مقالات

الموتى لا يسيرون

riyad-yousfرياض يوسف

أثناءَ تَصَفّحي لبعضِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ لَفَتَت انتباهي هذه القصةُ على صفحةِ أحدِ الأصدقاء، فكانَ بعد قراءتي لها، وحسبَ رأيي تُطَبًّقُ على الواقعِ المُعاشِ كردياً في روج آفا، وفي فنادقِ استنبول على أرائكِ اردوغان.

فعندما كادت هيئةُ المحكمةِ في إحدى المحاكمِ أن تَنْطُقَ بحكمِ الاعدامِ على رجلٍ قامَ بقتلِ زوجتهِ، والتي لم يتم العثورُ على جثتها رغمَ توافرِ كلِّ الأدلةِ التي تدين الزوج، هنا وَقَفَ محامىُّ الدفاعِ يتعلق بأيِّ قشةٍ ليُنْقِذَ موكلهُ … ثم قال للقاضى:” سيدي ليَصْدُرَ حكماً بالإعدامِ على قاتِل … لابُدَّ من أن تتوافرَ لهيئةِ المحكمةِ يقينٌ لا يقْبَلُ الشَكَّ بأنَّ المُتَّهَمَ قد قَتَلَ الضحية!!!! وتابع المحامي …

والآن … سيدخُلُ من بابِ المحكمةِ … دليلٌ قويٌ على براءةِ موكلي، وعلى أنَّ زوجتهُ حيةٌ تُرزَق” !!.

وفُتِحَ بابُ المحكمةِ واتجهتْ أنظارُ كلُّ مَنْ في القاعةِ إلى الباب …

وبعدَ لحظاتٍ مِنَّ الصمتِ والترقبِ لم يدخُل أحدٌ من الباب … وهنا قال المحامى:”

الكلُّ كانَ يَنْتَظِرُ دخول القتيلة (زوجة موكلي)!! وهذا يؤكدُ أنهُ ليسَ لديكم قناعةٌ تامةٌ مائة بالمائة بأنَّ موكلي قَتَلَ زوجته” !!!.

وهنا هاجتِ القاعةُ اعجاباً بذكاء المحامي … وتداول القُضاةُ الموقف … ولكن جاءَ الحُكمُ المفاجأة … الحُكْمُ بالإعدامِ على المُتهم، لتوافرِ يقينٍ لا يقبلُ الشَكَّ بأنَّ الرجلَ قَتَلَ زَوجته !!!.

وبعدَ الحُكمِ تساءَلَ الناسُ مستغربين؛ كيفَ يُصْدَرُ مثل هذا الحكم؟

فَرَدَّ القاضي الذي لم يكن يخلو من الحنكةِ والدهاءِ وسرعة البديهة … ببساطة

“عندما أوحى المحامي لنا جميعاً بأنّ الزوجةَ لم تُقْتَلْ، ومازالت حية، … توجهت أنظارنا جميعاً إلى البابِ منتظرينَ دخولها”.

“إلا شخصاً واحداً في القاعة” !!!

“إنَّهُ الزوجُ المُتَّهَم !!!

لأنَّهُ يعلمُ جيداً أن زوجته قُتِلَتْ ودُفِنَتْ، وهوَّ متأكدٌ كلَّ التأكيد … وأن الموتى لا يسيرون”.

هنا وفي واقعنا باتَ المشهدُ قريباً جداً بما حصل في تلك المحكمة يومها، حيثُ يلعبُ الشعبُ في روج آفا (طبعاً الشعب الذي لا يدعم سياسة اردوغان ولا يخدم اجنداته) دورَ القاضي الذي لا يُمكنُ التلاعُبُ بعواطفه، ولا يُمكِنُ الطّعَنَ في حنكته وبداهته. واردوغان هنا يلعب دور محامي الدفاع، الذي حاولَ أن يكون مقنعاً ماكراً في ما سُبِقَ سَرده، ويلعبُ الحضورُ من الجماهيرِ في قاعةِ المحكمةِ الذين تعاملوا مع الموقف بحالةٍ عاطفيةٍ، دورَ مؤيدي ومريدي الأكراد في المجلس الوطني المزمع، وللأسف دورُ الضحيةِ والمغدورة كانت لما يدعونه الأكراد (وليس الكرد) في الائتلاف بأنهم ذاهبونَ من أجلها إلى أحضان تركيا والائتلافِ السوريّ البعثيّ الشوفيني، وهي القضية الكردية والحقوق الكردية والفيدرالية.

العاطفيةُ تبعدكَ عن الكثيرِ من المواقف الايجابيةِ التي يجبُ عليكَ أن تسلُكها، والتي تَدْخُلُ في سبيل حريتكَ وقضيةِ شعبك، وحقكَ في العيشِ بحريةٍ، وكُرْهُكَ الأعمى يُبْعِدُكَ كلَّ البعدِ عن التفكيرِ السليم، وحُقدُكَ الباطنيُّ الداخليُّ في قلبكَ وعدم تفكيرك الجديِّ في إزالتهِ والتخلصِ منه يجعلكَ تكرهُ حتى نفسك، ورفضكَ للمبادرات التي تنادي بمناقشةِ المواضيعِ العالقةِ والتي تستوجبُ النقاشَ للوقوفِ على حلها، الحل الذي يخدمُ المصلحة الكردية العامة، رفضك لها في شخصِ من تُبدي الولاءَ المُطلقَ لهُ ليسَ لمصلحتك ولا لمصلحةِ من تواليه، إذا كانَ بالفعل يريدُ الحلَّ والمصلحةَ العامة، فَكِّر قليلاً في تصرفاته، وراجع أقوالهُ وبياناتِه، وتتبع تصريحاتِه، وقارن أنت … بينكَ وبينَ نَفْسِكْ من يخدم وإلى من يسيء وهل أنتَ مقتنعٌ بِه، وإن كنت مقتنعاً به ليسَ لدرجةٍ تجعلكَ تتبعهُ دون تفكيرٍ وبدرجةٍ عمياء، حاول أن تلعب دوركَ في التأثيرِ عليهِ للخدمةِ العامةِ. إن كنتَ بالفعل تجد نفسك مسؤولاً عن هذه البقعة الجغرافية من الأرض، وإن كنتم تجدون بأنهم لا يستطيعون لعبَ دورٍ بارزٍ كما يدعون هم، وكما بَيَّنَها الكثيرُ من الشخصياتِ في الكثيرِ من المواقفِ، وعدم إعطاء أيِّ أهميةٍ لهم، أو لانتمائهم أو حقوقهم أو حتى الاعترافِ بهم. فهم باتوا كالموتى والموتى لا يسيرون.

 وإما أن يكونَ طمعهم ومصالحهم الشخصية والمادية هي التي تجعلهم لا يُدْرِكونَ ما يجولُ في خاطرِ من حولهم، ولا يعلمون ما يُحاكُ ضِدَّ ملتهم، ولا يشعرونَ إلى أين يذهبون، أو لماذا يخططون وماذا يفعلون وماذا سيكونُ مصيرُهُم.

يحاولونَ جاهدين في كلِّ محفلٍ دوليٍّ ووجِدوا فيهِ أن يُلصِقوا تهمةَ الإرهابِ بوحداتِ حمايةِ الشعبِ والمرأة، (القوى التي قَدَّمَتْ آلافَ الشهداءِ من أبنائها فداءً لهذهِ الأرض) ولهذا الشعب دونَ أدنى تمييزٍ بينَ مكونٍ وآخر، ببينَ أثنيةٍ وأخرى، بينَ دينٍ ومعتقدٍ وآخر، بين قوميةٍ وأخرى. وعندما يتوجهونَ بالحديثِ إليكم … يامن تجلسون في قاعة المحكمةِ وتحكمونَ بعاطفتكم بعيدينَ كلَّ البعدِ عن العقلِ والواقع، يقولونَ نحنُ نطلبُ منهم الشراكة والعودة والتفاهم!!!!!! أيَّةُ شركةٍ وأيَّةُ عودةٍ وأيَّةُ تفاهمٍ تستطيعُ أن تحققهُ مع الإرهابي (حسب قولهم ).

هذا خيرُ مثالٍ يمكنُ مِنْهُ أخذُ العِبرةِ، والتأنيّ في التفكيرِ فيهِ بشكلٍ جديٍ ولو لِبرهة.

زر الذهاب إلى الأعلى