المجتمعمانشيت

الوطنية فطرة …. لا تحتاج إلى عقلٍ مبدع! نعيم كوباني  (نعوو)

neooنارين تمو

في كل مكان يخطر ببالك أو قد لا يخطر ببالك تراه، في كل شارع في كل زاوية في كل مناسبة وفي كل مسيرة وفي مراسيم كل شهيدٍ تراه، ينظم الصفوف تارةً، ويردد الشعارات تارةً أخرى، ويقطع الطريق مشياً على الأقدام من كوباني حتى مقبرة الشهيدة دجلة، إنه السيد نعيم – هذا ما ناداه به الأمن السوري عندما اعتقلته في عام ٢٠٠٤- وهو هفال نعو الشخصية الكوبانية البسيطة الذي يعرفه الكبير قبل الصغير، والمتعلم قبل الجاهل.

ولو عادت بِنَا الذاكرة إلى ما قبل حرب كوباني، سنرى إن جميع أهالي كوباني يعرفون “نعو” الذي كان يخرج من قريته طفشو الواقعة جنوب كوباني كل صباح وينزل إلى قلب المدينة مع الباص القادم من حلب، وكان جميع ركاب الباص يعرفون نعو بجملته المعروفة (هل أكلت حبة الجنون، هل أنت عاقل أم مجنون) البعض القليل كان يمتعض من أسلوبه، ولكن الأغلبية الغالبة كانت تحبه، وتستلذ أسلوبه البسيط في التعامل سواء المسافر إلى حلب أو القادم منه يراه.

أو ما تفتأ تراه بين تلاميذ المدرسة المنصرفين حيث يقوم بدور المرشد أو الإداري يصدر النصيحة هنا و هناك، وفي كل المكاتب الخاصة لكافة الشرائح الاجتماعية تراه يمرُ عليهم ويلقي تحية الصباح أو المساء.

 جلَّ ما كان يطلبه لربما سيجارةٌ أو يكتفي بإلقاء السلام، وكذلك الغالبية العظمى من حفلات كوباني الرسمية والخاصة والأعراس ترى “نعو” مشاركاً لك في الحفلة ومنظماً إياها، ويقدم الخدمات وينظم الأطفال، أراهن إن كل أطفال كوباني  يعرفون نعو ويخشونه في المناسبات، ولا تزال البقية الباقية من صورنا المستخرجة من تحت أنقاض منازلنا، وأشرطة الفيديو لحفلات جميع أهالي كوباني المقامة في صالات الأعراس زاخرةً بوجود نعو لا سيما مع الأعراس.

إن نعو بشخصيته المحبوبة الاجتماعية المنبعثة من نبض الواقع الاجتماعي في كوباني، وبسبب ريادته جميع مناسبات وأحداث كوباني، كان من الطبيعي أن يأخذ مكانه بين الطليعة الريادية التي قامت بالانتفاضة في كوباني، وتم فيها حرق المراكز الحكومية ومنزل مدير المنطقة في عام ٢٠٠٤ على أثر انتفاضة قامشلو، ولأنه كان من بين الطليعة المؤثرة في المجتمع والشباب، اعتقلته سلطات الأمن السوري، ولا يزال الناس يرددون كيف داهم الأمن منزله منادين له بالسيد نعيم، الذي خرج إليهم يرتعب من الخوف، ولكن ذهنية الأمن السوري التي لم تكن تميز في الاعتقال بين الناس العاقلين وبين من هم بعقلية نعو الطفولية البسيطة، لذا تم رمي نعو إلى السجن وبقي فيها عدة أشهر، وبعد خروج نعو من السجن وتعرضه للتعذيبِ حَدَثَ تغيرٌ في شخصيته، تحولَ لفترةٍ إلى شخصٍ انطوائي، لا يمارس طقوسه المعتادة لربما أنه أصبح يخشى هذا العالم الخارجي الذي كان مألوفاً له فيما مضى من الأيام، ولكن “نعو” رويداً رويداً عاد إلى ممارسة عاداته اليومية، ورجعت الأجواء حافلةً به.

وأستأنف نعوو نشاطاته المعتادة، وعندما قامت ثورة روج آفا في كوباني، كان نعوو من المشاركين والمحتفلين بكافة النشاطات التي شهدها المجتمع، من تأسيس المؤسسات، ومن القيام بالمسيرات والانضمام إلى الاحتفالات، والمشاركة في مراسيم الشهداء، ولأن نعوو هو نبض الشارع المجتمعي الحي فقد لاقى ضالته في ثورة روج آفا.

إلى أن وصلت الحال بكوباني إلى تعرضها إلى أشرس هجمة بربرية ووحشية منظمة في التاريخ الحديث والمعاصر، عندما هاجمتها قوى داعش الغاشمة من جهاتها الثلاثة بأحدث أنواع الأسلحة والدبابات والذخائر، وأبدع القناصين والضباط والعسكريين الذين توافدوا إليها من كلِّ حدبٍ وصوب في الهجوم عليها، وكأنهم على أبواب القسطنطينية لفتحها، وعندما بدأت جموع الناس تتزاحم للخروج من مقاطعة كوباني لحماية أنفسهم وأولادهم وصغارهم وكبارهم ومرضاهم وعقلائهم إلى قلب العدو النابض تركيا دونَ أيةِ خياراتٍ بديلة، كان نعوو بين جموع الإداريين من الرفاق والرفيقات يدعو الناس إلى عدم الخروج من كوباني والتريث، وبعدما حصل ما حصل …، بقي نعو مع القلة القليلة من المدنيين والإداريين الذين بقوا في كوباني، إلا أن اشتد الخناق على كوباني التي كادت أن تغرق بين أربعة أفواه الكماشة المطبقة عليها.

 أصبح نعو مرافقاً للمناضلين والمناضلات من قوات وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب، يتحرك معهم ويتخفى خلفهم ويستمد الطاقة والمعنويات منهم، ويبكي يومياً مع الرفيقة لالاشين التي أبدعت في إتقان تنظيف دماء جميع الشهداء والشهيدات وتعطيرهم وحسن دفنهم، ويروى بعض الرفاق الذين بقوا في كوباني كيف أن في الكثير من الأيام والأوقات لم يكن غير نعوو يساعدهم في دفن الشهداء، وحفر مقابرهم لعدم وجود لا رجال ولا نساء في المدينة تساعدهم، وملحمة كوباني حول نعيم إلى هفال نعيم … يساعد الجميع وبين الجميع على قدر إمكانياته، وأصبحت صورة هفال نعيم المرافقة لأغلب المشاهد التلفازية التي كانت تصور من الداخل، جزءً من نسيجِ حربِ كوباني وبطولاتها التاريخية، لكم من الأشخاص وجدناهم يذرفون الدموع، ويحسدون نعو على بطولته وجسارته وقيامه بتقديم ما عجز أقوى الرجال على تقديمه لكوباني، ويروي بعد الرفاق كيف أن نعو كان يخاف عندما تقوى أصوات المدافع والقذائف وكافة أنواع الأسلحة ويسأل الرفاق:( هفال .. هفال … هدول رفاقنا عّم يضربوا ولا الداعشين؟؟؟) وعندما كان الرفاق يخبرونه انهم رفاقنا كان يرقص من البهجة، وعندما كان يشعر أنهم الدواعش كان يرتعش من الخوف والقلق، لكنه كان يقول لن أخرج من كوباني، إلى أن أصيب هفال نعو في إحدى المرات وأسرع الكادر الطبي لإنقاذه، وَمِمَّا زادت من تمسك وحب الشعب خارج كوباني لهفال نعو ومتابعة وضعه الصحي، إلى أن تحررت كوباني وتدفق الناس للرجوع إليها ولم يبق شخص وعبر عن حبه لهفال نعو وموقفه البطولي والذي أصبح جزء لا يتجزأ من ملحمة كوباني التاريخية.

مكتب إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى