتخاذل في نصرة قضايا الشّعوب, وحماية للكرد من التدخّلات التركيّة الهمجيّة في أراضي شمال سوريا. ربّما لن تستفيدَ تركيا(سياسياً أو عسكرياً) من تلك المناطق المُقترحة, المُستفيدُ الأكبرُ هي فيدراليّة الشمال السوريّ. المناطقُ الآمنةُ تعني تكريسَ الفيدرالية والأمر الواقع في شمالنا.

نعم, نجحتِ الدبلوماسيةُ الروسيّةُ في إقناع الدولة التركية وإيرانَ في الضغط على حلفائهم السوريين لقبولهم بالحلّ السياسي للأزمة السوريّة, ومن جهةٍ أخرى لم تنجح الحكومةُ التركيّةُ والكتائبُ المحسوبةُ عليها في جعل قوّات الحماية الشعبية من القوى الإرهابية, وهذا انتصارٌ للدبلوماسية الكرديّة.

لقد انتهى مؤتمرُ آستانة, وفتحَ الطريقَ أمامَ أمورٍ أخرى, وما يحدثُ غربي حلبَ هو من نتائج المؤتمر.

إنّ لقاءَ آستانة قد مهّد الطريقَ أمامَ مؤتمر جنيف, كما يجري الحديثُ عن التحضير لمؤتمر القاهرة الثالث, لجمع أطياف المعارضة السورية. ومن محاسنِ الصُدفِ أنّ وفدenks سيكون في جنيفاتٍ قادمة جزءاً من وفد الفصائل الإرهابية بقيادة حجاب والزعبي وعلّوش, بينما سيكون وفدُ الإدارة الذاتية ضمنَ مجموعة القوى العلمانية الديمقراطية, والتي ستشملُ منصّات موسكو والقاهرة وجنيف.

سليمان محمود 

زر الذهاب إلى الأعلى